بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
لماذا تحالف الوفد مع الإخوان؟ ..بقلم :مصطفي كمشيش أمر ممدوح أن يتحالف الناس لتحقيق أهداف مشتركة نبيلة, وفي دنيا السياسة يجري هذا الأمر في كثير من الأقطار بدوافع مختلفة,منها ما هو وطني معتبر, ومنها ما هو حزبي صرف.
وتظل القاعدة الذهبية لصاحب المنار والتي تبناها الإمام البنا والتي تقول: [ فلنتعاون فينا اتفقنا فيه, وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه] صحيحة وضرورية, ولعل المشتركات الوطنية كثيرة, وقد تجمع بين الفرقاء حينا..
وما من شك فإن سعي الإخوان (قديما وحديثا) ينطلق من قاعدة المشاركة وعدم الاستئثار بالأمر, وقد ظهر ذلك جليا في مواقف عديدة, منها عدم الترشح لرئاسة أي نقابة رئيسية, واعتماد مبدأ مشاركة لا مغالبة في كثير من الانتخابات, وتحقيق تحالفات معتبرة مع الوفد 1984م, ثم مع العمل والأحرار سنة 1987م, .لذلك يظل أي تعاون أو تحالف عظيما وكريما ونبيلا ورائعا, إذا كان لمصلحة الوطن حتى ولو على حساب أي فصيل منفرد, ويبقى التعاون (أي تعاون) فاسدا وقصيرا ودنئيا إن كان ضد مصلحة الوطن وضد هويته وثقافته (وتعاونوا على البر والتقوى, ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).. وتبقى مسئولية الإخوان أكثر من غيرهم في تحقيق التعاون النافع للوطن, لأنهم هم الأكثر شعبية وتنظيما بالإضافة الى أنهم هم الأطول نفسا في قضايا البذل والعطاء والاصلاح..
مواقف للذكرى
قبيل انتخابات مجلس الشعب 2010, وفي حلقة على الجزيرة مباشر- ضمت الأستاذ احمد ابو بركة والسيدة عزة الجرف (إخوان مسلمين) وممثل عن كل من حزب التجمع والناصري والوفد,ومع ملاحظة أن جميعهم "أحزاب وإخوان" كانوا يمثلون المعارضة ضد نظام الحزب الوطني البائد, وكان من المتصور أن تدور الحلقة في اتجاه مهاجمة الحزب الوطني وسياساته, لكنه حدث عكس ذلك, إذ بدا مسار الحلقة وكأنه تحالف للهجوم من ممثلي الأحزاب الثلاثة ضد الإخوان!, وكأن صراعهم ليس مع النظام المستبد بل مع الإخوان!, وكأن تنافسهم ليس على مقاعد الوطني بل على مقاعد الإخوان!, وكان أبرز المهاجمين وأكثرهم ضراوة الأستاذ عصام شيحة ممثل الوفد, إذ اتهم الإخوان بكل نقيصة, ولعل الشائعات أو الحقائق التي سرت وقتذاك تساعد في تفسير هذا الموقف, فقد ترددت أقاويل (يعلم الله صحتها) عن تفاهم الوطني المنحل مع الوفد لنيل حصة معتبرة من المقاعد التي حصل عليها الإخوان في مجلس 2005م , وقد اعتمدت لجنة الانتخابات بحزب الوفد أوراق ترشيح 125 مرشحاً لانتخابات مجلس الشعب 2010 فى 26 محافظة, ولعل صدمة الوفد كانت كبيرة لما قيل عن نكوص قيادات الوطني المنحل عن وعودها مما أدى لانسحاب الوفد من جولة الإعادة بعد أن أنفق عدة ملايين من الجنيهات في اعلانات متلفزة ضخمة.
ولا يمكن أن ننسى في هذا السياق ما كان من مقالات رفعت السعيد وحواراته وكتبه عن ما أسماهم ( المتأسلمين), وماكان من اصرار قادة أحزاب الوفد والتجمع والناصري على استبعاد الإخوان من أي حوار مشترك لمواجهة نظام الحزب الوطني البائد..
ما مصلحة الإخوان من التحالف؟
تبقى يد الإخوان ممدودة لغيرهم سعيا للتعاون المشترك, فالإخوان لا يسعون للأغلبية المطلقة في التمثيل البرلماني, وذلك وفقا لقراءتهم للواقع المحلي والإقليمي والدولي, حيث يرون أن معطيات "اللحظة" تتسق مع ذلك, ولعلهم أرادوا ارسال رسائل طمأنة للداخل والخارج, ولعل قرار القيادة بعدم ترشيح أو دعم ترشيح رئيس للجمهورية من الإخوان يسير في نفس النسق, ومن هنا تبقى مساحات شاغرة في البرلمان والرئاسة, تتطلب تنسيقا ممن يهمه الأمر (داخليا) مع الإخوان, وهنا تتحقق مصلحة معتبرة للإخوان في تقديم رسالة قوية مفادها أنهم لا يريدون تفردا بالأمر.
ما مصلحة الوفد من التحالف؟
أولا : يسعى الوفد للسلطة, وقد قام بالفعل بتشكيل حكومة ظل, والوفد لا يلقى أي معارضة تُذكر(نخبويا واقليميا ودوليا), فهو حزب علماني ليبرالي منذ نشأته, وليس لديه أدنى مشكلة في المساس بالبقرات الثلاثة المقدسة ( محليا : هيمنة القطاع الخاص على الاقتصاد المصري – اقليميا : عدم المساس بمعاهدة السلام, ودوليا : الابقاء على الصداقة مع امريكا بشكلها الحالي ).. وإذا كانت مساحة الحكم شاغرة ( إذ يصرح قادة الإخوان دوما أنهم لا يسعون للسلطة أو الحكم ), فلماذا لا يشغلها الوفد؟, وإذا كان لا يستطيع بمفرده أن يصل للحكم, فلماذا لا يتخذ الإخوان جسرا للوصول الى ذلك؟
ثانيا : يريد الوفد أن يغسل يديه مما لحق بهما من آثار مما تردد من حقائق أو"شائعات"عن تحالفه أو تنسيقه مع النظام السابق, وعما قيل عن أوامر صفوت الشريف لقادة الأحزاب ومنهم الوفد بعدم اجراء أي حوار مع الإخوان وغير ذلك, كما يريد أن يُغير الصورة الذهنية للحزب أنه حزب الأقباط في مصر, بعد أن أصبح للأقباط أحزابا أخرى..
ثالثا : يدرك الوفد بشكل برجماتي أن للنُخبة صخبها, لكن للشعب خياراته, وخيارات الشعب تبتعد كثيرا عن طرح كثير من اطروحات النخبة, وأن ميل الشعب المصري بتدينه الفطري والأصيل لا يمكن أن تخاصم قيم الإسلام ومرجعيته, والتحالف مع الإخوان يُعيد تقديم الوفد في صورة المتصالح مع خيارات الأغلبية حين يرون أسم (الوفد) مقترناً بأسم (الإخوان), حتى إذا ترسخ في ذهن كثير من الناس أن الوفد حليف للإسلاميين وغير متخاصم مع خياراتهم, فإنه يستطيع في المرة القادمة أن يتقدم للانتخابات منفردا أو متحالفا مع غيره من نفس اتجاهه أوايدلوجيته, بعد أن حقق مراده, ولا مانع "بعد ذلك" أن تأتي تصريحات قادة الوفد أن ثمة مشكلات تعيق استمرار تحالفه مع الإخوان, وأنهم " أي الإخوان" كذا وكذا! ,وهو ما حدث بامتياز في 1987 بعد تحالف 1984 !!
من لا يتطور يموت !
إن مقولة "من لا يتطور يموت" مقولة صحيحة, وفي الساحة السياسية المصرية يمكن القول أنه "من لا يتطور يصبح جزءً من النظام السابق", ويعتبر مسلك حزب الوفد (بعد الثورة) أمهر المسالك "سياسيا", فلم يَقم حزب أو تيار بما قام به الوفد, إذ قام بطرح الثقة في قيادته, وفي هيئته العليا, وأعاد انتخاباتهما بحجة معتبرة تقول : إن خيارات الوفديين للقيادة "قبل الثورة" قد لا تكون بالضروروةهي نفس خياراتهم بعد الثورة.
مرونة .. نريدها مع الجميع ؟
حينما يرى الناس أن الإخوان يتصالحون مع من أساء اليهم من الوفديين وغيرهم, وحينما نرى رفعت السعيد مدعوا لافتتاح مقر الإخوان الجديد في المقطم, فإننا نحب أن نرى عصام سلطان وابو العلا ماضي وغيرهما من رجال حزب الوسط " صاحب المرجعية الاسلامية" ضيوفا على الإخوان ( بل وأصحاب مكان), كما نود أن نرى غيرهم من باقي التيارات الإسلامية أيضا في سياق التنسيق والتعاون, شريطة ألا يكون ذلك اصطفافا اسلاميا محضا, حتى لا يتحول أو يُفهم منه أنه اصطفاف طائفي..
خطان مصريان كبيران
يمثل خط الحزب الوطني القديم (مصطفى كامل ومحمد فريد) ومصر الفتاة (احمد حسين وابراهيم شكري) وحسن البنا ( الإخوان) وجمال عبد الناصر (ثورة يوليو بشكل ما) خطا مصريا أصيلا يسعى لترسيخ هوية الوطن واستقلال ارادته, وخط ثان يمتد فكريا من ( احمد لطفي السيد) حتى الآن يعتنق فكرا تغريبيا موازيا يظل يتبلور في أحزاب ومؤسسات, وإذ كان ثمة مَلام على من (غادر الجغرافيا) فأتي بالمستورد ليجعله لنا منهجا, فإنه ثمة مَلام أخر على من (غادر التاريخ) فلم يقدم مايناسب الزمان والعصر, والتوازن البديع في توخي الصواب والنافع والأصيل لبلادنا من كل الأفكار المطروحة يمثل تحديا كبيرا لشرفاء الوطن وأخياره, ويبقى الدرس الكبير والمستفاد للنخبة وغيرها, وملخصه: أن هذا الوطن له ثقافته وهويته الراسخة المستقرة, فربما ينفق غُلاة المتغربين جل وقتهم وجهودهم في كتابة الكتب والمقالات, وفي حوارات الفضائيات, أملا في اقناع الشعب المصري بعلمانية مخاصمة للدين وقيمه, يسمونها تأدبا " مدنية" حين تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك قُبح مدلول كلمة العلمانية "حسب حقيقتها المستوردة " ورفضها لدى المصريين, لكنهم حين قالوا بالمدنية تفاجأوا أنه لا يُنكر مدنية الدولة أحد, وكان الأغرب أن طالب بعضهم بعكس المدنية, ألا وهي " العسكرية" حين طالبوا بتمديد حكم المجلس العسكري !!, إذ طالب فقيهُهم الدستوري الكبير بذلك بزعم أن القادم أسوأ!! , لكن المفرح أن أثر جهود التغريبيين يظل محدودا, لكنه ليس معدوما, ومن هنا لا يجب أن يكون الفرح مُفرطا, لكنه يجب أن يكون فرحا ممزوجا باليقظة البالغة, ومن دواعي هذه اليقظة الانتباه التام لمخططاتهم ومصادر تمويلهم, والانتباه ايضا الى عدم تبني "خيارات بعينها" استجابة لضغوطهم وصخبهم الإعلامي وصوتهم العالي, لأن الاستجابة لهم يجب أن تكون استجابة لما يمكن أن يكون حقا من أقوالهم, شريطة أن لا تكون ثمة استجابة تُذكر لما يمكن أن يكون مخاصما أوحدا فاصلا مع قيم هذه الأمة وثقافتها وهُويتها..
مصطفى كمشيش
|