بسم الله الرحمن الرحيم
أذكر الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدا...
يقول الله تعالى:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة: 120]. ويقول صلى الله عليه وسلم:
«لتتبعن سنة من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم». قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:
«فمن؟!» [رواه البخاري ومسلم]. ويقول عليه الصلاة والسلام:
«ومن تشبه بقوم فهو منهم» [رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح].
وإنّ من العادات الوافدة على المجتمع الإسلامي وينميها بعض المثقفين في البيئات الإسلامية تقليداً للغرب في سلوكياتهم الاحتفال بـ
(عيد الحب Valentine) هذا العيد الذي انتشر في البلاد الإسلامية وعلا صيته بين أواسط الشباب
عامة والمراهقين منهم خاصة ذكوراً وإناثاً، واقترن بشهر (فبراير) كلازمة من
لوازمه، فهو عيد يدعو ظاهراً إلى المحبة والتواد والإخاء، وباطناً يدعو
إلى الرذلية والانسلاخ من الفضيلة، وإخراج الفتاة من عفتها وطهارتها
وحيائها، إلى مستنقع من المعاصي والبعد عن الله سبحانه وتعالى، والتخلي عن
مبادئ الإسلام الفاضلة، ويشجع على اختلاط الفتيان بالفتيات بل يدعو إلى
أبعد من ذلك ـ إلى الشذوذ بين الجنسين ـ وعندها تكون الكارثة، ومعلوم من
دين الإسلام أنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل لأمة محمد عيدين اثنين لا ثالث
لهما هما عيد الأضحى وعيد الفطر.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما فقال:
«ما هذا اليومان؟». قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
«إنّ الله قد أبدلكم به خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر» [أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح].
المخالفات الشرعية التي اشتمل عليها عيد الحب1- عيد الحب "الفالنتاين" من وضع الكنيسة، فقد جاء في كتاب
[قصة الحضارة تأليف ول ديورانت (15/23)] أنّ الكنيسة وضعت تقويماً كنيسياً جعلت كل يوم فيه عيداً لأحد القديسين وفي إنجلترا كان عيد القديس فالنتين
(VALENTINE) يحدد
في آخر فصل الشتاء فإذا حل ذلك اليوم على حد قولهم تزاوجت الطيور بحماسة
في الغابات ووضع الشباب الأزهار على اعتاب النوافذ في بيوت البنات اللاتي
يحبونهن.
2- ما يُذكر أن عيد الحب يرجع إلى العهد الرومي، وليس الإسلامي وهذا يعني
أنّه من خصوصيات النصارى وليس للإسلام والمسلمين فيه حظ ولا نصيب، فإذا كان
لكل قوم عيداً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن لكل قوم عيداً» [رواه البخاري ومسلم] فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم كما قال الله تعالى:
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًاً} [سورة المائدة: 48] ولا يجوز لنا أن نشاركهم في أعيادهم.
3- إنّه عيد قام في بدايته على تعارف المراهقين فتياناً وفتيات على بعضهم
البعض عن طريق القرعة لينتهي بالارتباط، ثم ألغي ليصبح التعارف والارتباط
بالرضى والمحبة، فهل هذه طريقةالإسلام في اختيار من ستكون ربّة بيت في
المستقبل؟ أم هي طريقة تجعل المرأة كالجائزة في اليانصيب؟***
4- القديس فالنتاين يقع في غرام ابنة السجّان ويرسل لها رسائل غرامية؟
فانظروا إلى هذا التناقض العجيب قديس يفعل هذا؟ ولا يشك عاقل أن هذا الفعل
لا يفعله إلاّ من ضعف إيمانه وقلّ صلاحه حتى أصبح يتغزل ببنات النّاس
برسائل غرامية وكلمات شاعرية فكيف يفعل قديس هذا؟
والقديس عند النصارى هو (الفاضل الحاصل على تمام الصلاح والقبول عند الله، المؤمن الذي يتوفى طاهراً فاضلاً!!).
5- البابا يجعل من يوم وفاة القديس فالنتاين (14 / فبراير / 270م) عيداً
للحب فمن هو البابا؟ هو الحبر الأعظم رئيس البيعة المنظور وخليفة القديس
البطرس. فانظروا إلى هذا الحَبر الأعظم كيف شرع لهم الاحتفال بهذا العيد
المبتدع في دينهم ألا يذكرنا هذا بقوله تعالى:
{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة: 31] وعن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب مُذهب فقال:
«يا عدي أطرح عنك هذا الوثن»، وسمعته يقرأ في سورة براءة:
{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} قال:
«أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه» [رواه الترمذي وهو حديث حسن].
6- اعتاد المسيحيون في هذا التاريخ معايدة محبوبيهم وتشير الإحصائيات إلى
أنّ عيد الحب هو ثاني مناسبة بعد عيد الكريسماس؟ فإذا تبيّن أنّ عيد الحب
من أعياد النصارى وهو في المرتبة الثانية بعد عيدالكريسماس (عيد ميلاد
المسيح) كما تشير الإحصائيات، فلا يجوز للمسلمين مشاركتهم بالاحتفال في هذا
التاريخ لأنّنا مأمورون بمخالفتهم في دينهم وعاداتهم وغير ذلك من
خصوصياتهم كما جاء ذلك في القرآن والسنة والإجماع.
موقف المسلم من عيد الحبممّا سبق عرضه، يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في الآتي:
أولاً: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين
به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدالّة على تحريم
الاحتفال بأعياد الكفار.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشاركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شِرعتهم ولا قبلتهم". أهـ.
ثانياً: عدم إعانة الكفار على احتفالهم به
بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة، لأنّه شعيرة من شعائر الكفر،
فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به. والمسلم
يمنعه دينه من إقرار الكفر والاعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا
يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا
لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير
ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل
ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة.
وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم
عند المسلمين كسائر الأيام".
[مجموعة الفتاوى: (25/329)].
وقال ابن التركماني: "فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم".
[اللمع في الحوادث والبدع: (2/519-520)].
ثالثاً: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم، لأنّ احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن
ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من
المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد
لم تقبل هديته خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما
ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من
الطعام واللباس ونحو ذلك، لأنّ في ذلك إعانة على المنكر".
[الاقتضاء: (2/519-520)].
وبناءً على ما قرره شيخ الإسلام فإنّه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا
بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو غير ذلك، لأنّ المتاجرة بها
إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله.
كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها لأنّ في قبولها إقرار لهذا العيد.
رابعاً: عدم تبادل التهاني بعيد الحب، لأنّه ليس عيدًا للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التهنئة.
قال ابن القيم رحم الله: "وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم
بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن
سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب،
بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس،
وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو
لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت
الله وسخطه".
[أحكام أهل الذمة: (1/441-442)].
خامساً: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من
أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه
والمحافظة على عقيدته ممّا يخل بها، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في
شعائرهم الدينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحا للأمة وأداءً لواجب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول
الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال تعالى:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [سورة هـود: 117].
أسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين من مضلات الفتن وأن يقيهم شرور أنفسهم
ومكر أعدائهم إنّه سميع مجيب. وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.