بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

عيدنا مدنى - قطب العربى

قطب العربىلعيد الفطر هذا العام طعم خاص، فهو أول عيد يمر علينا ونحن فى ظل حكم مدنى بعد 60 عاما من الحكم العسكرى، كانت قرارات الرئيس الدكتور محمد مرسى بإحالة المشير طنطاوى القائد العام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ونائبه الفريق سامى عنان وقادة الأسلحة الرئيسية الثلاث (البحرية والجوية والدفاع الجوى) وبعض القادة العسكريين الآخرين مثل قائد الحرس الجمهورى وقائد الشرطة العسكرية هى أفضل «عيدية» يقدمها الرئيس لشعبه المتعطش إلى الحكم المدنى، والذى دفع ضريبة باهظة للتخلص من الحكم العسكرى تمثلت فى مئات الشهداء وآلاف المعتقلين والسجناء والمعذبين والمبعدين والمقهورين منذ مطلع الخمسينات وحتى بعد يوم 25 يناير2011.
ها هى الثورة المصرية تقدم للعالم نموذجا جديدا فى الانتقال من الحكم العسكرى إلى الحكم المدنى بسلاسة، وفى وقت قياسى، كما تمت الثورة من قبل فى وقت قياسى مقارنة بغيرها من الثورات العالمية الكبرى قديمها وحديثها. لقد ناضل الأتراك لعشر سنوات كاملة حتى يتخلصوا من هيمنة العسكر على السياسة، بينما احتاج الرئيس مرسى لأقل من شهرين فقط لينهى هذه الهيمنة، وهو ما أذهل قاهر الهيمنة العسكرية فى تركيا رجب طيب أردوغان شخصيا.

لقد كدّرت الهيمنة العسكرية صفو ثورة يناير، وفرضت عليها شركاء تحولوا خلال الثمانية عشر شهرا الماضية إلى أوصياء على الثورة والشعب، وحتى على الرئيس المنتخب عبر إصدارهم فى 17 يونيو الماضى ذلك الإعلان الدستورى المكمل الذى منحهم سلطات تفوق رئيس الجمهورية، وجعلهم بشكل عام أصحاب اليد العليا، والمؤسف أن قوى سياسية مدنية مثلت غطاء شعبيا لهذه الهيمنة العسكرية رغم أن هذه القوى يُفترض بها النضال من أجل الدولة المدنية وإنهاء حكم العسكر فى أقرب وقت، وجدنا هذه القوى هى التى تزيّن للعسكر البقاء فى السلطة، حتى لو كان بعضهم يرغبون فى العودة لثكناتهم، لقد رأينا بعض الأقطاب المدنية يطالبون ببقاء المجلس العسكرى لعامين، ورأينا من يحاول تسويق وثائق دستورية تعطيهم صلاحيات لم تكن لهم من قبل، ووجدنا من يدافع عن السرية الكاملة للموازنة العسكرية وعن الاقتصاد العسكرى، ووجدنا من يطلب وضعا خاصا للقوات المسلحة فى الدستور الجديد، ومن يريدهم أوصياء بشكل دائم على المسيرة الديمقراطية خوفا من هيمنة الإسلاميين.

هذه القوى التى ارتمت فى حضن العسكر طويلا وراهنت على بقائهم فى السلطة ووصايتهم على العملية الديمقراطية أصيبت بخيبة أمل كبيرة بعد ثورة التصحيح التى قادها مرسى، والتى أعادت الأمور إلى نصابها الطبيعى، ولكن الموضوعية توجب القول إن هناك قوى مدنية حافظت على نقائها السياسى وعلى مبادئها المدنية، وظلت حتى آخر لحظة تناضل ضد بقاء العسكر فى السلطة مع احتفاظها بخلافها مع التيار الإسلامى وأطروحاته السياسية.

تثبيت دعائم الحكم المدنى أصبح مهمة كل القوى الديمقراطية سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو يسارية، ففى ظل هذا الحكم المدنى ستكون المنافسة شفافة بين الجميع، ولن يكون هناك فيتو من قوة عليا على أحد، وفى ظل هذا الحكم ستعود روح الولاء والانتماء للوطن أكثر قوة، وفى ظل هذا الحكم ستنصرف المؤسسة العسكرية إلى مهمتها الرئيسية فى تأمين حدود البلاد وأمنها القومى، وستنجح فى ذلك ولن تتكرر مأساة سيناء.