بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

صندوق نتنياهو لدعم الليبراليين ضد الإسلاميين!! / ياسر الزعاترة

آخر ما تفتقت عنه الذهنية الإسرائيلية المصابة بالرعب من الثورات العربية وما ترتب عليها من صعود للتيارات الإسلامية يتمثل في دعوة رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو إلى تأسيس صندوق دولي لدعم خصوم الإسلاميين في العالم العربي، ممن وصفهم بأصحاب التوجهات الليبرالية، مشبها هذه الخطة بخطة “مارشال التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية لدعم أوروبا الغربية. وذكرت الدوائر الإسرائيلية أن نتنياهو قد أرسل لهذا الغرض عيران ليرمان، مساعد مستشاره للأمن القومي إلى الولايات المتحدة لبحث هذا المقترح مع قادة الكونغرس الأمريكي، وذلك لما يتمتع به المذكور من حضور في الأوساط الأمريكية.

لا تختلف مقاربة نتنياهو في تفسير المخاض السياسي في الشارع العربي عن مقاربة الكثير من الليبراليين واليساريين، والتي ترى أن الشارع ينحاز إلى الإسلاميين من منطلقات اقتصادية نفعية أكثر من أي شيء آخر، ومن يتابع وسائل الإعلام المصرية سيجد هذا التفسير حاضرا في سائر الندوات التي يشارك فيها ليبراليون ويساريون، بخاصة رموز حزب التجمع اليساري من أمثال رفعت السعيد وفريدة النقاش وسواهم ممن لم يجدوا في تفسير فوز الإسلاميين سوى القول: إن المال القطري كان وراء فوز الإخوان، بينما كان المال السعودي وراء فوز السلفيين.

يحدث ذلك رغم إدراك رفعت السعيد وفريدة النقاش وأمثالهم أنهم لو ضخوا مئات الملايين في حملة حزبهم الانتخابية لما تمكنوا من الحصول على أكثر بكثير مما حصلوا عليه في الانتخابات التي يخوضونها منذ عقود من دون تحقيق نتيجة ذات قيمة.

ينطوي هذا الكلام البائس على إساءة لعموم الشعب المصري الذي يبدو معروضا بحسب هؤلاء في سوق “النخاسة الديمقراطية”، لكأن الستة ملايين الذي صوتوا للإسلاميين في الجولة الأولى قد باعوا أصواتهم بحفنة من الجنيهات!!

كيف يريد هؤلاء أن يصوت لهم الشعب المصري، وهم يشككون فيه على هذا النحو الرخيص والمبتذل، لكأنه لا يعرف في حياته المبادئ ولا القيم ولا يركض إلا خلف المال، ولنتخيل كم من الملايين كان على الإسلاميين أن يدفعوا مقابل كل تلك الأصوات، ولماذا لم يرصد أي مراقب عمليات الشراء تلك، مع أنهم رصدوها في حالة بعض فلول الحزب الوطني في الدوائر الفردية؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان لدى التيار الإسلامي عشر معشار ما يملكه الملياردير القبطي نجيب سويرس الذي تصدر الكتلة الليبرالية، والتي لم تتعد أصواتها في الجولة الأولى 15 في المئة كان جلها من أصوات الأقباط، مع العلم أن المذكور كان ممن رددوا ذات المقولة التي رددها أولئك في تفسير فوز الإسلاميين (إضافة إلى حكاية استخدام الدين التي تتجاهل بدورها قوائم الكنيسة المعلنة)؟!

وإذا كان بالإمكان الحديث عن بيع للأصوات من قبل أصحاب النفوس الضعيفة، الأمر الذي يحدث في سائر الانتخابات المشابهة في أي مكان في العالم، لاسيما في العالم الثالث، وأقله أن يصوت الناس لمن يقدمون لهم المنافع، وهي ظاهرة ما يعرف بنائب الخدمات في بعض الدول، فإن نظام القائمة يبدو مختلفا إلى حد كبير، وفيه حصل الإسلاميون عموما على حوالي 60 في المئة من الأصوات، فكيف تم شراء هذه النسبة وأي مبالغ رهيبة دفعت لتحقيقها؟!

هذا البعد تحديدا هو الذي يدفع كثيرا من الليبراليين واليساريين والطائفيين في دول عربية كثيرة إلى رفض نظام القائمة، أو منحه النسبة الأكبر من مجموع المقاعد خشية أن يؤدي إلى اكتساح الإسلاميين، إذ يمكن لصاحب الصوت أن يمنح صوته لقريبه في الدائرة الفردية، بينما يمنح الصوت الآخر للقائمة التي يراها الأقرب إلى ضميره. وفي الدولة العبرية مثلا لا يعتمد غير نظام القائمة الذي يعني التصويت للبرامج والأفكار أكثر من التصويت للأشخاص، وأن أسهم وجود رموز معينين في هذه القائمة أو تلك في تعزيز فرص نجاحها.

لهذه الأمة مخزونها الثقافي الراسخ، كما أن لها قيمها في اختيار الرموز والأفكار والبرامج، وحين يشعر الإنسان أن صوته سيكون ذا قيمة في معادلة القرار، فسيفكر ألف مرة قبل بيعه، ولا تسود قصص البيع إلا في الانتخابات التي يشعر الناس أنها لا تقدم ولا تؤخر شيئا في مسيرة الوطن، بقدر ما تمنح “برستيجا” ومنافع لبعض الأشخاص.

ليبادر نتنياهو، ومن يريدون حماية دولته من صعود الإسلاميين إلى إنشاء صندوق مارشال لدعم الليبراليين، لكن ذلك لن ينفعه في شيء، ويبقى السؤال موجها للمشككين بالثورات ومن يزعمون تحالف الإسلاميين مع الغرب ومغازلتهم للدولة العبرية، وهو لماذا يفعل نتنياهو ذلك إذا كان القوم عملاء سيرتاح إليهم أكثر من راحته لحسني مبارك وبشار الأسد و زين العابدين ومن على شاكلتهم؟!

المصدر: الدستور