موضوع: رد: أتدرُونَ ما الإيمانُ؟ الأحد يونيو 02, 2013 9:26 pm
بسم الله الرحمن الرحيم أذكر الله
(7) دعُونَا أوَّلًا نُعدِّدُ ما يَنبَغِي أن يُفرَدَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِهِ فلا يُشرَكُ مَعَهُ فِيهِ غيرُهُ: 1- اللهُ عزَّ وجلَّ مُنفَرِدٌ بالخَلْقِ والرِّزْقِ والمُلْكِ والتَّدْبِيرِ، فهُوَ خالُقُ كُلِّ شيءٍ فلَيْسَ ثمَّ خالقٌ سواهُ، وهُوَ الّذي يرزُقُ وكُلُّ ما عَدَاهُ أسبابٌ هُوَ خالِقُها، المُسلِمُ –إذَن- لا يُمكِنُ أن يَعتَقِدَ أنَّ هُناكَ مَنْ خَلَقَ شيئًا في هذا الكونِ أبدًا، ولا يُمكِنُ أن يَظُنَّ أنَّ رِزْقَهُ بِيَدِ أيِّ مخلوقٍ.
وهُوَ عزَّ وجلَّ مالِكُ المُلْكِ لا يَحكُمُ كونًا إلَّا هُوَ، إذا قالَ للشَّيءِ كُنْ فيكونُ كما أمَرَ، ولا يحقُّ لغيرِهِ أن يَحْكُمَ في مُلكِهِ شرعًا، فالمُسْلِمُ لا يُمكِنُ أن يعْتَقِدَ أنَّ أيَّ جُزءٍ منَ الكونِ تخضَعُ لمُلكِ مخلوقٍ، وَكَذلِكَ لا ينْبَغِي لمُسلِمٍ أن يقولَ أنَّ مِنْ حقِّ فُلان وفلانٍ أن يَشرَعَ ما يُخالِفُ شرعَ اللهِ، ولا ما يُوازِي شرعَ اللهِ، بلِ التّشريعُ كُلُّهُ حقُّ اللهِ، إذا قالَ في كتابِهِ أنَّ الخمرَ حرامٌ فلا يُمكِنُ أن يعْتَقِدَ المُسْلِمُ أنَّ مِنْ حقِّ أيِّ مخلوقٍ أن يجْعَلَها حلالًا، وإذا قالَ في كِتابِهِ أنَّ الحِجابَ فرضٌ فلا يُمكِنُ أن يعتَقِدَ المُسْلِمُ أنَّ هُناكَ مخلوقًا مِن حقِّهِ تحرِيمُهُ، وإذا قالَ اللهُ أنَّ ما أمَرَ بِهِ نبيُّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ واجبُ التّنفيذِ فلا يُمكِنُ لمُسلِمٍ أن يعتَقِدَ أنَّ كلامَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مردُودٌ عليهِ.
2- اللهُ عزَّ وجلَّ مُنفَرِدٌ بِصِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ الّتي لا تُضَاهَى، فلا يُماثِلُهُ أحدٌ مِنْ خلقِهِ في صِفاتِهِ، بَلْ ما اشْتَرَكَ فيهِ المخْلُوقُ مَعَ اللهِ عزَّ وجلَّ في اسمِ الصّفَةِ، لا يَعْنِي أنَّ الخالِقَ والمخلوقَ سواءٌ في هذهِ الصِّفَةِ. فاللهُ ربُّنا حيٌّ، والمَخْلُوقاتُ حيَّةٌ، ولَيْسَتْ حياةُ اللهِ كحياةِ المَخْلُوقِينَ أبدًا، واللهُ عزَّ وجلَّ لهُ وَجْهٌ ويَدٌ، والمَخْلُوقُ لهُ وَجْهٌ ويَدٌ، ولَيْسَ وجْهُ اللهِ ويَدُهُ كوَجْهِ ويَدِ المَخْلُوقِ، بَلِ اللهُ أعْظَمُ وأجلُّ ولا يُقارَنُ بِخَلْقِهِ.
وعِلْمُ اللهِ مُحيطٌ، وهُوَ وحَدُ يعلمُ الغَيبَ، فلا عرّافَ ولا كاهنًا ولا أبراجَ حظِّكَ اليومَ ولا جِنَّ ولا إنسَ تَفْتَحُ لكَ مِنَ الغَيْبِ قَطرَةً لأنَّ الغَيْبَ علمُ اللهِ لا يَنْبَغِي أنْ يَعْتَقِدَ المرْءُ أنَّ غيرَ اللهِ يُمكِنُ أن يعْلَمَ مِثلَ علمَ اللهِ بلا ولا قريبًا مِن علمِ اللهِ العَظِيمِ.
وهَكَذا في كُلِّ الصِّفاتِ؛ فالمُسْلِمُ لا يُمكِنُ أن يَنسِبَ صِفَةً مِن صِفاتِ اللهِ لغيرِ اللهِ أبدًا، فلا يقولُ أنَّ فُلانًا قادِرٌ كَقُدرَةِ اللهِ، ولا يُمكِنُ أنْ يَعتَقِدَ أنَّ هُناكَ مَن هُوَ قويٌّ كَقُوَّةِ اللهِ.
3- اللهُ عزَّ وجلَّ مُنْفَرِدٌ بالأُلوهِيَّةِ؛ يعنِي استحقاقَه العِبادَةِ وحده لا شريك معه؛ فالمُسلِمُ لا يُمْْكِنُ أن يَصْرِفَ أيَّ شيءٍ مِنَ العِباداتِ لغيرِ اللهِ لا بِقلْبِهِ ولا بِجَوارِحِهِ. وما هِيَ العِبادَةُ؟! هِيَ كُلُّ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرْضاهُ مِنَ الأقْْوالِ والأَفْعالِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ؛ فالصّلاةُ عِبادةٌ، وبِرُّ الوالِدَينِ عِبادةٌ، والوُضوءُ عِبادةٌ، والخَشْيَةُ بالغَيْبِ والخُضوعُ عبادَةٌ، وحَلْقُ الرّأْسِ وقصُّ الشَّعْرِ في الحجِّ عِبادَةٌ، والطَّوافُ عِبادَةٌ، والذّبْحُ عِبادَةٌ كمَا نفْعَلُ في العِيدَينِ، والصَّدَقاتُ عِبادَةٌ، وتَبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ عِبادَةٌ، بَلْ إماطَةُ الأَذَى عنِ الطّريقِ عِبادَةٌ... وقَدْ سَبَقَ بيانُ أنَّ كُلَّ هذِهِ العباداتِ تزيدُ إيمانَكَ فكَيْفَ يَصْرِفُها مُسلِمٌ لغيرِ اللهِ؟! لا يَنْبَغِي أن يعْتَقِدَ القَلْبُ أنَّها تصلُحُ لغيرِ اللهِ.
وكُنْتُ قَدْ وَعَدْتُ بِمِثالٍ عنِ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ مُصيبةً ابْتُلِيْنا بِها في هذا العَصْرِ، ولكِنْ أَخَذَنا الكلامُ لِمَزِيدٍ مِنَ التَّوضِيْحِ، فما هُوَ هذا المِثالُ؟!
(8) قَبلَ أن أبدَأَ في طرحِ المِثالِ لابُدَّ أن نعلَمَ أنَّ هذا الكلامَ لكِيْ ينظُرَ في قلبِهِ هوَ، ويُصحِّحَ مسارَهُ معَ ربِّهِ، ولَيْسَ لكَي يُحاكِمَ الآخَرِينَ، أو يتكلَّمَ فيمَا لا يعرِفُ مِن مسائِلِ العِلمِ.
لَقَدِ ابتُلِيَتِ الأُمَّةُ في زمانِنا هَذا –كَما ابتُلِيَتْ مِنْ قبلُ- بقَوْمٍ يحمِلُونَ معَاوِلَ هَدْمٍ لبُنْيانِ الإيمانِ في القُلوبِ، ومِنْ تِلْكَ الأصواتُ الّتي تَتَعالَى مُطالِبَةً بـ (تَنْحِيَةِ الشّرِيعَةِ) لأنّها: رَجْعِيَّةٌ وتَخلُّفٌ وعَوْدَةٌ لِعُصورِ الظُّلْمِ!! ويُطالِبُونَ بِجَعْلِ الحُكمِ (للشّعبِ) هُوَ يختارُ ما يشاءُ، ويُقرِّرُ القانُونَ الّذي يألَفُهُ ويُعْجِبُهُ، وألَّا يلتَزِمَ شرعَ اللهِ، ولا يلتَفِتَ إليهِ ولا يرفعَ بِهِ رأسًا. فإذا أرادَ الشَّعْبُ أن (يُحِلَّ) الزِّنا، والَخمْرَ، والشُّذوذَ فــ: (يَجِبُ أن تُنَفَّذَ إرادَةُ الشَّعْبِ التّشريعيَّةَ، ولَو كانَ في ذلِكَ إلقاءُ حُكْمِ اللهِ وراءَ ظُهُورِنا!! فمَا رأيُكُم في هذا الكلامِ؟ ما رأْيُكُم فيمَن يجْعُلُ التَّحليلَ والتَّحرِيمَ لِغَيرِ اللهِ ويجْعلُ أمرَ اللهِ (رجْعِيَّةً وتخلُّفًا وظُلمًا)؟ إنَّ هذا قَدْ يصدُرُ مِن إنسانٍ غيرِ مُسلِمٍ لأنَّهُ يعتَقِدُ أنَّ الإسلامَ ليسَ دينُ الحقِّ، ولكِنْ أخبِرُونِي كيفَ بِرأيِكُمْ يصْدُرُ مِن مُسلِمٍ؟ كَيفَ يعتقدُ المُسلِمُ أنَّ الإسلامَ حقٌّ، وأنَّ هذا القُرآنَ كلامُ اللهِ، وأنَّ أحكامَهُ هِيَ حُكمُ اللهِ، ويَعتَقِدُ أنَّ اللهَ عليمٌ حكيمٌ قادِرٌ مُحيطٌ بِكُلِّ شيءٍ، لا يظلِمُ أبدًا ولا مِثقالَ ذرَّةٍ ثُمَّ يعتَقِدُ في نفسِ الوقتِ أنَّ الشَّريعةَ رجعِيَّةٌ وتخلُّفٌ وظُلمٌ، وأنَّ ما أرادَ الشَّعبُ أولَى مِن حُكمِ اللهِ؟! إنَّ ذلكَ تناقُضٌ لابُدَّ أن يَتَرَفَّعَ أحَدُهُما... ما مَعْنَى ذلكَ؟ مَعْناهُ أنَّهُ إمَّا أن يَعْتَقِدَ الإنسانُ أنَّ الشّريعةَ حقٌّ مِن عندِ اللهِ، أو يعتَقِدَ أنَّها باطِلٌ، ولا يُمكِنُ أن يعتَقِدَ أنَّهَا حقٌّ وباطِلٌ في ذاتِ الوقتِ. فلَوِ اعتَقَدَ أنَّ الشَّريعةَ حقٌّ فلابُدَّ أنْ يقولَ ذلكَ بِلِسانِهِ، ويُدافِعَ عَنها ويُحِبَّها ويَسْعَى لِأنْ تسودَ... لأنَّها حقٌّ! ولَوِ اعْتَقَدَ أنَّ الشَّريعةَ باطلٌ فَسَيَنْضَحُ ذلِكَ على لِسانِهِ بُغْضًا للشَّريعةِ، ومُحارَبَةً لها، وسَعْيًا ألَّا تسودَ وألَّا تحْكُمَ، قالَ تعالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [مُحمّد:9]. فانْظُر أيُّها القارِئُ فِي قلبِكَ أنتَ، وفَتِّشْ في نفسِكَ أنتَ... هَلْ تَجِدُ أنَّ الشَّريعةَ حقٌّ أم باطلٌ؟ وهَلْ تُريدُ أن يحكُمَ شرعُ اللهِ في أرضِكَ، أمْ تعتَقِدُ أنَّ الشَّريعةَ ظُلمٌ ورجعِيَّةٌ؟ وهَلْ تَعْتَقِدُ أنَّ اللهَ هُوَ المُنْفَرِدُ بالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، أمْ انَّكَ تعتَقِدُ أمَّهُ يُمكِنُ أن يكونَ لهُ شريكٌ في ذلِكَ مِن حاكِمٍ أو شعبٍ أو غيرِهِ؟ قالَ تعالَى: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:26]، وفِي قراءَة ابنِ عامرٍ: {وَلَا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}. فهَذا مِمَّا يدخُلُ فيهِ الشِّركُ. فإذا كانَ مَعَهُ جَحَدَ الأمرِ، أو أبْغَضَهُ، أو كَذَّبَهُ، أوِ اسْتَكْبَرَ عنهُ كانَ داخلًا في الكُفرِ أيضًا!! أَيَعْنِي هذا أنَّ ثمَّةَ فرقٌ بينَ الكُفرِ والشِّرْكِ؟ ظُلُماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ إذا أخرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يراها!
(9) أُكرِّرُ التَّنبيهَ! قبلَ أن أبدَأَ في طرحِ ما لدَيَّ أنَّهُ لابُدَّ أن نعلَمَ أنَّ هذا الكلامَ لِكَي ينظُرَ كُلُّ واحدٍ في قلبِهِ هوَ، ويُصحِّحَ مسارَهُ معَ ربِّهِ، ولَيْسَ لِكَي يُحاكِمَ الآخَرِينَ، أو يتَكَلَّمَ فيما لا يعرِفُ مِن مسائِلِ العلمِ!