يشكل الارتباط بالتليفزيون إدمانا لا يناظره في القوة إلا ما كُتب عن حياة الموغلين في إدمان الهيروين. إذ أن الهيروين يؤدي إلى تسطح الصور، ومع استعماله لا يمكن التمييز بين الأشياء الحارة أو الباردة، كما يجعل النظرة إلى العالم سلبية. فمهما يقع من أحداث جسام، فإن المتعاطي يتلقى الأمر على أنه" لا شيء يهم".
إن الوهم المتعلق بالمعرفة والقدرة على السيطرة على الإدمان يشبه الافتراض التلقائي عند مشاهد التليفزيون بأن ما يراه هو شيء حقيقي يحدث في مكان ما من العالم. وفي الحقيقة فإن ما يراه هو مجرد شكل خارجي سطحي لأشياء محسنه بالتجميل.
وعلى الرغم من أن التليفزيون لا يشكل غزوا كيميائيا إلا أنه يؤدي للإدمان والإفساد الفسيولوجي (الوظيفي) تماما كأي عقار مخدر.
إن أكثر ما يقلق في هذا الأمر هو التالي:
إن ما يحويه التليفزيون ليس رؤيا حقيقية بل تيار متدفق مصنوع من البيانات. لذا فمن الممكن أن يوجه إما لحماية أو لفرض قيم ثقافية معينة. هكذا فنحن نواجه عقارا مخدرا ذو قدرة عالية على التغلغل، وهو يزودنا بخبرة بالرسالة التي يود مروجه أن يوصلها لنا.
هل يوجد شيء يزودنا ببيئة تصلح لدعم الفاشية وحكم الفرد أكثر من هذا؟. في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك تليفزيونات أكثر من عدد المساكن، يعمل كل منها 6 ساعات يوميا في المتوسط، بينما يشاهد الفرد التليفزيون ما يزيد عن خمس ساعات يوميا، أي ما يقارب ثلث ساعات العمل. إن هذه الحقائق البسيطة أصبحت معروفة إلا أنه يبدوا أننا لا نمتلك القدرة على التفاعل ضد ما نتورط فيه.
إن الدراسة الجادة لآثار التليفزيون على الصحة وعلى الثقافة لم تبدأ إلا مؤخرا.
لم نعرف في التاريخ عقارا مخدرا استطاع أن يعزل ثقافة مستخدميه تماما بهذه السرعة عن الحقيقة. كما لم نعرف عقارا استطاع أن يعيد صياغة صورة خاصة به للقيم والثقافة التي أصابها فى مقتل.
إن التليفزيون بطبيعته يعتبر هو العقار ذو القدرة الأعلى بين العقاقير .
إن السيطرة على المحتوى، وتكرار عرض هذا المحتوى يشكل بالضرورة أداة للقهر ولغسل الأدمغة، وللمراوغة. والتليفزيون مثله مثل أي عقار أو أي تقنية مستحدثة، فإن الخصائص الأساسية له غير قابلة للإصلاح مطلقا ويشبه في ذلك تماما التقنية التي صنعت البنادق الهجومية.