موضوع: فكر الثورة وثورة الأفكار الخميس أبريل 28, 2011 7:40 am
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
فكر الثورة وثورة الأفكار
من الملاحظ بجلاء أن هناك ارتباطا وثيقا بين إبداع الفكر والحرية , وأعني بها تلك الحرية المنضبطة بميثاق الشرف الشرعي الذي يعرف أين وكيف يمكن أن تكون حرا وأين وكيف تقف حركتك الحرة . ولست أتحدث عن ذلك لأناقش فرضية نظرية بل لأنظر مع القارىء أثر الثورات في الوطن العربي الإسلامي على ثورة الأفكار . فيبدو أن هناك كما كبيرا من الأفكار المتنوعة قد ظهرت فجأة في كل البلدان التي قامت بها الثورات , كما يبدو أن دماء جديدة قد دفقت في عقولهم لتنتج ذلك الناتج الفكري المتنوع . ففي مصر شهد ميدان التحرير حالة يمكن أن نسميها " هياجا فكريا " من شتى فئات المجتمع سواء المثقف منهم وغير المثقف , وبان ذلك وظهر في ابتكاراتهم الأدبية والفنية والحماسية وكلماتهم وخطبهم الرنانة المؤثرة ولوحاتهم المكتوبة ونكاتهم وسخرياتهم المعهودة من ذلك الشعب المبدع , كما ظهر في كتب قد تم تأليفها وتحليلات قد تم كتابتها في غضون ساعات قليلة , حتى أن شاعرا من الشعراء المصريين قد ألف قصيدة على الهواء في برنامج أثناء إعلان قرار التنحي وسماها قصيدة " وداعا يا دولة العواجيز " ! وفي تونس بدا الإبداع مماثلا , وتميز في الحالة التونسية بصورة أكبر على الانترنت وفي مواقع الثورة التونسية وصفحات الفيس بوك وغيرها . وفي ليبيا أبدع الثوار إبداعات عجيبة , فمنهم من أبدع أسلحة صممها بنفسه في ورشة الخراطة التي يملكها فصارت مضادة للطائرات , ومنهم من أصلح أسلحة قديمة مر عليها عقود حتى إن أحدهم حمل بندقية قاتل بها أصحاب عمر المختار . وفي اليمن أبدع الشعب طرائق مختلفة للالتقاء والاجتماع واستخدموا الثقافة والأدب والشعر في ثورتهم كما استخدموا الرياضة والألعاب , واستغلوا القبلية والتلاحمية في حشد الناس الذين لم يكن يتخيل أحد أنهم موجودون باليمن الوادعة الهادئة . وفي سوريا إذ ابتكر السوريون طرائق مختلفة برغم التعتيم الإعلامي التام وبرغم الحصار المطبق عليهم , لكنهم استطاعوا أن يوصلوا صورتهم وصوتهم للخارج برغم إلغاء الانترنت والكهرباء في بعض الأماكن واعتقال من يحمل كاميرا أو جوالا به كاميرا والتنكيل به , لكنهم أبدعوا واتصلوا وتكلموا وكتبوا وهاهي صفحة الثورة السورية على الفيس بوك يصير تعداد الداخلين عليها 150 ألف مشترك ! إن هؤلاء جميعا قد شعروا بحالة من الحرية يعيشونها قد نتجت من خلال كسرهم حاجز الخوف والقهر والانكسار . كما إن المرء إذا استطاع أن يعبر عن إنكار المنكر والأمر بالمعروف يزداد قوة وثباتا , والمحتسبون في الناس أكثرهم جرأة , وأصحاب الأفكار الذين يحبسون أفكارهم نتيجة الخوف والهلع يبقون سجناء معها مهما مرت بهم الأيام إن أقوى الأزمان في علو الفكر الإسلامي وقوته هو زمن النبوة ثم زمن الخلافة ثم من كان على نهجهم , حيث كان القلب نظيفا واللسان صادقا . وأقوى العلماء فكرا هم العلماء الشجعان الصادقون والدعاة الثابتون , ومهما كان التخويف معوقا فهو لن يعوق سوى القلوب الضعيفة , فابن تيمية يرى سجنه خلوة , والسرخسي يملي كتابه المبسوط وهو في حبسه والعز بن عبد السلام يكتب كتابة الأحكام في أكثر أوقات الأمة توترا وهياجا . إن ثورة القلوب بإيمانها وصدقها على المنكر والفساد تعطي قوة للعقل كي يفكر وللجسد أن يطبق الإبداعات . المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث