كتـابي إلـى العالـم
- رسالة مسلم من أرض العرب -
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بَصيرة أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾ يوسف 108
الحمد لله والصلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،
وبعد :
فإن مشيئة الله اقتضت أن يعيش المسلم في هذا الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما وعمّ الفساد وطمّ البلاء أرجاء المعمورة وطغى الإنكار والجحود لدين الله العظيم ” الإسلام ” في كافة أقطار الأرض ، مما دعاني كإنسان مسلم ملتزم بدينه وعقيدته إلى أن أصرّح بهذه الكلمات التي حملتها سطور وثنايا هذا الكتاب مستقبلاً بها وجه الله الذي لا بدّ أنّي ملاقيه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم 0
إن حقيقة مشكلة العالم اليوم تكمن في أمر واحد ليس له ثان البتّة ألا وهي ” الطاغوت “ 0 ولعلّها تكون مشكلة العالم والبشرية في أيّ زمان ومكان منذ أن خلق الله آدم عليه السّلام إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ، ولعلّ قائل يقول : إنني أعني بها – أي الطاغوت –“ الشيطان ” ، فأقول - وبالله التوفيق - أن الأمر فيه خلط بين مفهومين أحدهما : ” الشيطان الجنّي ” وهو ما يُعرف في قاموس البَشر ” بالشيطان ” 0 والآخر هو ” الشيطان الإنسي ” الذي هو من جنس البَشر و هو ما أريد أن أُعرِّفه بعبارة ” الطاغوت “ وعليه فإن موضوع البحث في كتابي هذا إلى العالم متعلق بهذا ” الطاغوت “ مما هو في موضع الخلاف والتأويل بين البَشر ، وليس هو ذلك الشيطان المعروف لدى البَشر جميعا والمتفق عليه فيما بينهم دون أدنى خلاف أو تأويل0 ذلك أن الشيطان رمز للشر في جميع أنحاء المعمورة أما ” الطاغوت ” فيختلف فيه البَشر بين من يرى فيه رمزا للخير العميم وبين من يرى فيه رمزا للشر الجسيم أو بين من يراه شريفاً نبيلا ومن يراه مجرماً خطيرا بل بين من يراه منقذا للبشرية ومكمن الدّواء ومن يراه أُسّ البلاء وأساس الدّاء 0
بناءاً على ما تقدّم وبمزيد من التفصيل فإن الطاغوت الذي هو مشكلة البشرية جمعاء في أيّ زمان ومكان له قرنان - كقرنيّ الشيطان - يسير بهما بين البَشر دون أن يستغني عن أيّ منهما بل هما معاً في آن واحد يُشكّلانه هما الطاغوت الديني والطاغوت الوثني بل هما وجهان لعملة واحدة إسمها ” الطاغوت ” 0 ولعلّه في بعض الأزمان أُطلق على الأول منهما - عُرفا - ” الإستبداد الديني ” أو ” الثيوقراطية ” أو ” الأوتوقراطية ” 0 كما أُطلق على الآخر إسم أوثان أو أصنام أو أنصاب أو أزلام ، أمّا في زماننا هذا فإنه لم يتغير على الشق الأول شيء يُذكر بينما اتّخذ الشق الثاني شكلاً آخر أكثر رقيّاً وتمدّناً وتحضّرا – كما يقولون – بما يتوافق مع ما وصل إليه العالم الآن من تقدّم معرفي وعلمي وتكنولوجي ألا وهو - أي الشكل الجديد - كلّ ما يدخل تحت مسمّى ” التحرّر العلماني “ 0 وهكذا غرقت البشرية منذ خمسة قرون تقريباً إلى يومنا هذا في مستنقع قرنيّ الطاغوت هذا ما بين ” الإستبداد الديني “ من جهة و ” التحرّرالعلماني ” من الجهة الأُخرى ، أو على الأحرى والأصحّ بين الثيوقراطية الدينية والعلمانية الوثنية 0
إن الطاغوت يعني بالنسبة لي هو كل ما يُعبد من دون الله أو معه في واقع حياة البَشر فهو على النقيض تماماً من دعوة الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام ، والتي هي - أي دعوتهم - إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبمعنى آخر إلى كلمة التوحيد والإخلاص والتقوى ” لا إله إلاّ الله “ أي لا إله معبود في واقع حياة البشر إلاّ الخالق الذي يقرّون بربوبيته وبتدبيره لهذا الكون وهو الله سبحانه وتعالى وبعيداً أو قريباً أو حتى في صُلب الموضوع فيما عُرف لدى المسلمين ” بعلم التوحيد “ - توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات - فإنّ هذا العلم ما هو إلا تعبير لغويّ عن الوازع الفطري الذي جبل الله الإنسان عليه وما أودعه فيه من ملََكة التديّن الفطري ، وهذا الوازع الفطري في الإنسان هو بعينه دين الله الذي أرسل به رسله إلى خلقه من البَشر ليثيروا فيهم هذا الوازع الغريزي فتستجيب له الحواس وتتجاوب معه العقول وتطمئن به القلوب وتستقيم عليه الجوارح 0 يقول الله تعالى في قرآنه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد : ﴿ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يُرجعون ﴾ آل عمران 83 ، ويقول فيه عزّ من قائل : ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ اكثر الناس لا يعلمون ﴾ الروم 30
هذا هو بالنسبة لي مفهوم العبادة الحقّة لله عزّ وجلّ أي أن يُعبد الله وحده لا شريك له فلا يُعبد الطاغوت من دونه أو معه في واقع حياة البَشر سواءاً أكان في واقعهم المشاعري الوجداني أو في واقعهم العملي الحياتي إذ أنّه لا انفصال في واقع حياة الإنسان بين واقعه المشاعري الوجداني الداخلي وواقعه العملي الحياتي الخارجي 0 إذ هو كلّ لا يتجزّأ إسمه إنسان له ربّ واحد خلقه ورزقه وأحياه وأماته وأقبره ثم إذا شاء أنشره فكيف به يكون عبداً لسواه وقد أنعم عليه بكلّ هذه النّعم من المحيا إلى الممات إلى البعث والنشور إلى ما شاء الله أن يكون إمّا جنّة وإمّا نار ؟!!! يقول الله تعالى في محكم تنزيله :
﴿ قُتل الإنسان ما أكفَره ¤ من أيّ شيء خلَقه ¤ من نطفة خلقه فقدّره ¤ ثم السبيل يسّره ¤ ثم أماته فأقبَره ¤ ثم إذا شاء أنشَره ¤ كلاّ لمّا يقضِ ما امَره ﴾
عبَس 17 – 23
أمّا أن يعبد الإنسان طاغوتاً من جنسه في الخلق أومن جنسه في البشرية فهذا ليس من دين الله في شيء وليس من الفطرة التي فطر الله الناس عليها في شيء ومما يجرّ على البشرية جمعاء إن هي ارتضت بذلك - كما هو حاصل الآن - التعاسة والشقاء والمعيشة الضّنكا وسخط الله أكبر في الحياة الدنيا وعقاب الله الأليم وعذابه الشديد في الآخرة ، فما أعظمها من مصيبة تحلّ على بني الإنسان إن كان عبداً لغير الله في الحياة الدنيا أو كان عبداً لطاغوت ديني أو طاغوت وثني من دون الله أو معه في الحياة الدنيا 0
أمّا الطاغوت الديني فهو ما يمثّله أحبار اليهود ورهبان النصارى وعلماء المسلمين - إلاّ ما رحم ربي - وسدَنة وكهَنة العقائد الوثنية الأُخرى في العالم اليوم ، وأمّا الطاغوت الوثني فهو ما يمثّله كافّة حكام الدول القائمة في العالم اليوم ، والتي فصلت الدين عن الحياة والمجتمع وشرَّعت للناس الأنظمة والقوانين التي هي من وضع عقول بشرية نتنة بعلمانيتها الوثنية البغيضة القائمة أصلا على أساس هدم دين الله – أيّاً كان هذا الدين – في واقع حياة الناس وإظهار العداء لله ولأنبياءه ورسله وأولياءه 0 وهكذا أصبح مطلوباً من الإنسان المسكين الذي يولد في هذا الزمان أن يكون عبداً لغير الله بل عدوّاً لله وصديقاً بل أخاً حميماً للشيطان بمباركة طواغيت الأرض الدينيين والوثنيين 0
أمّا الدينيون فهم أحبار ورهبان وعلماء وكهَنة وسدَنة ومشايخ يحلّون له الحرام ويحرّمون عليه الحلال بإسم الدين - أيّ دين - وما عليه إلاّ اتّباعهم في شؤونه الدينية المفصولة عن الحياة - كما يريدون له أن يكون - وأمّا الوثنيون - فراعنة هذا الزمان - فهم يشرّعون له كافّة النُّظم والقوانين التي يتوجّب عليه أن يخضع لها في كافّة مجالات حياته العملية تحت قبضة سلطانهم القاهر وجيوشهم الجرّارة 0 مسكين أيها الطفل البريء يا من وُلدتَ في هذا الزمان على الفطرة ، لقد شوّهوا فطرتك بل انتزعوها منك انتزاعاً وأودعوا مكانها ثيوقراطية قبيحة وعلمانية بغيضة ، فمَن ينقذ الإنسان مِن براثن الطاغوت ؟؟؟!!! مَن ؟؟؟!!! مَن ؟؟؟!!! 00000000000000000000
( ومَن أحسَن قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين ) فصّلت 33
( أرسل ” سعد بن أبي وقاص ” قبل القادسية “ ربعيّ بن عامر ” رسولاً إلى “ رستم ” قائد الجيوش الفارسية وأميرهم ، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالنّمارق والزرابيّ الحرير ، وأظهر اليواقيت واللآلىء الثمينة العظيمة ، وعليه تاجه ، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، وقد جلس على سرير من ذهب 0 ودخل ” ربعيّ ” بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة 0 ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط وربطها ببعض تلك الوسائد 0 وأقبل وعليه سلاحه وبيضته على رأسه 0 فقالوا له : ضع سلاحك فقال : إني لم آتكم ، وإنما جئتكم حين دعوتموني ، فإن تركتموني هكذا وإلاّ رجعت 0 فقال “ رستم ” : إئذنوا له 0 فأقبل يتوكّأ على رمحه فوق النّمارق لخرق عامتها 0 فقال له ” رستم ” : ما جاء بكم ؟ فقال “ ربعيّ ” : ” الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام” )
فها هو العالم اليوم يحتضر ، والبشرية على فوّهة بركان ، والذي وصل بالعالم والبشرية اليوم إلى هذا إنما هم إثنان :
الأول : أحبار اليهود ورهبان النصارى وعلماء المسلمين - إلاّ ما رحم ربي - ثم سدَنة وكهَنة العقائد الوثنية في العالم اليوم ، وقد اتّخذهم الناس اليوم أربابا من دون الله وإن لم يعبدوهم ، فقد حرّموا عليهم الحلال وأحلّوا لهم الحرام ، فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إيّاهم 0
( أخرج الترمذي – بإسناده – عن عديّ بن حاتم – رضي الله عنه – أنه لمّا بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرّ إلى الشام ، وكان قد تنصّر في الجاهلية ، فأُسرت أخته وجماعة من قومه ، ثم منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته فأعطاها ، فرجعت إلى أخيها فرغّبته في الإسلام ، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتحدّث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وفي عنقه – أي ” عديّ ” صليب من فضة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية : ” اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله “ 0 قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم ، فقال : ” بلى ! إنهم حرّموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام ، فاتّبعوهم ، فذلك عبادتهم إيّاهم ” )
والثاني : حكام كافة دول العالم اليوم بوصفها دولاً علمانية ديمقراطية رأسمالية فصلت الدين عن الدولة والحياة والمجتمع ، فكان حكامها اليوم على الناس أشبه بـ “ فرعون “ - المعروف في القرآن الكريم - ، القائل : ” ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد ” و “ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري ” و “ أنا ربكم الأعلى ” وقد ” استخفّ قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين “ 0
وبعد :
فإن المخلّص الوحيد للعالم والبشرية اليوم من جحيم الدنيا هذا قبل جحيم الآخرة ذاك ، إنما هو أمر واحد فقط هو : ( أن يعبد الناس ربهم الذي خلقهم وحده لا شريك له ) ، فتلك هي عقيدة التوحيد - أي الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” - التي جاء بها ” محمد رسول الله “ - خاتم الأنبياء والمرسلين - قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرن مضت من الزمان ، مُنقذاً ومُخلّصاً بها وحدها - أي ” لا إله إلاّ الله “ - العالم والبشرية - آنذاك - ممّا هو أشبه بواقعكم وحالكم - اليوم - أيّها الناس 0
” فـﭑعتبِروا يا أُولي الأبصار ” يا مسلمين ويا نصارى ويا يهود ثم يا أهل العقائد الوثنية في العالم اليوم 0
* * *
هذا بَلاغٌ للناس
وليُنذروا به وليعلموا أنما هو إلهٌ واحدٌ وليذّكّر أُولوا الألباب
والسّلام على من اتّبع الهُدى