بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
بأي ذنب شُرِّدوا !!!
في بلاد كثيرة من العالم تعيش أقليات مسلمة تتباين نسبتها وتختلف مواقعها بين فئات المجتمع الأخرى في تلك الدول سواء في مجال الثروة والنفوذ أو في غيرهما، وفي الغالب الأعم فإن هذه الأقليات تتعرض لمزيد من الاضطهاد أو الضغوط السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، إضافة إلى التباين في احتمالات العزلة أو الاندماج أو التعايش، وهذه كلها تمثل ظواهر جديرة بالاهتمام والدراسة.

وتذكر الإحصاءات أن عدد الأقليات المسلمة وصل إلى ما يقرب من 95 مليونًا،50 % من هذا الرقم لاجئون بسبب الاضطهاد، وإزاء الأساليب غير الإنسانية من التعذيب والتنكيل والطرد و التشريد, ولم تقتصر الهجرة أو اللجوء على المواطنين العاديين فقط، بل اضطر كثير من النخبة للهجرة حتى بلغت نسبة المهجرين 70 % من عدد اللاجئين في العالم لتحقيق قدر من الكرامة الإنسانية, وتوفير فرص البقاء والازدهار لتكون امتدادًا حيًّا لدعوة الإسلام.

ومن أهم القضايا التي تؤرق مضاجع أولي النهى من المسلمين الغيورين على دينهم وإخوانهم في العقيدة, هي قضية اللاجئين, أو بمعنى أوضح المطرودين من ديارهم والمشردين من أبناء الأقليات الإسلامية في أنحاء العالم المختلفة، فهيا بنا نعرض بعض نماذج من المسلمين المضطهدين المشردين بلا ذنب أو جريرة سوى أنهم مسلمون.

ففي تايلاند - بلاد سيام أو دولة فطاني الإسلامية قبل أن يحتلها المغتصب البوذي الوثني منذ أكثر من مائة عام - تم إجلاء نحو أربعة آلاف من أقلية "الهمونغ" من تايلاند إلى بلدهم الأصلي لاوس، الشاحنات واحدة تلو الأخرى أقلت اللاجئين بشكل جماعي وقسري.

البعض من لاجئي الهمونغ وصلوا إلى تايلاند من لاوس قبل أكثر من ثلاثة عقود، مع نهاية حرب فيتنام حيث جندهم الجيش الأمريكي خلال ما يعرف بـ"حربه السرية" ضد القوى الشيوعية في لاوس، لكنه تخلى عنهم ما دفعهم إلى الهجرة بعد سيطرة الشيوعيين على مقاليد الحكم عام 1945م.

وقد وجهت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية انتقادات حادة للحكومة التايلاندية لعدم سماحها بمنح "الهمونغ" أوراق اللجوء، بينما حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي - أناس نواياهم سليمة يخافون على المسلمين ويرعون مصالحهم!! - من تعرض هؤلاء إلى الاضطهاد وتعريض حياتهم للخطر لدى عودتهم إلى بلدهم الأصلي.

أما في النمسا فهناك ما يسمون شيشان النمسا, ويتراوح تعداد اللاجئين الشيشانيين بالنمسا بين 18 و20 ألف لاجئ موزعين على الولايات النمساوية التسع، فيما يبلغ تعدادهم في العاصمة فيينا نحو 6 آلاف شخص، فيما يبلغ عدد اللاجئين الشيشانيين في دول العالم نحو نصف مليون شخص غالبيتهم من النساء والأطفال الذين فقدوا عوائلهم من الرجال.

ويقول الشيخ عثمان - شيشاني باحث في الشريعة الإسلامية - :"إن الحكومة الشيشانية ليست لها أدنى علاقة بأحوال اللاجئين بالنمسا"، مشيرًا إلى أن الحكومة الشيشانية الحالية تابعة للدولة الروسية؛ وهو الأمر الذي لا يسمح لها بالتواصل مع اللاجئين في أي مكان بأوربا.

ويضيف عثمان: أن "الذين حصلوا على الجنسية النمساوية من الشيشانيين حتى الآن لم يتجاوز عددهم ثلاثة أشخاص".

ويشير عثمان إلى أن الدول المفضلة للاجئين من الشيشان هي النمسا والنرويج وسويسرا وفرنسا.

ويحصل اللاجئون بالنمسا بصفة عامة على مبلغ شهري من الحكومة يصل إلى 40 يورو، بجانب توفير وجبات الطعام يوميًّا وتوفير المسكن المؤقت لهم، كما يحصل اللاجئ مرتين سنويًّا على مبلغ مجموعه نحو 150 يورو للمستلزمات الشخصية، ويحصل اللاجئ على تصريح رسمي بالإقامة داخل الحدود النمساوية بعد مدة تتراوح بين شهرين إلى سنتين بعد استيفاء التحريات الإدارية حول شخصيته.

ويقول الشيخ عثمان: إن القائمين على شئون اللاجئين الشيشانيين بالنمسا يحاولون التوصل إلى اتفاق مع أحد المعاهد الأزهرية بفيينا لتخصيص معلمين شيشانيين لتدريس العربية والقرآن الكريم للأطفال، وبالفعل تم الحصول على مكان وهو ما يعد الخطوة الأساسية في هذا المجال، فيما تحاول بعض الأسر إرسال أطفالها لتعلم العربية بعدد من مساجد العاصمة فيينا التي يديرها العرب من أبناء الأقلية المسلمة.

وفي مبادرة من أبناء الأقلية المسلمة لربط اللاجئين الشيشانيين بالنمسا بالدين الإسلامي؛ قامت مجموعة مكونة من ستة أفراد من عرب النمسا يوم الأحد 15-1-2006 بتسليم 100 مصحف مفسر باللغة الروسية لـ20 أسرة شيشانية -المقيمة بأحد معسكرات اللاجئين خارج العاصمة النمساوية - وتخصيص مصحف واحد لكل مسجد بالعاصمة فيينا لتيسير الاطلاع عليه لمن شاء من أبناء اللاجئين الشيشان بالنمسا.

وحمل اثنان من أبناء الجالية المسلمة على عاتقهما تكاليف شراء وتوصيل هذه المصاحف والتي ساهم في شراءها عدد من مسلمي البلاد.

وعن ذلك يقول الطبيب فريد سلمان - يقيم بالنمسا منذ 49 سنة -: إننا نهدف بهذه الحملة في المقام الأول إلى ربط أطفال الأسر الشيشانية بالدين الإسلامي والتعرف على الشريعة واللغة العربية لتكون نجاة لهم من براثن التنصير التي قد تمارس عليهم.

وتؤكد ذلك القول إحدى الشيشانيات التي قالت: "إن مندوبين عن الكنائس يأتوننا أسبوعيًّا ولكننا نرفض استقبالهم لأننا نعرف ما يهدفون إليه.. ونحن نسعى بكل الطرق لإبعاد هذه المخاطر عن أبنائنا" ولله الأمر من قبل ومن بعد.

كما كشف مسئول كمبودي أن بلاده تعتزم ترحيل 20 على الأقل من مسلمي الإيجور فروا من الصين بعد العنف العرقي الدموي الذي تعرض له إقليم شنجيانج.

وقال المتحدث باسم وزارة الشئون الخارجية: "الحكومة الكمبودية تطبق قانون الهجرة، لقد أتوا إلى كمبوديا بطريقة غير قانونية وبدون أية جوازات سفر أو تأشيرات دخول، ومن ثَم يعتبرون مهاجرين غير شرعيين" على حد وصفه.

وناشدت الأمم المتحدة كمبوديا وقف ترحيل اللاجئين الإيجور، وقال متحدث باسم المفوضية العليا لشئون اللاجئين: إنها لم تفرغ بعد من تقييم طلبات اللجوء السياسي التي تقدم بها أفراد المجموعة ومن بينهم طفلان.

وتقول جماعات حقوق الإنسان: إن كمبوديا ملزمة بموجب ميثاق لعام 1951م بشأن اللاجئين ألا تعيد طالبي حق اللجوء لدولٍ سيواجهون فيها الاضطهاد.

وتعد كمبوديا من بين دولتين بجنوب شرق آسيا وقعتا على الميثاق، وتمارس الصين ضغوطًا مكثفة على كمبوديا وطلبت منها ألاَّ تكون ملاذًا لمسلمي الإيجور بعد فرارهم بأنفسهم من البلاد.

ويتزامن القرار الكمبودي بترحيل الإيجوريين مع زيارة إلى (فنوم بن) قام بها نائب الرئيس الصيني شي جينبينغ.

ويشار إلى أن الصين شنت حملة اعتقالات ونفذت إعدامات بحق المسلمين الإيجور عقب الاشتباكات العرقية الدامية التي وقعت في يوليو الماضي بمدينة أورومتشي عاصمة إقليم شنجيانج.

وعلى جانب آخر تؤكد دراسة ميدانية أن المسلمين في بورما يلاقون أنواعًا شتى من العذاب والتنكيل، ووصلت مجازرها إلى إبادة 50 ألف مسلم، وانتهاك أعراض النساء منذ عدة سنوات، ومحاولات نهب بيوتهم وثرواتهم، وذلك في محاولة لإكراه المسلمين حتى يرحلوا عن ديارهم بعد أن هدموا لهم 70 مسجدًا و60 مدرسة وحرقوا 9 آلاف نسخة من المصحف الشريف.

وفي جمهورية مقدونيا يعيش نحو 7 ملايين مسلم لاجئين من ألبانيا وتركيا، وهم حسب الدستور الجديد يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية، ولذلك قامت السلطات بهدم الأسوار المحيطة ببيوتهم وهدم مساجدهم.

هذا وقد أدت حملة القمع العنيفة ضد الروهنجيا عديمي الجنسية في بنغلاديش إلى فرار مئات الآلاف من الناس خوفًا من هذا القمع، ولجأ العديد منهم إلى مخيم كوتو بالنونج المؤقت وذلك بعدما طردوا من منازلهم في جميع أنحاء منطقة كوكس بازار من قبل السلطات المحلية والمواطنين، بل وحاولت قوات حرس الحدود البنغلادشية إعادتهم قسرًا إلى ميانمار.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه الأعداد في المخيم، تشكل الظروف خطرًا كبيرًا على صحة الناس؛ حيث يتزاحم الناس في رقع مكتظة وغير صحية دون أية بنى تحتية لدعمهم، ويتم منعهم من العمل لإعالة أنفسهم، كما لا يُسمح لهم بالحصول على المساعدة الغذائية في الوقت الذي ترتفع فيه الأعداد وتصبح الموارد شحيحة على نحو متزايد.

وعلى مدى عقود، لجأ الآلاف من الروهنجيا، وهم أقلية عرقية ودينية من ميانمار إلى بنغلاديش. ولكن تم الاعتراف بلاجئ فقط من جانب الحكومة، ويعيشون في مخيمات رسمية تحت إشراف مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين.

وفي تناقض حاد، يكافح أكثر من شخص من أجل البقاء على قيد الحياة دون أن يعترف بهم ودون تلقي أية مساعدة. وفي بلد مكتظ بالسكان حيث لا مفر من منافسة قوية على المستوى المحلي في مجال العمل وفي مكان العيش وفي الموارد، يظل الروهنجيا عديمي الجنسية في غاية الضعف، كما أوضحت أزمة الزورق التايلاندية في عام 2009م أن هناك حاجة لحلول إقليمية فيما يتعلق بوضع الروهنجيا عديمي الجنسية.