بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

عادل الحلبي يكتب : رسالة إلى الضباط الملتحين

رسالة إلى الضباط الملتحين

بقلم – عادل الحلبي :
تحية إلى جموع الضباط الملتحين أصحاب الوجوه الناصعة المتوضئة بنور الأيمان ، الذين خشوا الرحمن بالغيب ولم يُفَرطوا في تقواهم لله تبارك وتعالى طرفة عين ولا أقل من ذلك .. فزادهم إيماناً مع إيمانهم .. تحية لكم يارجال الشرطة الأوفياء القابضون على الجمر ، الحائرون الدائرون في فلك دهاليز القانون الباحثون عن بارقة الأمل لتعودوا أدراجكم بعد أن مللتم الانتظار الطويل والسعي ليل نهار والصراع من أجل البقاء بعقر داركم وكأنكم تدورون بداخل لوحة تشكيلية سريالية غامضة ، ومشاهد رمزية رافضة ، ولا حول لكم ولا قوة إلا بالله العظيم.

وإن الناظر في أحوال طائفتكم كضباط ملتحين اليوم .. ليرى أمراً عجباً بعد أن ظلمكم مجتمعنا ولفظكم بعض أصحاب الأهواء ، ورغم أن القانون قضى بأحقيتكم في العودة إلى عملكم بوزارة الداخلية إلا انه يوجد عراقيل للأسف لم نراها بالعين المجردة ، وقوى كامنة تحول ضد تنفيذ الحكم بعودتكم .. وكأنه يوجد عشاق متربصون متخصصون في تهشيم الزجاج الملون .. بل والأدهى وأمر أن بعض الأجهزة قد كشرت عن أنيابها وكأنكم بإطلاق لِحَاكم قد ارتكبتم معصية في جنب الله ولن يغفر الله لكم .. أو أنكم أجرمتم في حق المجتمع ووجب عليكم القصاص أو تدفعوا فاتورة ماقترفت يداكم المعطرة برائحة المِسك !

ثم والله ما زادتكم اللحية إلا بهاءاً وإشراقاً أضيئ بأريج التقوى والعمل الصالح ، وما أوحت زبيبات الصلاة على وجوهكم الناصعة إلا طمأنينة للقلوب .. ثم والله ما أطيب أن نرى مثل هذه الوجوه الضاحكة المستبشرة داخل أقسام الشرطة التي تركت في النفوس طابع الغلظة والحدة والرعب على مدار أكثر من 30 عاماً تعودوا فيها على معاملة من يدخل قسم الشرطة كأنه مجرم حرب وأصبحت الأقسام والمراكز أشبة بالزنزانات وتدار التحقيقات فيها بلغة الكراهية والاستعلاء وازدراء القوم ، ولا ينكر أحد منا أن هذا الجهاز في عهد المخلوع قد شهد أهوالاً يشيب لها رأس الوليد شيباً وحوادثاً مروعة من الامتهان يندي لها الجبين خجلاً ، وربما كانت ثورة يناير أحد دعائمها ومحركها الرئيسي عنف ضباط الشرطة وتجاوزاتهم .. فما أطيب أن نجد وجوهاً بشوشة ’’ملتحية‘‘ متوضئة ندية تُوحِي إلينا بالتفاؤل وتشعِرنا بالطمأنينة المفقودة من زمن التردي والعفن.

ولِما لا .. أن يحق للضباط بإطلاق لحاهم كحرية شخصية ولا يسلبهم إياها كائن من كان ولا يبخسهم أحداً شيئا .. فلا قانون يجرمهم ذلك ولا عهداً أخذ عليهم ولا كانت اللحية جُرماً أو فوحشاً يعاقب عليه المواطن في بلد إسلامي رئيسها الشرعي المنتخب ’’ملتحيِ‘‘ ويحفظ كتاب الله عز وجل عن ظهر قلب .. ولنا فيه القدوة الطيبة ولله المثل الأعلى .. ثم إن الفارق في كفاءة الضباط ليس بإطلاق شارب غليظ يعتليه صقر ولا بذقنِ ناعمة معطرة ولا بلِحية مخللة أو مخضبة أو بها بعض شيب من وقار .. الفارق يكمن في أداء الوظيفة على خير وجه ومعاملة الناس بالتي هي أحسن عِوضاً عن العهد البائد الذي ترك في النفس غضاضة سوداء باعتبار أن ((الداخل إلى قسم الشرطة مفقود والخارج منه مولود)).

وأستعجب كثيراً أن تكون مصر هي الدولة الوحيدة بالعالم العربي التي لا يوجد بوزارة داخليتها أي ضباط أو جنود ملتحين ، ولعل هذا الفرمان الغريب قد صدر من تلقاء نفسه على عهد الحاكم القراقوش وزير الداخلية الأسبق الذي صُفِع بالحذاء على يد عضو مجلس الشعب .. وقد كان هذا القراقوش قد بني سداً منيعاً وأفرَغ عليه قِطراً ليحُول بينه وبين أصحاب اللحي وعلى يديه ذاقوا طعام الغُصة والغِسلِين والعذاب الأليم ، ولم يدرِ إن الظلم مرتعته وخيمة ، وعاقبته أليمة ، وآثاره سيئة ، وإني والله لم أجد أشد كرهاً لأصحاب اللحي منه ، ويوم أن شيعناه إلى مثواه الأخير وكنت مشاركاً في حمل جثمانه من أمام مسجد رابعة ليس محبة فيه ولا تشفِ .. ولكن وددت أن أهمس له بأسئلة طرأت على خاطري : تُرى بماذا خرجت من كرنفال الداخلية .. وأي جبل تحمله على ظهرك الآن .. وهل أغنى عنك مبارك اليوم شيئاً ؟

فا والله إنّا ضيوف على هذه الدنيا مهما طال بنا العمر ولن نعمر فيها غير عشية أو ضحاها ، وإنّا مستخلفون في مناصبنا وسيرتنا وما قدمت أيدينا ستجنيه أجسادنا سواء لطمت وجوه قوم أو ارتشت منهم أو شهدت زوراً وبهتاناً وإثماً مبينا .. فاستحضِر يا رعاك الله ’’مُحتَضِراً‘‘ واسأله كم لبث فيها فلن يجيب سُؤلك وقد كفاه ماكفاه من دنياه وطاف على سمعِه وغشاه ، وإذا ما كشف الله عنه ليُرِيَكَ منه الآية الكبرى سيقول لك لبثتُ يوماً أو بعضَ يومِ فسأل العادين !

وختاماً :
اعلموا أن الصبر جواداً لا يكبو وجنداً لا يُهزم وأن سلعة الله غالية .. فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ومن هنا نذكركم بأنه غداً ستشرق الشمس على وجوهكم فاستبشروا خيراً .. نسأل الله تبارك وتعالى وندعوه باسمه الأعظم وصفاته العُلى أن يهيئ لكم من أمركم رشداً وأن يعيدكم إلى سيرتكم الأولى مكللين بفرحة غامرة تدمع لها أعينكم وأعيننا وتثلج بها صدوركم وصدورنا ، اللهم أبرم لهم أمر رشداً يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك يارب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا الحبيب محمد


مقالات الصحفي
عادل الحلبي