موضوع: الإخوان ليسوا بُعبعًا الجمعة مارس 11, 2011 2:54 pm
بسم الله الرحمن الرحيم أذكر الله
بعد نجاح الثورة المصريَّة، لم يعد يوجد مبرِّر لمخاوف الغرب من سيطرة الإسلاميين على البلاد في مرحلة ما بعد مبارك؛ لا سيَّما بعدما أظهر الإخوان المسلمون التزامهم بالمشاركة السياسيَّة السلميَّة, وصارت الفرصة مواتيةً للولايات المتحدة في الوقت الحالي كي تدعم مصر ديمقراطيًّا، بشكلٍ حقيقي، بما في ذلك الإخوان.
ربما كان الأمر متفهمًا وسط الضبابية التي كانت تسود المشهد قبل انتصار الثورة، لكن ليس بعدما تأكَّد المتخوفون من أن هذه الهواجس لا أساس لها, وأن الإخوان لم يكونوا قادة هذه الاحتجاجات، لكنهم انضمّوا إليها فور بدئها, وأن الجماعة ليست متعطشةً للدماء، كما يريد أعداؤها أن يصوِّروها لنا.
إن الهدف الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين هو استمرار التأثير في تركيبة المجتمع المصري, أي أنهم بحاجة إلى التعاون مع الجيش، فضلا عن بقية المصريين من جميع الخلفيات السياسيَّة، لتخطي المرحلة الانتقاليَّة، وإلى أن تنتهي هذه الفترة فمن الطبيعي أن نتوقَّع قيام الجماعة بما اعتادت عليه غالبًا، وهو العمل مع الشعب, الذي هي جزء منه, وليست ضده، وهذا ما ظهر بوضوح في مشاركة بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في المفاوضات مع عمر سليمان, إلى جانب تعهُّدهم بتقديم الدعم لمحمد البرداعي بوصفهم جزءًا من الجبهة الوطنية للتغيير, بينما ظلَّ الكثيرون منهم متظاهرين في الشوارع وفي ميدان التحرير مطالبين بعدم التفاوض قبل رحيل مبارك، أي أن الجماعة منظَّمة وقادرة على الاستجابة لمطالب قواعدها, وإن كانت منقسمةً من الناحية الفنيَّة في توفير ذلك.
الأسطورة والحقيقة
لماذا الآن يستمر صانعو القرار الأمريكيون، والمحللون السياسيون في وسائل الإعلام الغربية، في الحكم على الإخوان من خلال سياسات الخوف؟ واعتبارهم منظمةً إرهابيَّة قامت بقتل أنور السادات, وتمثل بعبع السياسة المصرية، بالإضافة إلى اتهامها بالتحالف مع تنظيم القاعدة؟ والحقيقة أن الإخوان المسلمين ينبذون العنف منذ عقود, وبرغم ذلك ظلَّت الجماعة وأعضاؤها يدفعون ثمن هذا الربط الخاطئ, وهذا ما كان يجيده نظام مبارك بعناية.
جديرٌ بالذكر أن معظم المصريين يرون مشاركة الإخوان في البرلمان يساعد بشكلٍ كبير في تحسين دور هذه المؤسَّسة الحكوميَّة, خصوصًا بسبب إصرارهم الشديد على استجواب الوزراء وتحميل الحكومة المسئولية ومحاسبتها، وهذا هو السبب الذي جعل نظام مبارك يعمل بجد للتأكُّد من انتقاص حصة الإخوان في مجلس الشعب، والتي بلغت 88 مقعدًا في البرلمان السابق.
لذا فمن المتوقع عندما تحدث التغيرات المرتقبة، ويدخل التغيير حيّز التنفيذ، ويتم السماح للإخوان بتشكيل حزبٍ سياسي, ستنضمّ الجماعة إلى مجموعة واسعة من الأحزاب الإسلاميَّة الأخرى في المنطقة (مثل حزب العدالة والتنمية بالمغرب وجبهة العمل الإسلامي بالأردن وحزب الإصلاح اليمني) والتي ساعدت مشاركتهم في جعل الحراك التشريعي ذا أهمية كبرى على الرغم من كل الصعاب.
تنوع الجماعة
وبخلاف هذا الدور السياسي الواضح, فإن جماعة الإخوان تنال قسطًا كبيرًا من الاحترام وتُعرَف بدورها في العمل الخيري بشكلٍ فعَّال, بما يتضمنه من إدارة المستشفيات وجمع الأموال وغيرها من الأنشطة الحيوية, وخاصة في الأماكن التي يعيش فيها الملايين من الشعب على أقل من دولارين في اليوم.
لقد أجريتُ عدة مقابلات, عندما كنا بالقاهرة, مع العديد من الإخوان و(الأخوات) الشباب، الذين برز نبوغهم الديمقراطي التكنولوجي بقدرٍ كبير، مع حفاظهم على مجتمعهم وعاداتهم، ولم يكونوا بالشكل الكرتوني الذي تم تقديمه لنا في الغرب, فهم يؤمنون بالإسلام، ومع ذلك يقومون بالتنسيق مع المسيحيين واليساريين والنشطاء من الحركات الأخرى.
لفترة طويلة للغاية, ظلَّ شبح استيلاء الإسلاميين على الحكم موجودًا على أرض الواقع من أجل تبرير استمرار قمع التطلعات الديمقراطيَّة للمصريين, مسلمين ومسيحيين وإسلاميين ويساريين أو حتى ليبراليين.
علاقة جديدة
من المؤكَّد أن أي مستقبل لمصر بعد مبارك, لن يقوم على القهر والإكراه, سوف يشمل الإخوان المسلمين، بعدما قام نظام مبارك لفترة طويلة بالتخويف من هذا البديل، لضرب عصفورين بحجر واحد؛ لتقسيم المعارضة وإقناع الغرب أن مبارك وأعوانه هم السدّ المنيع الوحيد ضد سير مصر نحو النمط الإيراني, وهذا ما أثبته رفض إدارة أوباما الوقوف إلى جانب المحتجين في بداية الثورة، أي أن الخوف من الإخوان لا يزال يفوق التزام أمريكا الظاهر بالحرية.
أما الآن فقد صارت الفرصة سانحةً أمام الولايات المتحدة لتشكيل علاقة جديدة مع مصر، مبنيَّة على الكرامة والاحترام المتبادل, فالمصريون, حتى مع نهاية حقبة مبارك, يستحقون رسالة دعم أكثر وضوحًا من الولايات المتحدة خلال سعيهم للتخلص من بقايا نظامه, كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تقاطع تمامًا سياسات الخوف من خلال دعم مشاركة الإخوان في الانتقال السريع والحقيقي إلى الحكم الديمقراطي الذي وعدت به القوات المسلَّحة المصريَّة.