موضوع: كيف يكون الحنان بين الأزواج ؟ الأربعاء أكتوبر 06, 2010 5:45 pm
بسم الله الرحمن الرحيم أذكر الله
كان زوجها مريضًا فوقفت بجانبه تطرد عنه الذباب وتشعره بالحنان أتدري من هي أخي القارئ أختي القارئة، إنها أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن بن أبي حازم أنه قال: دخلنا على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه وأسماء بنت عميس عند رأسه تروح عنه) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب, ابن عبد البر] [بالمعروف, د. أكرم رضا]
صفة تؤهلك للنجاح في علاقاتك: إنها الرحمة، يقول تعالى في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء) [صححه الألباني] ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) [رواه البخاري].
فالرحمة هي بلسم العلاقات مع الآخرين، وروح الاتصال الصحيح بالآخرين وبدونها تصبح الحياة جافة, وتفقد قيمتها ولا يصبح للاتصال معنى ولا روح. إنها أساس في اتصالاتك وعلاقاتك، أن تشعر بالآخرين وتحب لهم الخير وتقدر مشاعرهم وترعى أحوالهم وظروفهم، وبالرحمة يلتف الناس حولك ويحبونك ولا يملون من الجلوس معك والحديث إليك، قال تعالى في كتابة الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]
لقد وصلت هذه الصفة إلى ذروتها في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان أرحم نبي بأمته, وأرحم أب بأبنائه، وأرحم زوج بأزواجه, وأرحم قائد بجنوده.
وها هي زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم ترسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابنها يحتضر وتطلب منه أن يأتي إليها، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أن لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار. فقالت أقسمتُ عليك أن تأتي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الصبي بين يديه ولنفسه صوت قعقعة, فبكي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سعد بن معاذ فقال: أتبكي يا رسول الله؟ قال: (نعم يا سعد هذه رحمه يجعلها الله في قلوب عباده) [رواه البخاري]. (هذه الصفة ـ صفة الرحمة ـ أساس الأخلاق العظيمة في الرجال والنساء على حد سواء، وليست الرحمة لونًا من الشفقة العارضة، وإنما هي نبع للرقة الدائمة ودماثة الخلق وشرف السيرة) [حتى يبقى الحب, د. محمد محمد بدري] والرحمة من دعائم قيام البيت السعيد (فالرحمة والمودة إذا نُزعا من المنزل كانت الحياة الزوجية شقاءً ودمارًا، فالرحمة الرحمة إن كان في البيت مشاكل، والمودة المودة إن كان البيت خاليًا من المشاكل.
إن كل البيوت تتقلب بين مودة ورحمة، فمن الرحمة خدمة أحد الطرفين للآخر, ومن الرحمة مراعاة مشاعر الآخر، فيراعى الرجل مشاعر المرأة وعواطفها وخصوصًا وقت الحيض أو النفاس والحمل، فقد رحمها الله تعالى فلم يطالبها بالصلاة أو الصيام وتكون في هذه الفترة متعبة جسميًا وهذا له أثره النفسي عليها, كما أن المرأة ينبغي أن ترحم زوجها عند مروره ببعض الظروف المادية والنفسية كخسارة مالية أو ابتلاء جسدي، فتقف معه وتساعده. إن الرحمة مفهوم عظيم في الحياة الزوجية, فالكريم هو الذي لا يتعسف باستخدام سلطاته على زوجته، والكريمة هي التي تراعي حقوق زوجها وتتعبد لله بطاعته) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية, جاسم محمد المطوع, بتصرف]
ما معنى الحب؟ الحب ببساطة شديدة هو الميل إلى الآخر، وعندما يشعر أحد الزوجين أن الآخر يميل إليه فإنه يسمع منه الرسائل التالية: - أنت مهم بالنسبة لي، فسأعتني بك وأحميك. - أنا مهتم بما تواجه في الحياة وسأكون رهن إشارتك عندما تحتاج إلي. وكبرى الوسائل التي تجعل شريك حياتك يعرف أنك تهتم به هي الحنان, وهو الوسيلة الأساسية التي يذكر بها كل منكما الآخر أنه يهتم به,وسيعتني به ويحبه. والحنان يرمز إلى الأمان، والحماية، والراحة والاستحسان، والاسترخاء، وهذه هي المكونات الأساسية لأي علاقة مبهجة. (والميل والحنان عند معظم النساء هو رابط أساسي لعلاقتها بالرجل، فهي تتزوج رجلًا يهتم بها، وتريد منه أن يعبر عن هذا الاهتمام دائمًا، وبدون هذا الإحساس وهذه العاطفة فإن المرأة تشعر بأنها بعيدة عن الرجل، وهذه العاطفة تجعل المرأة متعلقة ومرتبطة بالرجل عاطفيًا جدًا. والخلاصة أن حاجة الشعور بميل الطرف الآخر كتعبير عن الحب هي في الأكثر من حاجات الزوجات، ولكنها أيضًا يحتاج إليها الأزواج، وإن كان التعبير عنها يختلف) [بالمعروف, د. أكرم رضا]
والسؤال الآن هل يظهر الميل القلبي والحنان في سلوكيات يلمسها الأزواج؟ نعم، هناك مظاهر للميل القلبي والحنان بين الأزواج يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1-الصبر عند إعسار الزوج: فقد يكون الزوج فقيرًا، أو قد يكون غنيًا موسرًا ثم تصيبه فاقة, فماذا تفعل الزوجة في هذه الأحوال؟ إن صبرها على إعسار زوجها ومساندتها له لهو مظهر من مظاهر الميل القلبي والحنان. وإليك مثال لذلك وهي السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها فقد كان زوجها فقيرًا, وكانت تساعده في أعمال البيت, وتسوي الفرس وتنقل النوى. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (كنت أنقل النوي من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ) [رواه البخاري, أقطعه: أي أعطاه]
وانظري إلى سرعة استجابة زينب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة، فقال: (أيها الناس تصدقوا) فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم ذاك يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء) ثم انصرف. فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب فقال: (أي الزيانب؟) فقيل: امرأة بن مسعود، قال: (نعم، ائذنوا لها) فأذن لها، قالت: يانبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم بن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) [رواه البخاري]
2-الصبر عند مرض الزوجة: فلا بد للزوج من الصبر على مرض الزوجة وألا يتبرم من خدمتها والصبر عليها فكثيرًا ما صبرت عليه وما تحملت مرضه, ونذكر هنا من مظاهر صبر النبي على زوجاته أن كان يتحمل رفع أصواتهم على صوته، وكان يصبر على مغاضبتهم له صلى الله عليه وسلم .
3-استرضاء كل منهما الآخر بالمباح: فاللزوج أن يطلب من زوجته فعل ما يسره من المباحات، وهو يفعل لها ما يسرها من المباحات، ويدل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلع السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ـ على لعب الحبشة، فعن عائشة قالت:رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو [رواه البخاري] وإن كانت كبيرة فهي تحتاج إلى بعض اللهو والمداعبة والمشاركة في المباحات، فإنه من أجمل التعبير عن الحنان.
4-عدم مفاجأة الزوجة عند القدوم من السفر وإبلاغها موعد حضوره: فعن جابر بن عبد الله وهو راجع من غزوة قال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ما يعجلك؟) قلتُ: كنت حديث عهد بعرس، قال: (أبكرًا أم ثيبًا؟) قلت: ثيبًا، قال: (فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)، قال: فلما ذهبنا لندخل قال: (أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا ( أي عشاءً) لكي تمتشط الشعثة وتستخدم المغيبة) [رواه البخاري] وقد حكت لي زوجة، أن زوجها سافر وقد نوى المبيت، فنامت الزوجة بملابس البيت العادية وبدون أن تمشط شعرها ولا تضع عطرًا، وبعد قليل من نومها اتصل بها زوجها وقال لها: أنا راجع من السفر وأنا في الطريق، فقامت الزوجة بسرعة ولبست وتعطرت ومشطت شعرها ووضعت رتوش رقيقة من الزينة لتستقبل زوجها القادم من السفر. فكيف الحال لو لم يتصل الزوج بها؟ فإنه فعلًا أحسن التصرف وهي أيضًا أحسنت التصرف بعد معرفتها بقدومه.
5-أن يقدم الزوج أمور زوجته على كثير من أموره: فقد فعل ذلك صحابي حتى في الأمور التعبدية، فقدم حج امرأته على جهاده، ورعاية زوجته المريضة على الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم), فقال رجل: يارسول الله : إني أريد ان أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: (أخرج معها) [رواه البخاري] وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: إنما تغيب عثمان عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه) [رواه البخاري] أعرف قصة زوجة كانت في شهرها التاسع من الحمل على وشك الولادة في أي وقت وأراد زوجها السفر، وبعد خروجه ومعه حقيبتة السفر بوقت قصير رجع وقد اشترى لها عشاء بـ 100ريال، ولا تتصوروا مدى فرحة الزوجة برجوع زوجها، وقد ذكر لها السبب أنه خاف عليها أن تلد وهو غير موجود بجانبها، فعرفت من خلال هذا الموقف مدى حبه وحنانه عليها.
الحب يزيد وينقص: اعلم أخي وأختي القارئة أن (الحب في الحياة الزوجية يزيد وينقص مع المواقف، فلا توجد زوجة محبوبة على طول الوقت أو مكروهة كذلك, ولهذا فإن الله تعالى جعل أصل التعامل بين الزوجين قائم على المودة وهي قمة التعبير عن الحب وعلى الرحمة، يقول تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] فإن ضعفت المودة، وقل الحب بقيت الحقوق محفوظة وظلت المروءات قائمة، فيكون إطار التعامل بين الزوجين الرحمة. فإما مودة من منطلق الحب، أو رحمة إذا قل الحب، ولم يشترط الله تعالى الحب عندما أمر الرجال بإعطاء الحقوق للنساء فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] بل وبجانب المعروف وعند الكره تكون الوصاية أعظم قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]
فأنت إن أحببتها لا تحتاج من يوصيك بالمعروف، وإن كرهتها فإن الله ينبهك أن خزائنه ممتلئة ومفاتيحها أن تعامل زوجتك ـ وإن كرهتهاـ بالمعروف وعندها قد يجعل الله فيها خيرًا كثيرًا) [أوراق الورد وأشواكه, د. أكرم رضا]
وماذا بعد الكلام؟ 1-ساعدي زوجك بالمال إن احتاج فذلك من علامات الحب والحنان. 2-اصبر على مرض زوجتك وفي الأوقات الحرجة عندها مثل الحمل والولادة وأثناء الحيض. 3-تنازل وافعل ما يسر شريكك الآخر في الأمور المباحة. 4-فليطعم كل منكما الآخر في فمه فذلك من دلائل الحب والحنان بينكما.