بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
نكسة 67.. ومحو عار نكسات العرب / د. سامح عباس
رغم مرور أكثر من أربعة عقود على نكسة حرب 1967 والتصاق وصمتها بجبين كل فرد فى وطننا العربي من المحيط للخليج ، واستمرار جرحها الغائر فى قلب الجسد العربي كجرح دامي لا يندمل فى تاريخ الأمة العربية، لكن هذه الذكرى السوداء تمر علينا هذا العام بمذاق جديد مختلف عن أي عام كان يتذوقه فيه العرب طوال الـ 44 عاماً الماضية من عمر هذه النكسة، التي كانوا يتجرعون فيها مرارة هزيمة وقهر لم يصنعوه بأيديهم، بل بأيدي أنظمتهم الحاكمة التى أضفت على تلك النكسة مزيد من الإحباط والإنهزامية .
المختلف والجديد فى ذكرى نكسة حرب 67 هذا العام أنها جاءت والعالم العربي يعيش أوج ثوراته وأكبرها حجماً ضد أنظمة استبدادية استمدت دكتاتوريتها من هذه النكسة واستلهمت قوتها وسطوتها على الشعوب العربية من هزيمتها لتكون الفزَّاعة التي يستخدمونها ضد شعوبهم الذين ظلوا يعيشون تحت ظلالها مرغمين طوال السنوات الماضية، وليس غريباً أو من قبيل المصادفة أن نجد عمر هذه النكسة قريب من عمر أنظمة هؤلاء الزعماء العرب الذين قبعوا على كراسي الحكم طوال تلك الفترة، فها هو معمر القذافي فى ليبيا( منذ عام 1969)، وحافظ الأسد فى سوريا(1970) وعلى عبدالله صالح فى اليمن( منذ عام 1978)، وحسني مبارك فى مصر(1981) ، فلم نجد أي من هؤلاء الحكام الذين عاصروا وربما شاركوا فى صناعة نكسة 67 سعى أو تحرك لمحو هذا العار عن جبين الأمة العربية، بل على النقيض تماماً هرولوا نحو الكيان الصهيوني ليقيموا معه العلاقات المشبوهة ويبرموا معه الاتفاقيات سواء علنية أو سرية، وكل ذلك فى سبيل ضمانة بقائهم على كراسي حكمهم على حساب كرامة وحرية شعوبهم.
جاءت نكسة هذا العام والعالم العربي يتحرر لأول مرة من قيود الأنظمة التى ظلت تكبل أياد شعوبها وتعرقل طموحاتها وتجهض تطلعاتها لتحرير الأقصى من دنس اليهود، وتطهير الأرض العربية من احتلالهم، فلأول مرة تحل هذه الذكرى على الكيان الصهيوني وهو فى أقصى حالات الهلع والذعر من صحوة الشعوب العربية ودعوات المسير إلى فلسطين، ليعلن عن أعلى مستويات التأهب بين صفوف جنوده ويستدعي قوات الاحتياط، لإعادة الانتشار العسكري على كافة خطوطه الحدودية خشية انقضاض العرب عليه وتحرير الأرض المحتلة. وهكذا كان الحال لم يختلف كثيراً خلال الاحتفال بذكرى النكبة، وليس أدل على مخاوف الصهاينة من الصحوة العربية من تصريحات الحاخامات اليهود بشأن رهبتهم من انفجار تسونامي الشعوب العربية على الكيان الصهيوني وإلقاء جميع اليهود فى البحر من حيث جاءوا إلى فلسطين.
حقاً فقد حان الوقت لكي يمحو العرب عار نكسة عام 67 من على جبينهم ، تلك النكسة التى اعقبها نكسات ونكسات صنعتها الأنظمة العربية الديكتاتورية التى تتوالى السقوط حالياً واحدة تلو الأخرى. فها هي قد جاءت الفرصة للعرب مرة أخرى ليستعيدوا مكانتهم الإقليمية والامساك بزمام الأمور فى منطقة الشرق الأوسط، ويصبحون الفاعل وليس المفعول به، حتى لا يتركوا مصيرهم وتقرير مستقبلهم فى أياد غيرهم، سواء كانت فى أيد أنظمة عميلة مواليه للغرب ومصالحه على حساب شعوبهم، وتفضل الجلوس على مقاعد الحكم، مستخدمين شتى أنواع الترهيب والتخويف ضدهم عن السعي لتحرير أراضيهم المغتصبة، أو السير وراء وهم السلام العادل مع دولة الاحتلال.
لقد جاءت الفرصة للعرب ليمحو عار نكسة 67 التى أصبحت المرجعية الفكرية والعسكرية للكيان الصهيوني وأقام عليها عقيدته الأمنية وتحولت إلى مفخرة تاريخه الدامي، ويكفي أن نشير إلى أن حالة الرعب التي تعيشها حالياً دولة الكيان وقادتها من ثورات الشعوب العربية لكفيلة أن تكون الخطوة الأولى للعرب لمحو هذا الكيان الغاصب من خارطة العالم وتحرير الاقصى وباقي الاراضي العربية المحتلة. لذا ينبغى على العرب تبني استراتيجية جديدة يمكنها التعاطي من المتغيرات السياسية والعسكرية الجديدة فى منطقة الشرق الأوسط، والتى بدونها لن يستطيع العرب محو هذا العار عن جبينهم.
إن اعتراف رئيس وزراء الكيان الصهيونيى أمام مجلس النواب الأمريكي بأن إسرائيل لن يمكنها الاحتفاظ بحماية حدود 67 لهو مؤشر على رعب قادة هذا الكيان الغاصب من قوة الشعوب العربية المتحررة من نير استبداد وسيطرة الأنظمة الحاكمة ، الأمر الذي يتطلب المزيد من الصمود والإصرار وعدم الانجرار وراء مخططات الفتنة ومؤامرات الوقيعة التى تقودها "إسرائيل" ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، وتشعلها حالياً بين الشعوب العربية، ولعل النموذج المصري أقوى دليل على ذلك. على أية حال فقد حملت ثورات التحرير العربية البشارة بقرب التخلص من عار شنيع يدعى نكسة 5 يونيو1967 التي ظلت لسنوات طويلة نقطة سوداء فى تاريخ العرب، قد حان الوقت محوها، بعد أن محو نكسة الأنظمة العربية الاستبدادية.
المصدر: مفكرة الإسلام