بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ثلاثين سنة متواصلة رئيسا لمصر، بدا الأمر كما لو كان مستقبل حسني مبارك الجذاب قد انتهى أخيرا.
ومع ذلك ما زال مبارك يستخدم كل الدهاء الذي أبقاه في السلطة طوال هذه المدة ليعلن عن سلسلة من المُحليات، بما في ذلك زيادة رواتب موظفي الدولة بنسبة 15%، ليوسع قاعدة تأييده الشعبي. حتى إنه عقد أول اجتماع لمجلس وزرائه الجديد: المجموعة التي لملمها على عجل كوسيلة أخرى لدرء النهاية.
وكان نظامه يبذل كل وسعه ليوحي بأن الأمور صارت هادئة مرة أخرى. وفي محاولة استرضاء رمزية أخرى أطلق النظام سراح مدير التسويق المحلي لغوغل وائل غنيم، وهو ناشط شاب مشارك في الاحتجاجات وكان قد اعتقل بعد ثلاثة أيام من بدء المظاهرات.
لكن الدلائل المتزايدة على عودة الحياة إلى طبيعتها في أجزاء من القاهرة، كذبت الجمود المستمر بين طرفي الصراع الذي دخل أسبوعه الثالث. حتى إن النظام حاول إيهام الناس بأنه عاد يمارس نشاطه كالمعتاد بينما جادل المتظاهرون الغاضبون في ميدان التحرير بعكس ذلك.
"
النظام حاول إيهام الناس بأنه عاد يمارس نشاطه كالمعتاد بينما جادل المتظاهرون الغاضبون في ميدان التحرير بعكس ذلك
"
إندبندنت
وأشارت إندبندنت إلى أن أعداد المتظاهرين ربما كانت أقل من اليوم السابق لكنهم لم يبدوا أي علامة على التراجع عن موقفهم، ورفضهم الصريح لتلميحات النظام عن وجود اتفاق متنام على إصلاح دستوري هو أبرز علامة على تصميمهم على الاستمرار. كذلك فإن ما يمنع المتظاهرين عن إنهاء النضال في ميدان التحرير خوفهم الحقيقي من الاعتقال والاضطهاد من جانب السلطات إذا ما استسلموا.
لكن كان هناك دلائل على انقسامات داخل لجنة التفاوض التي تمثلهم. وجادل البعض داخل جماعة الحكماء المكونة من 25 من المصريين البارزين بأنه ينبغي على المتظاهرين أن يقبلوا وعود النظام بالإصلاح على علتها وأن مبارك يبنغي أن يبقى حتى انتهاء فترة ولايته التي أشار إليها الأسبوع الماضي.
وقالت الصحيفة إن نجيب ساويرس الملياردير البارز وأحد المفاوضين الـ25 استغل مقابلة مع إذاعة بي بي سي البريطانية ليطلب من المتظاهرين السماح لمبارك بالبقاء حتى يتم وضع آلية تحول واضحة.
وقال ساويرس إن مبارك فقد شرعيته لكن شريحة كبيرة من البلد لم ترد أن ترى الرئيس -بطل الحرب- مهانا. ونبه المتظاهرين أيضا إلى إمكانية حدوث فوضى بالإضافة إلى استغلال متزايد من جانب الحركات الدينية وتحركات محتملة من الجيش.
وأشارت إندبندنت إلى أن تصريحات مشابهة صدرت عن مفاوضين كبار آخرين مثل العالم أحمد زويل الذي قال إنه رغم أن البعض أرادوا رحيلا فوريا لمبارك وأن هناك مشكلة ثقة في المباحثات فقد شعر آخرون أن مصر تحترم المسنين وأنه ينبغي السماح لمبارك بالبقاء "فترة قصيرة نسبيا" قبل الانتخابات الرئاسية المقررة.
لكن ممثلين آخرين للمظاهرات أعلنوا نيتهم التمسك بموقفهم، وقال أحد الموالين لمحمد البرادعي لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن هناك انقساما جيليا في الحركة حيث "تميل الشخصيات الأكبر سنا إلى التفاوض أكثر لكنهم غير متصلين بالشارع. والشعب يعرفنا ولا يعرفهم".
وختمت الصحيفة بأنه أيا كان ما سيحدث في ميدان التحرير فمن غير الواضح أن المراسلين سيتمكنون من تقييم الموقف مباشرة. والصحفيون الذين كانوا يحاولون دخول المنطقة أمس أبلغوا بضرورة حصولهم على بطاقات صحفية من الآن فصاعدا وأن الأمر قد يستغرق أكثر من 48 ساعة لاستصدار البطاقات