بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

الإمبراطورية الأمريكية وموضوعية هاجس السقوط

بات الحديث عن سقوط الإمبراطورية الأمريكية هاجسا يؤرق كثير من العامة والساسة، ولم يقتصر هذا الهاجس على المحيط العربي والإسلامي، بل امتد إلى صناع القرار في الدوائر الأمريكية، وحلفاء أمريكا المنتشرين في كافة أرجاء العالم، فضلا عن مناوئي الوجود الأمريكي من غير المسلمين، ولا شك أن الانطباعات تجاه هذا التفكير مختلفة، ما بين مشاعر خوف وقلق إلى مشاعر فرح وترقب.

ففي المحيط العربي والإسلامي كثرت التساؤلات عن أوان هذا السقوط، ولم يقف الأمر عند حد التساؤل بل ذهب البعض من الكتاب والباحثين العرب والمسلمين إلى القول بقرب زوال هذه الإمبراطورية وتهاوي عروشها، مستدلين على ذلك بحالة الشتات الفكري والاجتماعي والشهوانية التي تنتشر في المجتمع الأمريكي.

وعلى صعيد الحلفاء كتب الفيلسوف وعالم الاقتصاد البريطاني: جون غري في مقال بعنوان (لحظة الانكسار في سقوط قوة أمريكا) نشر منذ سنوات إبان أزمة أمريكا الاقتصادية، كتب: «إن حقبة الهيمنة الأمريكية قد انتهت، فالأزمة المالية التي تشهدها الولايات المتحدة ستؤدي بالبلاد إلى السقوط بنفس الطريقة التي سقط بها الاتحاد السوفيتي سابقا».

واليوم وبعد مرور قرابة الخمس سنوات دارت رحى الجدل في الصحافة الإسرائيليةالتي اعتبرت أن الإمبراطورية الأمريكية، تتهاوى، وذلك على ضوء ردود الأفعال على الفيلم المسيء، واقتحام السفارات الأمريكية والهجوم عليها وقتل السفير في ليبيا.

حيث رأى "بوعز بسموت" الكاتب بصحيفة "إسرائيل اليوم" في مقاله بعنوان "تهاوي الإمبراطورية" أن قوى كثيرة في العالم والشرق الأوسط تحديدا باتت تشعر بالضعف الأميركي، ولم تعد تخشى تلك القوة العظمي، مستحضرا ما ذكر صموئيل هنتنغتون عن تحدي الحضارتين الإسلامية والصينية للغرب، في كتابه "صدام الحضارات"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة إذا استمرت في السير بنفس الوتيرة ستدخل التاريخ بصفتها أقصر إمبراطورية حكمت العالم.
وطالب "نداف هعتسني" في مقاله الذي حمل عنوان "صدام الحضارات" في صحيفة "معاريف"، طالب العالم الغربي بإدراك أنه على شفا حرب عظمى، "فإذا ما انتصرت الحضارة الإسلامية، فإنها ستبيد كل علامة حياة أخرى"، وأضاف "أوروبا الغربية عانت من الوهن الذي سمح للإسلام الراديكالي بأن يغرس فيها أنيابه الفتاكة، أما بالنسبة لنا وبالنسبة لمعظم العالم فلا يزال يوجد وقت للصحوة".
وعلى الجانب الأخر يرى كثيرون أن مسألة سقوط الحضارة الأمريكية ليست بهذه السهولة لدولة تتمتع بحلفاء كُثُر، إلى جانب امتلاكها لعدد ضخم من القواعد العسكرية التي تنتشر في كافة أرجاء العالم، ثم إن هذه الحضارة لم تزل- بحسب هذا الرأي- في طورها الأول مقارنة بغيرها من الحضارات والإمبراطوريات، ويفرِّق هؤلاء بين الأماني وبين الواقع، مشيرين إلى أن الأماني لا تصنع واقعا، ولا تؤسس لواقع، بل ربما أدت إلى عكس المراد والمطلوب.
ومسألة سقوط الحضارة الأمريكية وزوالها لن تغيِّر من واقعنا شيئا، لأن قانون الحضارات-إن صح هذا التعبير- لا يسقط حضارة بغير فاعل وصانع لهذا السقوط، وبكل أسف ليس للعالم العربي والإسلامي دور يذكر في المشهد الحالي، وبلداننا لم تزل في تعثر وتأخر عن ركب قاطرات الحضارة في عالم اليوم، لذلك فإن أكثر المتفائلين بسقوط هذه الإمبراطورية لا يرى مكانا للعرب والمسلمين غير مكان التابع والمقلد.
وبناء على ذلك فإن الحديث عن سقوط الحضارة الأمريكية -في واقعنا العربي والإسلامي- بغير الحديث عن سبل اللحاق بها يعد من قبيل الترف الفكري، الذي سيصب في نهاية الأمر في مصلحة الدول الأكثر قوة وتقدما وحضارة، أما نحن فلن نستفيد شيئا، ولن نرى تغيرا سوى في دور البطل والقائد لمسيرة هذا العالم، لتتحول قيادة العالم من قوى طاغية ومتجبرة إلى قوى أكثر طغيانا وتجبرا، ويرى أصحاب هذه النظرية أن المستقبل يشير إلى بزوغ النجم الصيني، وإلى تقدم القوى الأوربية، وأنهما الأقرب إلى تسلم دفة القيادة لهذا العالم.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث