بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

عرَّابة الفتنة والمباركية


كتبه للمفكرة / شريف عبد العزيز

shabdaziz@hotmail.com



الخبر: أعلنت صحيفة روز اليوسف المصرية عن قرار تحديد إقامة سوزان ثابت زوجة الرئيس المخلوع مبارك، ومصادرة هواتفها الدولية.

من أهم مبادئ الثورات الناجحة مبدأ الـ100%، أو الإنجاز الكامل، ويعني أن نجاح هذه الثورة متوقف على تحقيق كل أهدافها التي قامت من أجلها، وأي ثورة قامت على أنصاف الحلول، أو حذف بعض بنود أجندتها هي ثورة محكوم عليها بالفشل الأكيد ولو بعد حين، فنجاح الثورة تمامًا مثل الإخلاص لا يقبل فيه نسبة دون ال100%، وأي شائبة تعكر نقاء الإخلاص تجعل العمل مردودًا على صاحبه وغير مقبول، فالثورة تعني الانقلاب الشامل على منظومة الحكم الفاسدة المستبدة بكل ما فيها من أدوات ونظم وآليات ومؤسسات وأفراد وهيئات وجماعات وعلاقات داخلية وخارجية، فالثورة في الأساس هي ضد نظام كامل وليس ضد شخص بعينه مثل مبارك أو قضية بعينها مثل التوريث أو تزوير الانتخابات، ويوم أن تستدرج الثورة لتهميش أهدافها وتقليص طموحاتها واختصار أهدافها في شخص واحد أو في قضية واحدة، فإن هذه الثورة محكوم عليها بالفشل لا محالة.

فالثورة لا تكتمل ويكتب لها النجاح إلا بتفكيك مراكز القوة الأساسية للنظام السابق، وكلما كانت مراكز القوى في النظام قليلة ومحدودة كلما كان طريق الثورة أيسر وأنجح والعكس صحيح، وربما هذا يفسر سر تحقيق الثورة التونسية تقدمًا على المسار الديمقراطي والانتقال لمرحلة البناء في حين ما زالت الثورة المصرية متعثرة، فهارب تونس ـ زين العابدين ـ كان يدير البلاد بشكل أسري والنفوذ والثروة كلها مركزة بيد أسرتين فقط لا غير، أسرة الماطري وأسرة الطرابلسي، ومن ثم كان التخلص منهما سريعًا وعاجلاً، أما مخلوع مصر ـ مبارك ـ فكان يدير البلاد بمنظومة فاسدة متكاملة أشبه ما تكون بالتنظيم العنكبوتي - معشش في كل زاوية في مصر - شبكة فساد متكاملة تضم رجال أعمال ومسئولين ووزراء حكوميين وقادة عسكريين وإعلاميين وصحافيين وفنانين ووجهاء ريف وزعماء قبائل وعشائر وكبار تجار ومحتكرين، الجميع يشترك في عملية منظمة لنهب البلاد ومص خيراتها، وذلك كله تحت إشراف المخلوع وزوجته ونجليه، مما جعل مراكز القوى في مصر ودائرة المنتفعين من هذا النظام ضخمة ومتسعة عرضيًّا وطوليًّا في الشعب المصري، وهم ما اصطلح المصريون على تسميتهم باسم "الفلول".

ما يحدث في مصر اليوم هو مثال يدرس في كيفية إجهاض الثورات الشعبية الكاملة، فالشعب المصري حقق سلميًّا وفي 18 يومًا فقط ما عجز غيره من شعوب الجوار بفضل الله عز وجل أولاً ثم بسبب تلاحم الشعب ونزوله بأعداد مليونية في الميادين مطالبين برحيل النظام الفاسد، ومن ثم فكرت كل القوى المعادية للثورة داخليًّا وخارجيًّا في كيفية احتواء الثورة وإجهاض مكتسباتها وتعطيل انتقالها لمرحلة الاستقرار السياسي والديمقراطي، وكانت كلمة السر في عملية إجهاض الثورة: هي "المباركية" وهو المصطلح الذي أطلقته الصحف الأمريكية على نظام المخلوع مبارك الذي ما زال فاعلاً ونافذًا في الحياة العامة المصرية بعد الثورة، فما جرى للثورة المصرية بعد 11 فبراير كان عبارة عن استدراج للثورة لخندق التهميش والحصر في شخص مبارك، ورغم انتباه الثوار والقوى السياسية لهذه المكيدة ومطالبهم المتكررة بتطهير البلاد من الفساد والمفسدين أي الفلول بالمصطلح الثوري المصري، إلا أن انقسام الشعب المصري وكثرة اختلافاته السياسية وكثرة أزماته اليومية من انفلات أمني وانهيار اقتصادي أضعف الاهتمام الحقيقي بهذا الهدف وأخَّره في ترتيب أجندة أولويات الثورة.

مصر اليوم تواجه مراكز قوى أشد وأنكى من مراكز القوى التي واجهها السادات في بداية عهده وكانت من لدن الحكم السابق لجمال عبد الناصر، هذه المراكز تعمل بكل ضراوة من أجل إبقاء المباركية منهجًا ونظامًا للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المباركية الآن في مصر لها سدنة وحراس في كل مفاصل الحياة العامة المصرية، وإن الدور الشرير والآثم الذي تقوم به عرَّابة الفتنة في مصر الآن ـ سوزان ثابت ـ من تهييج للجماهير ونشر للفتن وتأجيج للأحقاد ورص للصفوف وتأليب للقوى الخارجية واستفزاز وضغط على دول الجوار خاصة دول الخليج من أجل الضغط على مصر وإبقاء المباركية - إن هذا الدور الآثم والشرير لا يمثل سوى قمة جبل الجليد في منظومة المباركية في مصر الآن، وهذا يدفعنا للتساؤل أين بقية الجبل؟ ولماذا السكوت عليهم حتى هذه اللحظة؟ ولمصلحة من يترك هؤلاء يعيثون في الأرض فسادًا ويجهضون الثورة؟ وهل المجلس العسكري الذي يعتبر في الأساس من مراكز القوى للنظام القديم متواطئًا مع هؤلاء السدنة والمفسدين في مصر؟

ولنا أن نتساءل؛ إن كانت سوزان ثابت اليوم تمثل خطرًا على الدولة والثورة بحيث يحتاج إلي تحديد إقامتها، أليس من الأولى سجنها ومحاكمتها بعد أن ثبت إدانتها داخليًّا وخارجيًّا بالكثير من الجرائم ـ غير جرائم إثارة الفتن والقلاقل ـ ثم لنا أن تتساءل؛ أين بقية مراكز القوى القديمة؟ وأين أعضاء لجنة السياسيات الذين تسببوا في إفساد الحياة السياسية في مصر وقننوا الاستبداد وكرسوا الطغيان؟ أين هم الآن؟ تخيل أن العديد منهم ما زالوا في أعلى المناصب الحكومية، بل على رأس هيئات سيادية، ثم نواصل تساؤلنا فنقول: أين الهيئة الاستشارية للمخلوع مبارك؟ أين مستشارو مبارك؟ بل من هم في الأساس وأين هم الآن؟ وأين كبار رجال الأعمال الذين تربحوا وأثروا من خيرات الشعب المصري ووضعوا أيديهم في يد السلطة الظالمة؟ أين إبراهيم كامل وفرج عامر ومحمد فريد وجلال الزوبه وأبو العنينين وساويرس وغيرهم من رجال الأعمال؟ ولماذا لم تتم محاسبتهم فعليًّا ومساءلتهم عن التضخم المهول لأموالهم؟ بل نقول وبكل وضوح: أين عمر سليمان الآن؟ ولماذا تم تجاهل محاسبته؟ والقاصي والداني يعلم أنه كان الحاكم الفعلي لمصر في السنوات الأخيرة والمهيمن على ملفاتها الحيوية.

إن الثورة المصرية اليوم على المحك ونجاحها موقف على تطهير البلاد من مراكز القوى القديمة وتفكيكها وتطهير كل مفاصل الدولة من أولياء المخلوع وأتباعه، والوقوف بحسم أمام المباركية قبل فوات الأوان، قبل أن يجد المصريون أنفسهم مثل العربي القديم الذي عرَّف الماء بعد الجهد بالماء، وتنتهي ثورتهم إلى استنساخ مبارك جديد، ويومها لا عزاء للشهداء والجرحى والمخدوعين!