موضوع: التضحية أحلى حياة الأربعاء مارس 09, 2011 10:31 pm
بسم الله الرحمن الرحيم أذكر الله
وقفت إسراء تُعد طعام الفطور لزوجها، فدخل عليها زوجها كريم فوجدها في حالة غير طبيعية. كريم: ما بكِ يا حبيبتي؟ إسراء: لا شيء أشعر بصداع شديد في رأسي. كريم في حنان: اذهبي واستريحي وأنا سأقوم بإعداد الفطور لي ولكِ. إسراء: لا عليك فهذا صداع بسيط. كريم وقد وضع يده على خد زوجته: إنكِ تبدين متعبة يا حبيبة العمر، وهذا أقل شيء أقوم به تجاهكِ. إسراء وقد طبعت قُبلة صغير على خد كريم: شكرًا لك يا حبيب العمر، فأنت دائمًا تقف بجانبي في وقت الصعاب، وتُضحي من أجلي، فأنت أعظم زوج في هذه الدنيا. التضحية وميثاق الحب: كثيرة هي القيم التي تساهم في توطيد العلاقة الزوجية بين الزوجين، ومن بين تلك القيم النبيلة قيمة التضحية والعطاء من أجل الطرف الآخر، (فالزواج حب وعطاء, وأولى الناس بالحب والعطاء من اخترتها شريكة لك, ومعينة لتسكن إليها وترتاح, ثم لتنجب منها ذرية صالحة, فاعلم أن التضحية منها إذا أردتها فستكون على مقدار العطاء منك) [وصايا إسلامية في الزواج, محمد كامل الشربيني]. إن التضحية أيها الأزواج لا تُقدر بثمن، فوالله لو كانت التضحية هي القيمة الوحيدة السائدة في البيوت لوفَّرت الكثير والكثير من الاستقرار في عش الحياة الزوجية، وإني أريد أن أسأل الأزواج: ـ كم مرة شعرت بأن زوجتك متعبة، فقمت بإعداد الطعام لنفسك لتخفف من تعبها. ـ وأنتِ أيتها الزوجة، إذا تعرَّض زوجك لضائقة مالية، هل ستضحين من أجله وتسانديه في هذه المحنة؟ الإسلام يُرسخ مبدأ التضحية: (جاء إبراهيم، بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغى لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر، نحن فى ضيق وشدة، فشكت إليه، قال فإذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام، وقولى له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، كأنه آنس شيئًا، فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا فى جهد وشدة، قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول غير عتبة بابك، قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك، فطلقها) [رواه البخاري]. (فنجد في هذا الحديث أن إبراهيم سمع قول الزوجة فأمر إسماعيل بأن يطلقها دون أن يتبين حالتها فعلًا, لأن المسألة لا تتعلق بحالة الزوجة العقلية بل تتعلق بإحساسها, بحالها, ومعيشتها, وقد كان هذا الإحساس وحده كافيًا لأن يحكم إبراهيم الخليل بطلاقهما, إذ أنه لا أمان للمرأة التي لا تشعر باستقرارها وسعادتها مع زوجها في بيته, كما أن إسماعيل لم يتردد في تنفيذ ما طلبه إبراهيم لأنه يعلم أن هذا هو الحق) [بيت الدعوة, رفاعي سرور]. فنجد أيها الأزواج في هذه القصة العظيمة، أعظم دليل على أن التضحية من أهم ركائز الحياة الزوجية، وليس هنا الحديث موجه للزوجة فقط بل إن الزوج له دور أيضًا في التضحية من أجل زوجته. ولقد حثَّ الله عز وجل على العطاء المتبادل بين الزوجين، فقال عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228]. وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. أنواع التضحية: إن للتضحية أنواعًا، وحتى يطبق الأزواج هذه القيمة في حياتهم، لابد لهم من معرفة أشكالها وكيف يتم تطبيق كل شكل، ولكن قبل معرفة هذه الأنواع لابد من ترسيخ مبدأ الأخذ والعطاء. (يقول علماء النفس إن هناك شخصيتين داخل نفس الإنسان: 1- الآخذ: وهو الذي يحب نفسه, ويطلب لها المدح والتقدير والثناء, وهو الذي يرفع شعارًا مستمرًا "افعل ما بوسعك لكي تكون سعيدًا بغض النظر عن سعادة الآخرين". 2- المعطي: وهو الذي يحب الآخرين ويطلب لهم الراحة, وأحيانًا على حساب نفسه, هو الذي يرفع شعارًا مستمرًا "افعل ما بوسعك لكي تجعل الآخرين يشعرون بالسعادة, وتجنب أي شيء يجلب لهم التعاسة ولو على حساب سعادتك". وسر النجاح في الحياة أن لا تجعل أيًا من الشخصين يتغلب عليك, أن تحب نفسك وتحب الآخرين في نفس الوقت) [بالمعروف, د/ أكرم رضا]. ونأتي الآن إلى أنواع التضحية، فمنها: 1. التضحية بالمال: لقد ضربت لنا السيدة خديجة رضي الله عنها أروع المثال في معاونة الزوجة لزوجها، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة؛ فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد) [متفق عليه]. قال الحافظ: قوله (إنها كانت وكانت)؛ أي كانت فاضلة وكانت عاقلة ونحو ذلك، وعند أحمد من حديث عائشة: (آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء) [حديث صحيح]. ونفهم من هذا أن السيدة خديجة رضي الله عنها تعاونت مع الرسول صلى الله عليه وسلم بكل أشكال التعاون والمساعدة، حتى الناحية المالية، وهذا الشاهد في قوله: (وواستني بمالها). فالتضحية بالمال هو ألا تبخل الزوجة على زوجها في أي مساعدة مادية، فهي تسارع إلى مساعدته وتلبية ندائه، ولا تقول جمل مثل: "نقودي، متى ستسدد المبلغ؟"، كذلك الزوج لا يبخل امرأته في أن ينفق عليها وأن يُوسع عليها إذا توفر له ذلك، فالمرأة تحب أن تجد زوجها وراءها دائمًا يساندها ويحميها من أي موقف قد تتعرض له. 2. التضحية بالوقت: ونعني به أن يبذل الزوجان قصارى جهدهما في التضحية ببعض الوقت، من أجل أن يجددا العلاقة الزوجية فيما بينهما، فمهما كانت الأشغال لابد من توفير الوقت ليتجدد الحب بين الزوجين: فالزوج، الذي يبقى طوال اليوم خارج المنزل بحجة العمل, ولا يأتي إلى بيته إلا في وقت الغداء أو وقت النوم نقول له: إن زوجتك تحتاج إلى أن تكون بجانبها وتعطيها بعضًا من الوقت. والزوجة، التي تنشغل في أعمال المنزل، وتلبية حاجات الأبناء، وتنسى حق زوجها عليها نقول لها: إن زوجك يضيق ببعدك عنه. فمثلًا (الجلسات الهادئة وجعل وقت للحوار وتجاذب أطراف الحديث يتخلله بعض المزاح والضحك، بعيدًا عن كل الخلافات وسوء التفاهم، وعن الأولاد وعن صراخهم وشجارهم، كل هذا له أثر كبير في الألفة والمحبة بين الزوجين، أيضًا نزهة قصيرة أو زيارة جميلة بعيدًا عن المنزل لساعات قليلة تتناول خلالها طعام العشاء في إحدى المطاعم، أو تسيران سويًّا على أقدامكما وقد تشابكت الأيدي بعيدًا عن الضجيج والصخب لتشتعل المودة في القلوب) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري]. 3. التضحية بالجهد: إن مساعدة الزوجين لبعضهما البعض من أكثر الأمور التي تدل على التضحية وعلى الحب بينهما، فالزوجان الناجحان يشتركان معًا في عمل بعض الأشياء الخفيفة كالتخطيط للمستقبل، أو ترتيب المكتبة، أو المساعدة في طبخة معينة سريعة، أو الترتيب لشيء يخصض الأولاد، وغيرها من الأعمال الخفيفة، والتي تكون سببًا للملاطفة، وطريقصا إىل بناء المودة، (فيشعر كلا الزوجين بارضا والسعادة حين يرى شريك حياته بجانبه دائمًا يشاركه أفراحه وأحزانه، ولا يتخلى عنه، فالحياة الناجحة تقوم على الأخذ والعطاء، وعلى الحب وعلى الاطمئنان إلى أن هناك من يساند الإنسان ولا يمكن أن يتخلى عنه مهما كانت الظروف) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(624)]. لكل من الرجل والمرأة دور ومسئولية في الأسرة (ومن مقتضيات العشرة بالمعروف تعاونهما في أداء هذه المسئوليات, ومن أهم المسئوليات الخاصة بالمرأة هي تدبير شئون البيت ومسئولياتها في تربية الأولاد. وهذه المسئوليات, وإن كان العبء الأكبر منها يقع على المرأة فإنها تعتبر من حيث مبدأ التعاون مسئوليات مشتركة بين الزوجين) [تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة]. ماذا بعد الكلام؟ ـ لابد من التضحية بين الزوجين فتكون في: التعاون المالي فيما بينهما خاصة في وقت الأزمات. توفير الوقت، لتنمية الحب فيما بينهما. المساعدة في الأعمال المنزلية، فالزوج والزوجة يتحملان المسئولية في البيت. المساعدة المشتركة ـ التي لا يتبعها من ولا أذى ـ في تربية الأبناء. المصادر: · تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة. · حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري. · وصايا إسلامية في الزواج, محمد كامل الشربيني. · بيت الدعوة, رفاعي سرور. · بالمعروف, د/ أكرم رضا.