بسم الله الرحمن الرحيم
أذكر الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وبعد..
لقد سمع الجميع بما حصل لأهل السنة في دماج وبهذا الحدث أحب أن أنبه إخواني المسلمين لعدة امور :
الأول : لنعلم أولا أن الله تعالى قدر كل شيء وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وأن أمر الله تعالى لا راد له ولا معقب له.. فلا ينبغي النظر إلى هذا الحدث بمعزل عن الركن السادس من أركان الإيمان..وهو الإيمان بالقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى .
الثاني : أن نتذكر أننا في آخر الزمان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ،فطوبى للغرباء)). فمن تمسك بالدين واعتصم بالعروة الوثقى فلابد وأن يكون غريبا. وهذه الغربة في الحديث غربة مطلقة غير مقيد ،فيدخل فيها الغربة المعنوية وهي غربة الاعتقاد، والغربة الحسية وهي غربة الديار .فتغريب أهل دماج عن ديارهم لا تعدو أن تكون من تلك الغربة المنصوص عليها في الحديث فالمتمسكون بالحق والثابتون عليه في غربة بين أقوام لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا وفي غربة بسبب تنقلهم عن أوطانهم فرارا بدينهم من الفتن. فلا ينبغي النظر إلى ما يحصل إلى أهل دماج بمعزل عن وقوع هذه الغربة على أهل الحق في آخر الزمان .
الثالث : أننا معاشر أهل السنة نؤمن ونثق بأن الله تعالى لا يقدر على اهل الإيمان والحق إلا الخير ،فأنا أقسم بالله تعالى بأن ما حصل لأهل دماج هو عين الخير لأن الذي قدره عليهم هو الله ،وهم من أهل الصدق والإيمان..فأبدا ثم أبدا لا يكون شرا..لأن امر المؤمن كله خير في السراء مع الشكر خير ،وفي الضراء مع الصبر خير ،((وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)) .والقلوب واثقة بالله تعالى بأنه لا ولن يخذل أهل الحق ولن يسلمهم لعدوهم فهو مولاهم فنعم المولى ونعم النصير ،فالذي جرى هو عين الخير لهم ولغيرهم وهو عين الحكمة وعين المصلحة
ستبدي لك الأيام ما كان خافيا --- ويأتيك بالأخبار من لم تزود
حتى ولو لم تعلم عقولنا تفاصيل هذه الحكمة والمصلحة لعجزها وضعفها وسلاطة القنوط واليأس عليها.ولكن يكفيها كمال الثقة بالله بأنه الحكيم الخبير الذي لا يريد بأهل الحق والدين والإيمان إلا كل خير .
الرابع : إن الانتقال من الدار حصل لمن هو خير منهم من أخص خصائص عباد الله وهم الأنبياء والرسل .
فهذا خير الخلق صلى الله عليه يخرجه أهل مكة وهي داره إلى دار الغربة. ألم ما بعده ألم. ولكن العزة نسجت خيوطها في هجرته وخروجه فصار إخراجه منها هو عين العزة وعين المصلحة وعين النصر والتمكين .
وهذا موسى عليه السلام يخرج من مصر خائفا يترقب والعزة في عين خروجه منها فعاد إليها نبيا ورسولا حتى أملكه الله تعالى عروش الظالمين.. بل لا نعلم عن أحد من أهل الحق أنه طرد من بلده وأخرج منها قهرا وصبر واحتسب إلا أرجعه الله إليها منصورا مكللا بتاج الفخر والعز والمنعة والتمكين . وهذه سنة الله في كونه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا .
فخروج أهل دماج فرع من فروع هذه القاعدة الكونية والسنة الربانية فهو عين عزهم . وستعلم بعد حين أن العز والكرامة والنصر والتمكين لهم كانت بدايته هي خروجهم هذا. والأمر يحتاج إلى إيمان وتوبة وصبر واحتساب ((والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون)) .فأتباع الأنبياء لا بد وأن يصيبهم ما أصاب الأنبياء قبلهم ،والعاقبة في نهاية المطاف للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين .
الخامس : أن أهل دماج علماء وطلبة علم فهم أعرف بالمصلحة وأدرى بالمفاسد..فهم يهتدون بالحق الذي تعلموه. فلما وافقوا على هذا الخروج إنما وافقوا عليه من باب تحقيق المصالح ودفع المفاسد. فلا حق لغيرهم أن يلزمهم بنظره أو يحكم عليهم باجتهاده أو ينظر لهم بعين علمه هو .
السادس : أن أهل دماج في اليمن هم قاعدة أهل السنة فيها وهم عصابة الحق بل وهم الخلاصة العلمية التي تدين بعين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ،
وعدوهم الحوثي جلد تعينه دول بكافة الأسلحة المتطورة وقد فجأهم على حين غرة .ودماج فيها النساء والأطفال وكبار السن ممن ليسوا من أهل القتال ،فليس من الحكمة أن نزج بفلذات أكباد أهل السنة جميعا في هذه الحرب الظالمة. فيموتوا أو تتكالب عليهم وعلى نسائهم وأطفالهم الكروب والضيق.. فاليمن لا تزال تحتاج إلى جهودهم وتعليمهم وجهادهم بالحجة والبيان. ألا ترى أن قتل القراء في معركة بئر معونة صارت مصيبة على الإسلام. .فليس من الحكمة أن أرمي خلاصة أهل العلم والإيمان في حرب غير عادلة ليقتلوا بل الحكمة والعقل أن أحافظ عليهم وأجنبهم هذه المهالك ليبقى للناس من يعلمهم على منهج الحق.ومن الحكمة أن نبعد النساء والأطفال والعجائز عن دار الحرب لنتمكن من تخليصهم من سطوة العدو الفاجر الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة .
::ففي الحقيقة انا ارى أن موافقة علماء دماج على الخروج منها هو عين الحكمة حماية ﻻهل العلم وإبعادا للنساء والذرية عن قلب الحدث::
السابع : أن الأوطان والديار لا تعظم أحدا ولا توجب كرامة وإنما موافقة الحق والثبات عليه هو عين الكرامة والعز ،فعلماء دماج وطلاب العلم فيها هم أهل العز والكرامة سواء في دماج أو غير دماج. وصاحب الحق لا يضره شيء من ذلك.لأن جنته وبستانه في صدره . فماذا يفعل بهم اعداؤهم ؟
فإنهم إن نفوهم من بلدهم فهي سياحة وإن قتلوهم فهي شهادة وإن سجنوهم فهي خلوة بالله .فالعز في معرفة الحق والاعتصام به والثبات عليه ،فهم ما خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس وإنما خرجوا وضحوا بكل شيء ليسلم لهم أعظم شيء وهو دينهم..وكل مصيبة بعده فجلل يسيرة .
فأبشروا يا أهل دماج ..
والله ليمكنن الله لكم في الأرض وسترون في مستقبل الأيام شيئا من حكمة الله تعالى في خروجكم هذا .فاثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا واحتسبوا الأجر.. فالله معكم ولن يتركم أعمالكم ولن يخذلكم ولن يسلمكم لعدوكم..فثقوا بالله . وأحسن الشيخ يحيى لما ابتعد عن محل الفتنة والقتال .
وصلى الله على نبينا محمد ..
وليد بن راشد السعيدان
@alsaadan