بسم الله الرحمن الرحيم أذكر الله
في ثورةٍ غيّر الشعب فيها من نفسه, فاستحقّ أن يُغيِّر الله واقعه وحاكمه, فقام بثورة سلمية على الظلم أشاد بها الغادِي والرائح, ثورة طالب البعض بتدريسها في مدارس أوروبا, ثورة خرج فيها الشعب بالملايين, يقول كلمة حق عند سلطان جائر, سقط فيها النظام بقول الشعب: "لا"!.
وتعليقًا على هذه الأحداث كان لنا حوارٌ مع واحد من الذين صدر ضدهم أحكام في قضية التنظيم الدولي للإخوان قبل شهر واحد لا أكثر من سقوط النظام, وهي الأحكام التي قُوبِلت بانتقادات واسعة, وهو الدكتور وجدي غنيم الذي صدر ضده حكم بالسجن 5 سنوات من محكمة جنايات أمن الدولة العليا (طوارئ) في مصر.
وكان الدكتور وجدي, الداعية الإسلامي المصري, قد هُجّر من عددٍ من الدول, من أمريكا والكويت وغيرها من الدول, ثُمّ استقر به الحال في اليمن, وفي حواره مع شبكة "الإسلام اليوم" أكّد أنه لابد من الحذر الشديد من أن تُعدّل المادة الثانية من الدستور المصري, ففيها ورد أن الدين الرسمي للدولة هو الدين الإسلامي؛ لأن النصر الذي تحقق هو من عند الله, ويجب علينا بعد نصره ألا نُضيِّع شرعه, وطالب بأنه لا بدَّ من التغيير وليس الترقيع, بل والتغيير العاجل في مصر.
كما وجَّه رسالة إلى الشباب بخصوص حالات الانتحار التي انتشرت في عددٍ من الدول العربية, وقال لهم: "لا تحرقوا أنفسكم بل احرقوا الكفرة واحرقوا الظالمين", كما تناول حكم الخروج على الحاكم, ومتى لا يصح ذلك ومتى يصح, وغيرها من المحاور في الحوار التالي:
* سقط نظام حسني مبارك ورحل بعد صراع استمرّ ثمانية عشر يومًا بين الثوار والنظام, وحكم ظلّ ثلاثون عامًا, فما تعليقك؟
الحمد لله, الحمد لله, الحمد لله, اللهم لك الحمد حمدًا طيبًا مباركًا طاهرًا, قال الله تعالى في سورة آل عمران: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
نصر الله الثورة المباركة في مصر وأذلَّ الظالمين, فصدَق الله القائل في سورة القصص: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}, وهذا كله من فضل الله رب العالمين؛ لأنَّ الله تعالى هو الذي يغيّر {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}, والحمد لله الشعب غيّر ما في نفسه حيث قاموا بثورة سلمية أشاد بها الغادي والرائح, وخرجوا بالملايين, في الوقت الذي كان تلفزيون النظام يكذّب خروجهم!.
وكلٌّ مأثور بنِيّته, ولابدَّ من الحذر الشديد من أن تعدل المادة الثانية من الدستور المصري فهذه المادة دونها الرقاب, ففيها ورد أنَّ الدين الرسمي للدولة هو الدين الإسلامي, فيجب الانتباه إلى عدم تغيير هذه المادة؛ لأنَّ النصر الذي تحقق هو من عند الله, حتى إنَّ الشيخ أحمد المحلاوي في خطبته قال: استعانوا عليكم بكل شيء إلا الله, فاستعينوا عليهم بالله". فلما استعنا بالله تبارك وتعالى نصرنا, فيجب علينا بعد نصره ألا نُضيِّع شرعه.
* بعد عامين من الحرب على غزة سقط مبارك, هل هناك علاقة؟
حاصر مبارك مليون ونصف مسلم في غزة لأنهم رفعوا راية الجهاد ومنع عنهم الطعام والدواء ليقتلهم قتلاً متعمدًا, وحطّم ودمّر الأنفاق التي حفروها ليُدْخِلوا منها الطعام والشراب حتى يحكم الحصار عليهم لقتلهم بتعليمات من اليهود والأمريكان, ثم أعطى الغاز لأعداء الإسلام والمسلمين اليهود الملاعين المحتلين لمقدس إسلامي وهو بيت المقدس بأبْخَس الأسعار ليعيدوا بيعه بأعلى الأسعار ومنعه عن المسلمين المجاهدين المرابطين, ثم حكمت المحكمة ببطلان تصدير الغاز للعدو فاستأنف الحكم ويعترض عليه ويظلّ في تصديره وتقوية العدو به أي إصرار مع سبق الترصُّد.
وعندما خرجت قوافل لمساعدة المسلمين المحاصرين فأعاد الإمدادات ولم يُوصِّلها للمسلمين وقبض على المساعدين لإخوانهم واعتقلهم وحاكمهم بتُهْمَة مساعدة المسلمين, ولَمّا أرسلت بعض الدول مساعدات أغلق معبر رفح وهو سيادة مصرية ولم يسمح بدخول المعونات.
ثم استقبل وزيرة خارجية العدو الصهيوني ليفنى وأعلنت الحرب على المسلمين المجاهدين في غزة من مصر وبمباركته وموافقته, وعندما اتصل به جورج بوش شكره علي مواقفه لصالح اليهود, وفي العيد الستين والاثنين وستين لاحتلال فلسطين والقدس, هنَّأ اليهود.
لذا فقد قال اليهود: "لقد وهبنا الله حسني مبارك"!, فقد كانوا يعتبرون أنَّ مبارك هو رصيدهم الاستراتيجي, وفي أثناء مرضه وعلاجه كان أكبر حاخامات اليهود يدعو له بالشفاء, وكان هو موالٍ لليهود, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
* ثورة الياسمين في تونس, وثورة 25 يناير في مصر, نتائج هذه وتلك, ما أوْجُه التلاقي والاختلاف؟
تونس سبقت مصر في الثورة, وبعد أن سقط النظام لم يقبل الشعب التونسي ببقاء أتباع النظام السابق, وطالبوا بتغييرٍ شاملٍ وجذري, وفي مصر أيضًا يجب أن تطالب الثورة بالتغيير الشامل والجذري, فتقوم بإزاحة النظام وأتباعه, وأقول: "لا بد من التغيير وليس الترقيع, بل والتغيير العاجل لهؤلاء".
* لكن, ماذا عن عمليات الحرق والانتحار التي جرت في تونس وبعض الأقطار العربية هروبًا ويئسًا من ظروفهم, أو محاولة لتحريك الواقع العربي الحالي؟
ثقافة السلبية حرام, ومن ينتحر حرام عليه, وسيبقَى بجهنم بنفس الطريقة التي انتحر بها في الدنيا, كما قال بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ بِيَدِهِ يَنْجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)) (البخاري ومسلم), ولقد جيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه فلم يصل عليه.
فيا شبابنا حرام عليكم الانتحار, فلا تَحْرِقوا أنفسكم بل احرقوا الكفرة واحرقوا الظالمين, وإذا قتلوكم فسوف تكونوا شهداء إن شاء الله, لكن ثقافة السلبية والانتحار لا نريدها أبدًا, فنحن أمة التغيير وليس أمة الانتحار كما قال تعالى في سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فبلسانه وذلك أضعف الإيمان}, فسياسة التغيير موجودة ويجب أن نغيّر ولا نسكت على ذلك وقد حان وقت التغيير.
* يقول البعض إنّ الخروج على الحاكم المسلم لا يجوز, فكيف تنظرون إلى ما حدث من تظاهرات في مصر والمطالبة بخروج النظام ورئيسه؟
يُخْطِئ بعض الأخوة بإنزال المصطلحات القديمة على واقعنا المعاصر, فيقولون: "لا يجوز الخروج على الحكام وان ضرب ظهرك وأخذ مالك" وهذا الكلام ينطبق على حكام المسلمين الذين يحكمون بشرع الله, ولكن لهم أخطاء شخصية أو معاصٍ فكان الخوارج والمعتزلة يخرجون عليهم وهذا لا يجوز طالما أنهم يطبقون الشريعة ويحكمون شرع الله فأخطاؤهم لا تكفرهم ولا تُجِيز الخروج عليهم.
أما الآن فالمتحكمون فينا ليسوا حكامًا ولم يختارهم أحد وهم مُزَوِّرون لإرادة الأمة بتزوير الانتخابات, لا يحكمون بشرع الله ولا يطبقون الإسلام, موالين لمن يحارب الإسلام من اليهود والنصارى, يُحارِبون الإسلام والدعاة, فقد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة 22].
فهل بعد خيانتهم لأوطانهم وشعوبهم, تجب طاعتهم, ولا يجوز الخروج عليهم؟!
* ذكرت في ردك أنَّ "المتحكمين فينا ليسوا حكامًا ولم يختارهم أحد وهم مُزَوِّرون لإرادة الأمة بتزوير الانتخابات, لا يحكمون بشرع الله ولا يطبقون الإسلام" فما معنى تطبيق الإسلام والحكم بالشريعة ؟
تطبيق الإسلام والحكم بالشريعة الإسلامية يعني الحكم بالحق, والعدل, والمساواة, والحرية, وحد الكفاية, وعندما تطبق الشريعة الإسلامية تُطبّق الحدود, فلا يجوز تطبيقها والناس تعانِي الجوع.
|