بسم الله الرحمن الرحيم
أذكر الله
عروش الطغاة وهوان الدنيا على الله
موسى الغنامي
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه ,,,, أما بعد
" وتأمل حكمته تعالى في تسليط العدو على العباد , إذا جَار قويهم على ضعيفهم
, ولم يُؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه ؛ كيف يُسلط عليهم من يفعل بهم كفعلهم
برعاياهم وضعفائهم سواء , وهذه سنة الله تعالى مُنذ قامت الدنيا إلى أن
تطوى الأرض ويعيدها كما بدأها " .
توقيع العلامة ابن القيم
مفتاح دار السعادة (1/253) .
أيها المباركون
إن الخالق العظيم سبحانه وتعالى عندما ابتدأ الخلق , وجعل له ميدانا في
السموات والأرض , ضرب له نواميس كونية , وسننا قدرية , لا يحيد عنها قيد
أنملة , وجعل لها حدودا شرعية , وضوابط مرعية , من شرعه القويم , فإن هَسّ
عنها المخلوق يمنة أو يسرة ابتدرته السنن وكلاً على قدر حاله .
قال صلى الله عليه وسلم : " كَتَبَ اللهُ
مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " .
أخرجه مسلم (4/2044)
والله جل ذكره متفردٌ بالجمال والكمال , واحد في الصفات والأفعال , ملكٌ
عظيم , له الملك الأزلي , والتصرف المطلق , يعطي ويمنع , ويخفض ويرفع ,
يعاقب ويثيب , ويسمع ويجيب .
إذا
أراد شيئا قال له : كن فيكون , له الأمر كله , وله الحكم كله , لا يخرج عن
مشيئته فاذ , ولا ينبوا عن قدره شاذ , يكوّر الليل على النهار ويكوّر
النهار على الليل , قد استوى على عرشه فوق سماواته السبع الطباق , ولا يخفى
عليه شيء من أمور خلقه بارهم والعاق , ومع علوّه سبحانه فهو أقرب شهيد ,
وأدنى حفيظ ، حال دون النفوس ، وأخذ بالنواصي , وكتب الآثار , ونسخ الآجال
، فالقلوب له مُفضية ، والسرّ عنده علانية , ولا حول ولا قوة إلا به
.
عظيمٌ شأنه , عزيزٌ سلطانه , كاملٌ برّه , وبائن لطفه , تتابعت عطاياه ,
وتوافرت نعماه , يرى من عباده الفواحش والآثام , فيسترهم عن أعين الأنام ,
يذكّرُهُم عفوه , ويحذّرهم بطشه , فيتحبب إليهم بالنعم , وإلا عَصَفَهم
بالنقم .
فإن أطاعوه قرّبهم , وإن عادوه باعدهم , ولا أبعد ممن أبعده الله تعالى ,
يُعامل عباده بالسنن الشرعية فضلا منه , فإن عصوه أخذهم بسننه القدرية عدلا
منه .
ملكٌ عظيمٌ جِدُ عظيم , ترتد الأبصار خاسئة دون بعض
مخلوقاته , وتتحير الأذهان في بعض مصنوعاته , وتزداد النفوس هيبة وتعظيما
له إذا رأت بعض آياته .
عَرَفَ بعضُ خلقه ذراتا من بديع مخلوقات الله كالجبال والشمس والقمر
فعبدوها من دون الله , فكيف لو عرفوه تعالى !
" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " .
أيها المباركون
إن في تصاريف الأيام , وتداول الأحوال , لعبرةً تدعو لفكرة , تجعل المؤمن
يتفكّر في سنن الله الكونية , فيزداد بها تعظيما وإيمانا , وإقرارا وإذعانا
لمن خلقها جل شأنه وأدار فلكها ورمكها على مِغزل الأيام بخيوط القدر
الرقيقة , وأدخل جَمَلَ الحوادث في سَمّ خِياط قدره , "
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ " .
وفي هذه الأيام تتجلي سنن الله الكونية تنادي أولي الألباب ليعرفوها كما
أخبر بها خالقها جل شأنه في الظالمين والطغاة من عباده "
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا
مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا " .
فإن الدنيا وإن عظمت لا تساوي عند الله جناح بعوضة , فعطائه فيها لمن يحب
ولمن لا يحب , وأعظم العطايا في الدنيا عطية " المُلك " ولذا قال جل شأنه
لسليمان عليه السلام بعد التفضل عليه بالملك العظيم : "
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ
أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " , ومع كبير قدر الملك , وعظيم خطره ,
وتشبث العبد به وتطاوله إليه , حتى إنه لا يكاد يفلته إن حصل عليه , فلا
يؤخذ منه أخذا بل ينتزع منه انتزاعا كانتزاع الروح من الجسد , "
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ
مَنْ تَشَاءُ " .
فبعد طويل ليل الطغاة الجبابرة , الجاثمين على صدر الأمة ردحا من الزمان ,
آذن الله بالإصباح للمستضعفين , لينظر صنيعهم , وهو أعلم بهم , "
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ
" .
فها هم عتاة الأقطار , وجبابرة الأمصار , يتساقطون واحدا تلو الآخر في
مزبلة التاريخ , فبعد أن شادوا لهذا اليوم الحصون , "
أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَشْعُرُونَ " , " وَاللَّهُ
غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
" .
ويا للعجب من قدر الله وحكمته البالغة , وبديع نواميسه الخفية والظاهرة ,
ولا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه وملكه وقدره
.
تبدأ الكوارث القدرية في الطبيعة من غير إنذار فقطرة ماء , تنقلب إلى سيل
جارف , وانقداح شرارة إلى حريق هائل , وتحرك صفيحة أرضية إلى بركان عارم ,
وتعاقب نسمة إلى ريح عاصف !
لكنها لا تحرّك في بُنيّ آدم شيء بل ينسب أمرها إلى سببها
ويتناسى مسببها سبحانه وتعالى
!
لكن عندما تكون الكوارث في البشر يكون لها معيار آخر وسنة كونية لها
تقديرها من الله سبحانه وقد جاء إنذارها في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم , قال الله تعالى : " فَلَمَّا
نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ " , وقال صلى الله عليه وسلم : "
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي
لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ : (
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) " .
متفق عليه , البخاري (6/74) ومسلم (4/1997)
وقد طرقتُ في مقال سابق بعض سنن الله الكونية في بعض خلقه هذه الأيام ,
وعنوانه " الله أكبر إنها السنن ورب الكعبة " , وها نحن الآن في فصل آخر من
فصول هذه السنن تجري أحداثها هذه الأيام !
فمن عجيب قدر الله التي لا يخطر عليها البال , أن يهين بعض عبيده من الملوك
الآبقين عن طاعته , بأحقر ما ينظرون إليه !
فها هي عربة " البو عزيزي " بعد أن شرّدت العبد الآبق ذي الرقم (1) ابن علي
في العالمين , وضيّقت أنفاس العبد الآبق ذي الرقم (2) حسني مبارك بالسجن ,
وأحرقت وجه العبد الآبق ذي الرقم (3) علي صالح , وها هي تسحل العبد الآبق
ذي الرقم (4) القذافي وتخرجه من مجاري الصرف الصحي !
ولا زالت هذه العربة تجري في فلكها , وأظن أنها لن تقف وفي رئاسة بلاد
الإسلام عبد آبق واحد والله أعلم
!
أيها المباركون
إن
الله عز شأنه جعل جزاء الظالمين من جنس أعمالهم عدلا منه سبحانه , وهذه
البكرة الكونية تتجلى في أوضح صورها مع هؤلاء العبيد الآبقة
, فهذا ابن علي الذي حارب المسلمين في دارهم وشردهم في الأرض حتى صاروا
تسولون مكان الإقامة , هروبا بدينهم , فكان جزائه أن شرده الله في الأرض
يذرعها طولا وعرضا , لا يقبل به أحد , وصار يتمسح بالشعائر التي كان
يحاربها في بلده ؛ فتحجج بالعمرة لعله يجد محط رحل يلملم فيه كرامته
المهدرة .
وهذا بائع القضية الفلسطينية ومحاصر المسلمين في غزة مع اليهود حسني مبارك
, يحاصره من كان بالأمس القريب يعتد بهم من الجند والأعوان , بل ويحاكمونه
على أفعاله !
وهذا طاغية ليبيا معمر القذافي من تواترت بجبروتيته الأخبار حتى بلغت به
أنه يضع مخالفيه وذويهم وفيهم الأطفال والنساء في الصهاريج والحاويات ثم
يدفنهم وهم أحياء ! وكما رأينا سنة الله فيه بجنس صنيعه فيمسكه الثوار وقد
أختبئ في عبارة صرف صحي ثم يسحلونه ليذوق وبال أمره .
و" كُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ
" .
يا دولة الظلم
يرمينا تطاولها*** بالمزعجات ويشجينا تماديها
شدي
الرحال وزولي غير راجعةٍ*** تلك الكنانة جاءتها مواليها
تمت
روايتها الكبرى وأودعها*** خزائن الدهر والأجيال راويها
هل
كان عهدك إلا غمة ًكشفت*** أو غمرة ً ذهبت عنا غواشيها
تراكمت ظلمات الخطب فانبلجت*** طلائع الفتح بيضاً في حواشيها
أيها المباركون
إن
الأيام حبلى بالعجائب ولا أظن – في نظري القاصر – أن عربة خضار البو عزيزي
ستتوقف حتى تجرجر عروش الطغاة جميعهم
!
فالمتأمل للواقع بذاكرة التاريخ , ليتحدس أن في الثورات العربية خيوطا
قدرية تسوقها القدرة الإلهية لحدث جلل الله أعلم به , فثورة تونس عقبتها
مصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم سوريا وها هي الشعوب تتململ في الجزائر والأردن
والمغرب وبعض دول الخليج حتى أنقلب قول الشاعر:
جانب السلطان وأحذر بطشه *** لا تعاند
من إذا قال فعل
إلى :
سالم الشعوب وأحذر بطشها *** لا تعاند
من إذا قال فعل !
وقد أخبرنا
الله أن سننه لا تتبدل ولا تتحول , وفي سنته تعالى أن الأمور العظام تسبق
الأحداث العظام !
فأهل السير ذكروا " أن في الليلة التي ولد بها
النبي صلى الله عليه وسلم أرتجس إيوان كسرى , وسقطت منه 14 شرفة , وخمدت
نار فارس ولم تخمد قبله بألف سنة , وغاضت بحيرة ساوة , ورؤيا الموبذان في
ذلك "
البداية والنهاية (2/150)
وفي ردة العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتكالبهم على
المسلمين في المدينة وخروج الأسود العنسي في اليمن ومسيلمة في اليمامة
وسجاح في الجزيرة والأعراب في البوادي وكل ذلك في خلافة الصديق رضي الله
عنه إذان من الله باتساع رقعة الإسلام وتوسع نفوذه !
قال ابن حجر رحمه الله : " عادة الله جرت بأن
الأمر الجليل إذا قضى بإيصاله إلى الخلق أن يقدمه ترشيح وتأسيس " .
فتح الباري (12/360) .
ولعل الناظر من ثقب باب عام 1432 ليرى في عام 1433 أمور عظام , ربما لا
تبقي من معالم العام الذي قبله شيئا حتى أصحاب الرياسات !
وأظن أولهم العبد الآبق علي عبد الله صالح , فقد ولغ في الدماء وقتل
المسلمين في الأشهر الحرم التي كانت تعظمها الجاهلية وجاء الإسلام بتعظيمها
, قال تعالى : " إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ "
الآية .
ثم الدول بعده على الطاغوت واللعين ابن اللعين بشار الأسد والذي صدق فيه
قول ابن الجوزي – رحمه الله - : " من طالت عنقه
ورقت ، فهو صياح أحمق جبان " .
أخبار الحمقى والمغفلين (1/31)
فأي حمقٍ يصل إليه بشرٌ لم يصله بشار الوغد !
بل وصل به حُمقه أن أقرّ لأزلامه بدعواهم له بالألوهية , ورضي بالسجود
لصورته النتنه !
قال ابن عبد الوهاب – رحمه الله - : " كل ما عبد من دون الله وهو راض فهو
طاغوت " .
كتاب التوحيد (1/20) .
أما جُبنه فقد سارت به الركبان , حتى خُيّل إليه أن الأطفال العزل جند مدجج
بالسلاح , فحمل عليهم حملة الجبان الخائف , وللعرب أقاويل في طعنة الجبان
فإنها واحدة لكنها قاضية , لاجتماع الخوف وصِدام الفطرة !
وأظن نهايته بشعة جدا فقد جمع بين خبث المعتقد , وسوء الطوية , وعنجهية
الفعال , والتعرض للذات الإلهية ودماء المسلمين ومساجدهم وأعراضهم , وهذه
والله لم أرها فيمن سبقه على سوء عواقبهم نسأل الله العافية والسلامة
.
فنقول للشعوب التي تترقب فجرها في ليلهم البهيم
" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
"
ونقول للطغاة الجبابرة قد رأينا سنن الله في بعضكم وها نحن ننتظرها فيكم
فـــ" انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
" .
أسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , تُرفع فيه ألوية الجهاد عالية
لإذلال الكفر وأهله وأوليائه , إنه قريب مجيب
.