بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

لماذا فشلت "غزوة الأحزاب"؟

ما من يوم يمر إلا ويثبت الشعب المصري أنه شعب أصيل وذكى .. وأنه أكثر وعيا من النخب السياسية والإعلامية التي أرادت أن تفرض نفسها على الساحة ، متجاهلة رأى الشعب الذي تدعى زورا وبهتانا أنها تمثله !. ها هو الشعب الواعي يلقى وراء ظهره كل ما سمعه وشاهده من افتراءات وأكاذيب، وصلت إلى درجة تزوير مواد دستورية من بنات أفكارهم ونشرها ليجدوا مطاعن على الدستور الوليد !. كما أنفقوا مئات الملايين في حملة تضليل بالصحف والفضائيات لتشويه وعى الشعب، ولكن الله تعالى خذلهم .

ولا شك أن هذه " الغزوة " التضليلية أثرت على قطاعات عريضة من الشعب الحائر بين الحق والباطل .. لدرجة أن أحزابا لا تنتمي إلى الفكر العلماني، بل ومحسوبة على التيار الإسلامي، انضمت إليهم ودعت إلى رفض الدستور، وشارك شبابها في توزيع النسخ المزورة!. ومن هذه الأحزاب حزب المرشح الخاسر عبد المنعم أبو الفتوح، الذي لم يستوعب الدرس الذي أعطاه الشعب له في انتخابات الرئاسة، عندما فضل أن يمسك العصا من المنتصف ففقد أغلب مؤيديه. كما سار على خطاه الداعية عمرو خالد وحزبه الوليد، إذ فضل هو الآخر أن يمسك العصا من المنتصف.. وإذا كنا نجد عزرا لعمرو خالد الذي لم يدرك بعد الفرق بين التأييد الشعبي لداعية والتأييد المبنى على مواقف سياسية؛ فما عزر عبد المنعم أبو الفتوح الذي عرفه الشعب من خلال العمل السياسي والنقابي؟!. لقد أحدثت هذه الأزمة تمايزا وفرزا واسعا كان مطلوبا لكي يميز الشعب- صاحب الكلمة الأخيرة- بين من يعملون لصالح الوطن، ومن يتاجرون باسم الشعب. المهم أن "غزوة الأحزاب" بما انضم إليها من فلول وأموال وقوى خارجية وإعلام كذوب استطاعت أن تُحدث خللا في الإجماع الشعبي الذي تميزت به ثورة 25 يناير، وتم تشويه وعى بعض شباب الثورة.. وكان الهدف بالطبع هز ثقة الشعب المتدين في قياداته التاريخية التي تعايشت معه في أحلك الظروف، وقام برد الجميل في كل الانتخابات والاستفتاءات الحرة التي أجريت بعد الثورة، فهل يفهم العلمانيون والنخب الفارغة والراقصون على السلم؛ هل يفهمون الشعب ويستوعبون الدرس؟!.

إن الشعب المصري يتميز بذكاء فطرى لا نظن أن شعبا آخر يتمتع به.. ولو أن شعبا آخرا تعرض لهذه الحملة غير المسبوقة لما استطاع أن يستجمع قواه أو أن يُجمع على قرار .. ولكن الشعب الأصيل اتخذ قراراه بكل قوة وبمنتهى الوضوح رغم القصف الإعلامي المركز، فما السبب في ذلك؟.. في الوقع أن الشعب الذكي كشف حقيقة من يتزعمون هذه الحملة المغرضة وأدرك أن لكل واحد منهم أغراضه الخاصة ؛ فمنهم من "يحلم" برئاسة مصر ويسعى لضرب الاستقرار وإفشال مسيرة الثورة طمعا في إعادة انتخابات الرئاسة، ومنهم من كان وزيرا للمخلوع ويدعمه الفلول لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ومنهم من زُرع زرعا داخل التربة السياسية المصرية بواسطة المخابرات الغربية والصهيونية، ومنهم من لا يطيق الإسلام ويعادى الإسلاميين دون مناقشة أو استعداد للتفاهم، وكلهم يخشون الشعب واختياراته ويتهربون من الصندوق الانتخابي ومن رأى الشعب، وكلهم يكرهون الشعب ويصفونه بالجهل وسوء الاختيار، والأهم من ذلك أنهم جميعا بعيدون عن الشعب ويعيشون في أبراج عاجية بالغرف المكيفة.. فهل يفهمون أو يعقلون؟.

إن الشعب الذكي يعرف من يتعايشون معه، ولا ينسى من يشاركونه في أفراحه وأحزانه، ويعرف من سجنوا وعذبوا من أجله، ويحمل الجميل لمن يعينونه على مواجهة مصاعب الحياة وإهمال الحكومات المتعاقبة لمصالحه، ويرى حوله المشروعات الخيرية من مستوصفات ومدارس ومساجد.. ويعرف من الذي أبدعها ولا يثق إلا فيهم . لقد فشلت غزوة الأحزاب رغم التفاف عدد كبير ممن يعتبرون أنفسهم من النخب السياسية حولهم.. لأن العبرة ليست بالنخب التي لا تمثل إلا نفسها، وإنما بالشعب الواعي الذي يستعصى على الغش والخداع . وثمة ملاحظة أخيرة تبين عظمة هذا الشعب؛ أنه لديه قرون استشعار وحساسية شديدة لأية أطروحات أو اختيارات طائفية.. فيتحرك بذكاء ووعى لإبطالها. يا له من شعب عظيم!.

التحية والتقدير لشعب مصر العظيم، والتهنئة لإنجاز أول دستور بيد الشعب.