بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
"دولة" بخزينة خاوية / بركات شلاتوة
إعلان رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف، سلام فياض، أن خزينة السلطة خاوية، وأنه لن يتم صرف سوى نصف راتب للموظفين الذين يتجاوز عددهم مئة وستين ألفاً، يضعنا أمام سؤال كبير وتساؤلات أكبر عن استحقاق الدولة في سبتمبر/أيلول المقبل، رغم الأسطوانة التي أصمت آذاننا بأن مؤسسات السلطة ستكون جاهزة لهذا الاستحقاق مع نهاية 2011. أما السؤال الأهم فهو لماذا هذا الكلام الآن، وبشكل مفاجئ، بالتزامن مع الجهود الفلسطينية والعربية التي تبذل لإخراج حكومة التوافق الوطنية إلى النور؟
خلال السنوات الخمس الماضية انتظمت السلطة بدفع رواتب الموظفين بشكل كامل في الأسبوع الأول من كل شهر، باستثناء بعض المرات التي حجبت فيها "إسرائيل" الضرائب التي تحصلها للسلطة، كما حدث الشهر الفائت، لكن حتى قبل ذلك كانت كل أزمة مالية تمر بها السلطة معلومة للقاصي والداني، ويتم تهيئة الموظفين لها مسبقاً، أما هذه المرة فكانت مفاجئة ووقعت على مسامع الموظفين وقع الصدمة لأنهم ليسوا مهيئين لها مادياً أو معنوياً. فهل ارتبط هذا الإعلان بما يدور خلف الكواليس للتوافق على رئيس وزراء جديد، بعيداً عن فياض الذي قد يكون إعلانه هذا تلويحاً بعصا الجوع للشعب الفلسطيني إذا ما اختار غيره؟ أم أن السلطة تواجه بحق عجزاً مالياً؟
في كلتا الحالتين فإن هناك مشكلة حقيقية، لأن السلطة التي تسعى إلى الحصول في سبتمبر/أيلول على الاعتراف بها دولة مستقلة في حدود عام 1967، ستواجه فشلاً ذريعاً في أولى خطواتها، فما معنى الدولة المستقلة وهي فعلياً تابعة وغير مستقلة وتعيش على المنح والهبات والمساعدات، وتواجه عجزاً يصل إلى ملايين الدولارات إن لم نقل مليارات، ولم تحقق الحد الأدنى من الاستقلالية الاقتصادية، أو النمو، ولم ترسخ القواعد الاقتصادية لهذه الدولة؟
لماذا لم تعمل السلطة التي أنشئت قبل سبعة عشر عاماً على تهيئة بنية اقتصادية قوية تكون قادرة على النهوض بالواقع الفلسطيني وتحقيق استقلالية ولو حتى جزئية عن الاحتلال واقتصاده وتغني عن المنح والهبات التي لها توابعها؟ لماذا تم الاهتمام بالقوى الأمنية وبناء المعسكرات والسجون ولم يعطَ الاهتمام بالجوانب الاقتصادية؟ وهل من الضرورة حصول السلطة على حصة 51 في المئة من أي مشروع استثماري جديد، ما كان سبباً في هروب الاستثمارات ورؤوس الأموال؟
ما دام الواقع كذلك فكيف سينفذ فياض خطته الساعية إلى الاستغناء عن المساعدات الخارجية مع حلول العام 2013، وأين هي البدائل؟ أم أن ما قيل هو للاستهلاك الإعلامي ولإطالة أمد جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء؟
المحاولة اليائسة لتبرير أن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة لا تضعف من جاهزيتها لإقامة الدولة، لن تنطلي على أحد، لأن هناك مشكلة حقيقية، وعجزاً مالياً كبيراً، ويدور الحديث عن فساد مستشر في بعض مؤسسات ووزارات السلطة من دون حسيب أو رقيب. هذه المعطيات لا تبشر بأن هناك أرضية صلبة لإقامة الدولة.
أما على الجانب الآخر فإن ربط مصير شعب كامل بشخص واحد، مصيبة ما بعدها مصيبة، والتذرع بأن القنوات المالية لا تتم إلا من خلال فياض هو استخفاف بعقول الفلسطينيين ولعب بمستقبلهم وتطلعاتهم. فياض أدى دوراً ونجح في جوانب وأخفق في أخرى، وانتهى هذا الدور. الآن يجب منح الفرصة لآخرين، وقد يجعل ذلك الفلسطينيين يتمنون عودة أيام فياض، أو أن يكتشفوا أنه كان بإمكانهم تحقيق الكثير من دونه.
المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية