سيف الله تركستانيفي عزلة تامة عن العالم وتعتيم إعلامي على أخبارهم وأحوالهم، استقبل مسلمو إقليم تركستان الشرقية (شينجيانج) بشمال غرب الصين شهر رمضان المبارك بأفئدة مضطربة، ليس فقط خوفًا من الإجراءات الأمنية المشددة التي يتوقعون أن تتبعها السلطات الصينية ضدهم مثل حملات المداهمات والاعتقالات المكثفة، ولكن أيضًا لأنها ستعكر عليهم الأجواء الرمضانية بالمحظورات التي ستفرضها على الصيام والصلاة والتراويح وحتى إخراج الزكاة.
فأجواء المحنة الأخيرة التي كابدها الإقليم ما زالت تخيم على صدور سكانه من المسلمين، وهي المحنة التي أشعلتها اشتباكات بين القوات الصينية وأبناء من عرقية الهان (العرق المسيطر على الصين) من جهة وبين إيجوريين من جهة أخرى (العرق الذي ينتمي إليه معظم مسلمي تركستان) عقب خروج متظاهرين من الإيجور للشوارع احتجاجًا على سوء تعامل الحكومة مع حادثة مقتل عاملين منهم عندما اشتبكا مع عمال من الهان في أحد المصانع بجنوب البلاد أواخر يونيو الماضي.
وبعد مرور أكثر من شهر ونصف على هذه الاشتباكات فإن شبكة الإنترنت ما زالت معطلة.. والاتصالات التليفونية إن لم تكن مستحيلة فهي غاية في الصعوبة وتحت رقابة صارمة، بينما الاستجوابات ومداهمة المنازل ما زالت تتواصل.. يرافقها حملات إرهاب وتخويف من قبل السلطات الصينية لمسلمي الإيجور، وتهديدات باعتقال كل من يتحدث من سكان الإقليم حول ما حدث.
وكثير من الحواجز ونقاط التفتيش أقامتها السلطات الصينية بين المدن والقرى لمراقبة كل حركة، ولمنع انتقال أي أخبار حول ما حدث من منطقة إلى أخرى؛ بهدف عدم إشاعة أجواء الاحتقان بين مسلمي بقية الأقاليم الصينية، الأمر الذي جعل أخبار الإقليم معتمة بشكل كبير، ولا تعرف إلا عبر بعض الأفراد الذين تسنى لهم مغادرة الصين، ونقل تفاصيل ما حدث في تركستان الشرقية إلى العالم.
وأسفرت اشتباكات يوليو الماضي-2009 -عن مقتل ما يزيد على 791 شخصًا معظمهم من عرقية الهان، بحسب إحصاءات حكومية، أو أكثر من ألف واختفاء 10 آلاف آخرين من مسلمي الإيجور، بحسب إحصاءات تركستانية نقلتها عن شهود عيان الزعيمة الإيجورية ربيعة قدير، التي تعيش بالمنفى في الولايات المتحدة، وترأس مؤتمر الإيجور العالمي الذي ينقل قضية الإيجور إلى المحافل الدولية.
شل الحركةوفي اتصال هاتفي مع الشيخ عبد الأحد حاجي، عضو مجلس إدارة جمعية التربية والتعليم والتعاون الاجتماعي لتركستان الشرقية في مدينة إستانبول بتركيا، قال: إنه وفقًا لآخر الأخبار التي وردته عبر مواطنين حضروا من الإقليم إلى تركيا، فإن السلطات الصينية بدأت في سحب جميع هويات المواطنين دون تفريق بين رجال ونساء.
وأضاف أن ذلك يهدف إلى "شل حركة مسلمي تركستان الشرقية بين مدينة وأخرى؛ لأنه من المستحيل أن يتنقلوا بدون بطاقة هوية"، مشيرًا إلى أن السلطات الصينية منعت التنقل بين القرى المختلفة إلا بإذن مسبق من السلطات المحلية.
وتتهم الصين جماعات إسلامية في تركستان الشرقية بالسعي لإعادة إقامة دولة إسلامية كانت قائمة بهذا الاسم قبل أن تضمها الصين عنوة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، ثم أحكمت قبضتها عليها حين تولى الشيوعيون الحكم عام 1949م، وأطلقت عليها اسم "شينجيانج" أي المقاطعة الجديدة، التي سعت إلى تحويلها إلى النمط الشيوعي الصيني الملحد، خلافًا للطابع الإسلامي السائد.
موسم الاعتقالاتويطلق بعض مسلمي تركستان على رمضان تحت ظل السيطرة الصينية "موسم الاعتقالات"، ذلك أنه يتعرض فيه آلاف الشباب -خاصة ذوي المظاهر الدالة على التدين- للاعتقال؛ خوفًا من أن يشجعوا على قيام مظاهرات احتجاجية وثورات خلال الشهر الكريم.
وبحسب ما نقلته "إسلام أون لاين.نت" عن شهود عيان، فإنه من المتوقع أن يكون التضييق على المسلمين في أداء العبادات هذا العام أشد حظرًا من الإجراءات التي اتبعتها السلطات الصينية العام الماضي، حين منعت صلاة التراويح كاملة، وختم القرآن في المساجد، ومنعت تنقل الأئمة والحفاظ من إمامة المصلين في مسجد آخر غير مسجده الذي يقع بجانب بيته، وكذلك بالنسبة للمصلين ممنوع عليهم الصلاة إلا في المسجد الذي يقع حيث يسكنون.
أما هذا العام فإن مسلمي الإقليم كلهم قلق من أن يتم منع التراويح نهائيًّا، أو أن يُسمح بها تحت رقابة صارمة على ألا تزيد مدتها مع صلاة العشاء على 20 دقيقة فقط، وفي مساجد محددة.ويصدق على كلام الشهود اللوحات التي علقتها السلطات على كل أبواب المساجد في تركستان، وتحظر بموجبها دخول المسجد على الشباب أقل من 18 عامًا وعلى الموظفين والنساء.
وكان بيان حكومي برر اتباع إجراءات مماثلة العام الماضي بأنه: "بالنظر إلى موجة العنف التي شنها متطرفون دينيون وانفصاليون وإرهابيون، فإنه يتوجب علينا أن نتصدى لانتشار التعليم الديني الذي يقدمه زعماء دينيون وتلاميذهم".
ويلفت أحد شهود العيان إلى أن المنطقة الجنوبية من تركستان الشرقية، والتي كانت تمثل العاصمة القديمة لها، تتميز بالالتزام بشعائر الإسلام أكثر من المناطق الشمالية؛ لذا كان القرَّاء والحفاظ فيها يتجهون إلى محافظات شمال تركستان لإمامة صلاة التراويح، إلا أنه في رمضان العام الماضي منع الحفاظ والأئمة من الانتقال خارج محافظاتهم، ومن المتوقع أن يستمر المنع هذا العام.
حظر الصيامومن مظاهر التضييق التي دأبت على ممارستها السلطات الصينية بحق مسلمي تركستان الشرقية بشكل عام خلال شهر رمضان في معظم الأعوام السابقة، أنها تمنع الموظفين المسلمين من أبناء الإقليم العاملين في الحكومة، وكذلك الطلاب من الصيام نهائيًّا بحكم قانون رسمي ومعلن، وفق ما ذكره أحد أئمة تركستان الشرقية المقيم بتركيا، طالبًا عدم ذكر اسمه.
وأضاف الإمام أن الموظف "إذا ما صام سرًّا، فإن المسئول الصيني يختبره بأن يقدم له الضيافة حتى يعرف هل هو صائم أم لا، وتخصم مصروفات هذه الضيافة الإجبارية من راتبه قسرًا، وإذا عُرف أنه صائم إما أن يفصل من وظيفته أو يحجب عنه راتبه"."ونفس الحال بالنسبة للطلاب في المدارس والجامعات الذين لا يسمح لهم بإقامة أي شعائر دينية مثل الصلاة والصوم، والطالب الذي يخالف يتم طرده فورًا".
أما بالنسبة لغير الموظفين وغير الطلاب فإنه "منذ 10 سنوات كانت الحكومة تمنع الإفطار الجماعي سواء في المسجد أو المنازل، ونتوقع أنه هذا العام ستعيد تطبيق هذا المنع"، وفق ما يقول الإمام التركستاني.
ويتعدى الأمر الصيام والصلاة إلى الزكاة -كما يوضح الإمام التركستاني- والذي أضاف: "أن هذه العبادة (الزكاة) أصبحت صعبة الأداء؛ لأن الشخص الذي يريد أن يدفع الزكاة لا يستطيع أن يقدم الزكاة إلى مستحقيها وفق أولويات من يستحق؛ فمثلاً ممنوع عليه أن يقدمها لطالب علم شرعي فقير، أو لأسر المعتقلين".
ومنذ أن ضمت بكين تركستان إليها عام 1949م وهي تشجع انتقال الصينيين من عرقية الهان على نطاق واسع إلى الإقليم ليسيطروا على ثرواته، وتصبح لهم اليد العليا فيه؛ وهو ما أدى إلى تراجع نسبة السكان المسلمين في الإقليم من أكثر من 90% قبل هذا التاريخ إلى أكثر بقليل من 40% بحسب أحدث الإحصاءات لصالح تزايد أعداد الهان الوافدين من بقية الأقاليم الصينية.