بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان كشمير..
شهر المقاومة والصبرالجمعة, 06 آب/أغسطس 2010
سمير حسين أبو زعقوق
تتداعى الثواني والدقائق والأيام سريعًا، والآهات تلو الآهات، تطلقها القلوب قبل الحناجر، ولكن هيهات هيهات أن تجد لها صدى، أو تسمع لها دويًّا، فتتلاشى أوجاعها في جدران الزمن حتى بِتْنَا لا نسمع تنهداتها، أو لعلها ملّت سكوننا فآثرت الانطواء على نفسها لتناجي ربها فهو حسبها ونصيرها.. إنها كشمير، جرح قديم في جسد الأمة الإسلامية، لم يلتئم بَعْدُ، رغم السنين، فما زال ينزف وينزف، لكننا ما عدنا نرى ما يخطّه قلم الحقد الأحمر، ويمر عليها الشهر تلو الشهر، حتى يأتي شهر رمضان.
فكيف نتوقع أن يكون شكل رمضان في هذا البلد الذي يعيش حالة مستمرة من المقاومة تحتمها ظروف الاحتلال الهندوسي، الذي يحشد 700 ألف جندي لضرب المقاومة الإسلامية في كشمير، التي تبلغ مساحتها 242000 كيلو متر مربع، وعدد سكانها يصل إلى 5.12 مليون نسمة، نسبة المسلمين 85% من إجمالي السكان، وقدمت المقاومة في كشمير أكثر من مائة ألف شهيد، منهم 90 ألفًا من المدنيين الأبرياء الذين سقطوا نتيجة سياسة القتل العشوائي، واستشهد أكثر من خمسة آلاف خلال الاحتجاز في السجون وأقسام الشرطة الهندوسية، فضلاً عن وجود أكثر من مائة ألف أسير مسلم يعانون في هذه السجون قسوة القهر وظلم حكام العالم الإسلامي، الذين تركوهم ليلتهمهم الهندوس غير عابئين بتقارير منظمات حقوق الإنسان التي تفضح ممارسات الهندوس ضد المسلمين الكشميريين.
وعن انتهاكات الهندوس للمقدسات الإسلامية فحدث ولا حرج، فقد أحرقت القوات الهندوسية ودنست حوالي 825 مسجدًا، كما أحرقت عشرات الآلاف من المصاحف، ودمرت وأحرقت مائة ألف منزل ومتجر، ومئات الآلاف من المواشي، كما تم إتلاف بساتين وغابات وحبوب زراعية تقدر قيمتها بملايين الدولارات؛ فكشمير ذات أغصان وارفة, وجنة غناء, وأشجار الفاكهة فيها تبلغ 219 نوعًا, منها 111 نوعًا من التفاح، و63 نوعًا من الكمثرى، ونحو 31 نوعًا من البرقوق, ونحو 14 نوعًا من الكريز, والليمون الهندي, والجوز والخوخ, والمشمش, واللوز, والفستق والسفرجل والمانجو.جغرافيا وتاريخيعود تاريخ دخولها الإسلام في القرن الأول الهجري في زمن محمد بن القاسم الثقفي الذي دخل السند وسار حتى وصل إلى كشمير, وضمها جلال الدين أكبر عام 1587م إلى دولة المغول الإسلامية، وتقع كشمير في أقصى الشمال الغربي لشبه قارة جنوب آسيا، وتتمتع بموقع استراتيجي بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، حيث تتقاسم الحدود مع كل من الهند، وباكستان، وأفغانستان، والصين.
وقد كانت كشمير ضمن شبه القارة الهندية حتى عام 1947م عندما تم تقسيم شبه القارة إلى الهند وباكستان، وكان قرار التقسيم ينص على أن الولايات ذات الأغلبية المسلمة تنضم للباكستان، والولايات ذات الأغلبية الهندوسية تنضم للهند، إلا أن هذا القرار لم يُطبق على ولاية كشمير التي احتلت الهند ثلثيها -وما زالت- ويسمى كشمير المحتلة، وهذا الجزء هو موضوعنا اليوم، أما الثلث الأخير فيسمى كشمير الحرة، وهو الجزء الذي تسيطر عليه باكستان.
وقد بدأت المقاومة المسلحة في كشمير المحتلة في السنوات الأخيرة من العقد التاسع من القرن الماضي، وما زالت مستمرة حتى الآن، وقد ذكرنا في بداية مقالنا نتيجة هذه المقاومة والانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون هناك، فكيف يا ترى يستقبل المسلمون هناك الأعياد والمواسم الإسلامية، خصوصًا شهر رمضان المبارك؟ السطور التالية تجيب على السؤال السالف.
رؤية الهلال
انتظار هلال رمضان من العادات المنتشرة بين شعوب العالم الإسلامي، وكذلك هي عادة أهل كشمير الذين ينتظرون إعلان لجنة روية الهلال الباكستانية الموكل إليها الإعلان عن بدء الشهر المبارك وكذلك انقضاؤه، ورغم ذلك فهناك بعض الجماعات الكشميرية تعتمد في صيامها على روية الهلال في الهند دون النظر لما تعلنه لجنة رؤية الهلال الباكستانية. كما أن هناك جماعات أخرى (السلفيون) تصوم على روية الهلال في المملكة العربية السعودية، ولا تعتمد أيضًا على إعلان لجنة رؤية الهلال الباكستانية. وهذه الانشقاقات داخل المجتمع الكشميري هي عورة منتشرة على خريطة العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وينتظر المخلصون لهذا الدين أن يجتمع المسلمون على هلال واحد، كما هم مجتمعون على إله واحد، ونبي واحد، وكتاب واحد، وقبلة واحدة.
وفور الإعلان عن رؤية الهلال يتم تزيين المساجد التي تُقام فيها صلاة التراويح، وتستمر هذه الزينة حتى انقضاء عيد الفطر، وصلاة التراويح عشرون ركعة، ويتم ختم القرآن الكريم مرة واحدة في صلاة التراويح، ويكون ختم القرآن في ليلة القدر (ليلة السابع والعشرين من الشهر الكريم)، وبين كل أربع ركعات من التراويح يردد المصلون الأوراد والأذكار، وفي بعض المساجد تكون هناك دروس تفسير للآيات التي صلى بها الإمام، وهي دروس تسهِّل على المصلين فهم ما يتلوه الإمام في صلاة التراويح.إفطار وسحور وتراويح
يعيش المسلمون في كشمير أوضاعًا مأساوية بسبب الاحتلال الهندوسي فينتشر الفقر، والبطالة، والتشرد، وينتشر المتسولون في أنحاء كشمير، وهذه الأوضاع تخيم بظلالها السيئة على الكشميريين في رمضان؛ حيث لم يعد يشعر الكشميريون بالفرحة، فطبق "وازوان" الذي يحوي أكثر من ثلاثين نوعًا من أنواع الطعام، أصبح إعداده أمرًا نادرًا في رمضان، أما الـ"كونجري" وهو وعاء صغير يضعه كل مواطن داخل صدره، وأسفل ملابسه العليا من أجل التدفئة خلال شتاء كشمير القارس، ويحتوي على لهب من نار.. فقد أصبح أداة من أدوات المقاومة ضد الاحتلال الهندي، فهو بمنزلة عبوة ناسفة ضدهم.ومع هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه المسلمون في كشمير المحتلة إلا أن المسلمين يصرون على الاحتفاء بالشهر الكريم من خلال موائد الإفطار التي يقيمها الأثرياء للفقراء والمساكين في المساجد -رغم الحصار الهندوسي- حيث يتناول الصائمون بعض التمرات ثم يصلون المغرب، وبعدها يتحلّق الصائمون حول موائد الطعام، ثم ينتظرون العشاء والتراويح، وبعد ذلك يتوجهون إلى بيوتهم للنوم، ويستيقظون للسحور على مكبرات الصوت المنطلقة من المساجد تعلنهم بدخول وقت السحور. ولا ينام الكشميريون بعد السحور، بل يستعدون لصلاة الفجر، وبعد الفجر يجلسون في مصلاهم يقرءون القرآن ويذكرون الله -تعالى- حتى تشرق الشمس، يصلون ركعتين وينطلقون إلى أعمالهم، ودوام العمل يستمر من الشروق حتى صلاة الظهر.
رمضان حزينرمضان في كشمير حزين، وهو أشبه برمضان في
فلسطين المحتلة، حيث يزيد جنود الاحتلال الهندي من حصارهم للقرى والمدن الكشميرية التي تنطلق منها المقاومة خلال شهر رمضان الكريم؛ من أجل الحيلولة بين توجه الناس إلى المساجد التي يبلغ عددها في الإقليم نحو خمسة آلاف مسجد، كما يلقون القبض على من يشتبهون في أنه ملتزم دينيًّا، أما من يشتبهون في أنه ينتمي إلى الجماعة الإسلامية، فإنهم لا يترددون في قتله فورًا، ويزيد البطش والظلم للمسلمين في شهر رمضان الكريم؛ لأن الإقليم يشهد صحوة دينية؛ فرغم هذا الحصار يزداد إقبال الشباب على التجمع بالمساجد لأداء الصلوات وبخاصة التراويح، وهذا ما يغيظ القوات الهندية بشدة ويستفزها؛ لأنها تتخوف من قيام البعض بتدبير عمليات جهادية ضدها.
وتتزايد في رمضان العمليات الجهادية ضد قوات الاحتلال الهندي، الأمر الذي يدفع المسئولين الهندوس لإعلان الهدنة، ووقف القتال خلال شهر رمضان، مدعين احترامهم للشهر الكريم، ويؤكد المسئولون أن الحكومة ستلتزم بهذه الهدنة، إلا أن المقاومة الإسلامية تكثف من هجماتها ضد القوات الحكومية خلال شهر رمضان.
ومع تزايد العمليات الجهادية في رمضان يتزايد الإقبال على التعليم الإسلامي؛ حيث تنتشر 1200 مدرسة إسلامية في سائر أرجاء الإقليم.