بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
هل ينفذ أقباط مصر مخططات "إسرائيل" ؟! / د. سامح عباس
كشفت أحداث كنيسة إمبابة بمصر مؤخراً ومحاولات توريط السلفيين فى إشعالها عن ملامح مخطط بعيد المدى محكم الحبك، ومؤامرة متكاملة الأركان تهدف فى المقام الأول إلى إشعال الفتن الطائفية والصراعات الداخلية بين أبناء الوطن الواحد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة التى أسقطت أقوى الأنظمة العربية استبداداً وطغياناً. هذا المخطط الذي يتم السير فى تنفيذه بدقة بالغة عقب الثورة يحمل بصمات أياد تخريبية كثيرة خارجية وداخلية على حد سواء الهدف منها النيل من إنجازات الثورة ووأدها فى مهدها، ومن المؤكد أن الأيادي الصهيونية عن كل ذلك ليست ببعيدة. فالكيان الصهيوني الذي يسيطر عليه في الوقت الراهن هاجس تنامي قوة الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط، وما قد يتبعه من احتمالات عودة الصراع العسكري بينه وبين مصر في حالة سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم فيها يدفعه مجدداً لإعادة طرح مشاريع تفتيت المنطقة العربية عبر تفعيل فكرة مساعدة الأقليات والعرقيات الدينية في طرح مطالبها وتفعيلها في تلك الأوقات الحرجة التي تمر بها الأمة العربية وهو الأمر الذي سيصب في مصلحة "إسرائيل" في نهاية المطاف عبر انشغال دول المنطقة بتجاذبات وصراعات داخلية طائفية وعرقية.
الملف القبطي و"إسرائيل"
إن المشروع "الإسرائيلي" لاستخدام ملف الأقباط في مصر والتدخل فيه بشكل مباشر عبر التواصل مع بعض الشخصيات القبطية في الخارج أو استضافتهم في "إسرائيل"، أو بشكل غير مباشر من خلال دعم أقباط المهجر الذين يقومون بدورهم بالتحريض الخارجي ضد مصر. وسوابق الكيان الصهيوني فى إشعال الفتنة الداخلية فى مصر بين المسلمين والأقباط يجعلنا نعيد طرح عرض القراءة "الإسرائيلية" لملف الأقباط فى مصر، وكيفية استخدام تل أبيب لورقة الأقباط لتحقيق مخططاتها ومؤامراتها الاقليمية ضد العرب. ولعل ملامح المخطط الصهيوني لاستخدام ورقة الأقباط فى مصر تلوح فى الأفق من حين لآخر عندما تشعر "إسرائيل" بالخطر المحدق من جانب مصر، وبخاصة عقب عصر الثورة وتعاظم الأصوات المنادية بوقف التعاون الكامل مع هذا الكيان الغاصب، بعد أن ارتمى النظام المصري السابق بين أحضانة لمدة ثلاثة عقود متتالية، تسببت فى تراجع مكانة مصر عربياً وإقليماً ودولياً.
إن تعامل "إسرائيل" مع ملف الأقباط في مصر لا يعد تعامل مباشر فى كثير من الأوقات, إلا أن الحضور المريب لأحد النشطاء الأقباط "لإسرائيل" في شهر يناير من عام 2010- أي قبل عام فقط من ثورة25يناير المجيدة- بدعوة من أحد معاهد الأبحاث "الإسرائيلية" كشف معه الرغبة "الإسرائيلية" الحقيقية في التدخل وبقوة في هذا الملف. حينها قالت صحيفة هاآرتس العبرية أن القس ماجد الشافي وهو قبطي مصري مقيم فى كندا ويترأس منظمة لحقوق المسيحيين تعرف اختصاراً باسم (OFWI), One Free World International التي تضم 3000 عضو جاء "لإسرائيل" بصحبة مجموعة من نواب البرلمان الكندي بهدف الوقوف عن كثب على أوضاع المسيحيين في المنطقة العربية ونقلت عنه القول"أن الحديث عن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط وإن كان غائباً عن وسائل الإعلام ولدى العامة لكن حقيقة الأمر أن المسيحيين الآن يعدون أقلية مضطهدة تعامل بسوء تماماً كما يحدث في دول عدة في أفريقيا وفي أسيا".
أقباط فى أحضان اليهود
وكان استقطاب "إسرائيل" لشخصيات قبطية مصرية مثل هذا القس يعد بمثابة ورقة رابحة لها لتنفيذ مخططها بعيد المدى ضد مصر، ويبدو أن الشافي يعد نموذجاً للشخص الذي تحتاجه "إسرائيل"، فقد سبق وأن هرب إليها فاراً من مصر قبل أن يهاجر إلى كندا بعد تورطه فى إنشاء جماعة مسيحية سرية عكفت على بناء الكنائس ومراكز طبية لعلاج المرضى المسيحيين. وعلى غرار القس المصري، هناك العديد من النماذج والشخصيات المسيحية التى فضلت الارتماء فى أحضان "إسرائيل" والحركات الصهيونية مقابل حفنة من الدولارات ليكونوا سلاحها الذي يحاربون به أمن واستقرار مصر، وليس موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية والذي يقود حالياً حملة مغرضة ضد مصر مطالباً وضعها تحت الوصاية الدولية، عنا ببعيد ، فها هو صادق (الكاذب) يهنئ دولة الكيان بعيد استقلالها الثاني والستين وقيامها على أرض فلسطين وأعرب فى بيان له عن أمنياته بأن تتمكن "إسرائيل" من تحرير الضفة وغزة من الفلسطينيين وتحرير القدس من الغزاة العرب، لتكون عاصمة موحدة لدولة "إسرائيل" العبرية"!!وأضاف صادق فى بيانه المشبوه أن "نضال "إسرائيل" يمثل درسا للشعوب المقهورة والمحتلة، لذلك أشارك شعب "إسرائيل" فرحته وانتصاره على الغزاة العرب، ونأمل فى استمرار كفاحكم المجيد لإقامة دولة "إسرائيل"، والمحافظة على وجودها واستمرارها، فأنتم كيهود وأبناء شعب الله المختار.. أنتم المثل والقدوة التى يجب أن تحتذى بها الشعوب، ونضالكم يجب أن يكون درسا للشعوب المقهورة. كما ندد بيان صادق بالفلسطينيين واتهمهم بقتل المسيحيين فى غزة، قائلا: "قد أفرغ الإسلاميون العرب السكان المسيحيين فى أرض "إسرائيل" منهم، خاصة بعد أن قام الإخوان المسلمون (حماس) بقتل المسيحيين فى غزة".
دراسات مشبوهة
ومن جانبها واستكمالاً لملف الأقباط لديها واصلت مراكز الأبحاث "الإسرائيلية" نشر دراسات تتناول وضع الأقباط في مصر ومستقبل وجودهم هناك ويمكن في هذا الشأن إجمال الدراسة التي نشرها مركز ( جلوريا ) البحثي للشؤون الدولية التابع لمركز هرتزاليا متعدد المجالات "الإسرائيلي" والتي جاءت تحت عنوان THE ISLAMIZATION OF EGYPT , وتناولت ما أسمته بظاهرة تنامي قوة جماعة الإخوان المسلمين و الحركات الإسلامية في مصر على حساب الأقباط ووصفته بأنهم عانوا ولا زالوا يعانون بدرجة كبيرة من أوضاعهم السيئة فى مصر. ويزعم كاتب الدراسة أن الإعلام لا يمتلئ فقط بمادة دينية إسلامية، لكن أيضًا بشكل روتيني يسخر من المسيحية و اليهودية ويظهرهما على أنهما ديانات محرفة وتم التلاعب فيها وهو نفس حديث خطباء المساجد ويتكرر ذلك بكثرة تجعل أي مسلم عادي يتحول إلي شخص متعصب يمارس التحرش والعنف ضد الأقباط ويجعل ما يفعله الإنسان المسلم واجب ديني .
أكاذيب صهيونية
وفى محاولة مفضوحة لترويج الشائعات والأكاذيب بهدف إشعال الفتن والتنازع فى مصر زعمت الدراسة "الإسرائيلية" أن من بين أوجه الاضطهاد الذي يتعرض له الأقباط فى مصر هو أنه يتم منعهم من تولى مناصب قيادية رفيعة فى البلاد، وهو ما يتنافى مع الواقع تماماً فهناك وزراء أقباط وقضاة ودبلوماسيين مرموقين تولوا مناصب مهمة طوال تاريخ مصر الحديث. كما ادعت الدراسة أن المناهج الدراسية العامة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم المصرية، تتجاهل العهد القبطي في تاريخ مصر، بينما تبرز تلك المناهج الإسلام وكأنه الدين الحقيقي الوحيد وتشهر بالصليبيين وهم المسيحيين وكذلك باليهود. مضيفة أنه فى معظم المدارس حلت محلّ التحية اليومية للعلم بالإعلان الإسلامي الله أكبر.
وتابعت الدراسة الصهيونية بث سمومها لاستكمال إشعال الفتنة الطائفية فى مصر زاعمة أن مدينة الإسكندرية التي كانت ذات مرة عاصمة ثقافة البحر الأبيض المتوسط في الخمسينيات حيث الازدهار والعالمية والمدينة التي اختلطت فيها الديانات و الأجناس، أصبحت نقطة ساخنة للتعصب الإسلامي و العدوان المكرر ضد الأقباط , وقالت أن العديد من القضايا للهجمات على الحياة و الكنائس وأملاك الأقباط تجرى في كثير من الأحيان تحت عيون النظام الأمني المهملة حيث نادراً ما يتم ضبط متهمون ونادراً ما يوجد مذنبون بالمحاكم والمثال الصارخ على ذلك ما حدث في قرية الكشح في الصعيد حيث قتل 21 قبطيًّا في 2 يناير 2000 وبالرغم من اعتقالات ما يزيد عن مئة شخص لم يتم توجيه اتهام لأحد.
كما زعمت الدراسة وجود شكوك في مسألة حياد النظام القضائي المصري فى كل ما يتعلق بالأقباط فى مصر مشيرة إلى أن مسئولي الشرطة لم يوفروا البيانات محل الثقة بشكل كافي أبدا لمساندة القضيّة ضد المرتكبين الحقيقيين, وأن السلطات المصرية دائماً ما تقوم بالإعلان بأن المتهم مجنون وغير عاقل أو مريض نفسياً إلى جانب ذلك يتم إجبار الأقباط على سحب شكواهم والصلح مع المسلمين من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية .
مخططات "إسرائيل" المستقبلية
واستمرارا للدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث "الإسرائيلية" وثيقة الصلة بجهات صنع القرار في "إسرائيل" عبر إعداد دراسات وأبحاث وطرح أفكار تتعلق بمشاكل الأقليات في العالم العربي ستعمل هذه المركز مستقبلاً على تفعيل دورها عبر التوسع في عقد المؤتمرات التي يتم خلالها توجيه الدعوة لشخصيات تمثل بعض الأقليات الدينية في منطقة الشرق الأوسط بهدف الاستعانة بما يقدمونه من أفكار تخدم التوجه "الإسرائيلي" وتصب في مصلحته خاصة تلك المتعلقة بتفعيل أفكار النزاعات الانفصالية والإثنية والاستفادة منها في إعداد مقترحات لدعم هذه الأقليات وكذلك توجيه الدبلوماسية "الإسرائيلية" للعب دور فعال في طرح ما تردده بعض الشخصيات ذات التوجهات المتطرفة من أبناء الأقليات في المحافل الدولية وذلك لكسب الرأي العام الدولي لصالح هؤلاء. كما أنه من المتوقع أن تلعب وزارة الخارجية "الإسرائيلية" بقيادة أفيجدور ليبرمان صاحب التاريخ الطويل من العداء لمصر في فترة عرفت باستقرار السلام بين الطرفين المصري و"الإسرائيلي" دوراً بارزاً في تحريك ملف الأقباط في مصر والعبث به خاصة عبر التواصل مع مجموعات أقباط المهجر وستعمل على تسخين الأجواء كلما شهدت مصر أحداث ذو أبعاد طائفية بين المسلمين والمسيحيين وستستغل "إسرائيل" علاقاتها بواشنطن عبر ما تحصل عليه من دعم وتأييد من اللوبي اليهودي هناك في اتخاذ قرارات ضد مصر.
السلام القبطي –"الإسرائيلي"
كما يلاحظ أن هناك بعض القنوات المسيحية القبطية التي تبث من خارج مصر تتبني فكرة السلام مع "إسرائيل" ومنها قناة الحياة القبطية وهي قناة تلفزيونية مسيحية تبث على القمر الأوروبي ، طائفية تعمل على نشر تعاليم الدين المسيحي وسط المجموعات الناطقة باللغة العربية في كل من شمال أفريقيا ، الشرق الأوسط ، الجزيرة العربية و أوروبا. وتقدم القناة أيضا برامجها على موقعها الإلكتروني وإذاعة راديو الحياة ولها موقع على الإنترنت ويشرف عليها القس زكريا بطرس المعروف بتوجهاته المعادية للإسلام وتقوم القناة ببث برامج في الآونة الأخيرة عن الأحداث في مصر -أخرها إثارة هو الحوار الذي أجرته مع كامليا شحاتة التي أشهرت إسلامها- وتنشر الرعب في قلوب الأقباط داخل مصر وخارجها فيما يتعلق بقرب أقامة دولة دينية في مصر. ويمكن القول أن القناة تتبني وجهة نظر "إسرائيلية" خالصة في الكثير من القضايا الإقليمية الأمر الذي يعد بمثابة خطر كبير على أفكار الأقباط في مصر وخارجها.
فى الختام لا يمكننا تحليل الأحداث الأخيرة فى مصر وتفاقم المصادمات بين المصريين والأقباط بعيداً عن الدور الصهيوني المشبوه فى تأجيج مثل هذه المصادمات التى ستدخل مصر بعد ثورة 25 يناير فى دائرة الصراعات الداخلية للحيلولة دون عودتها لدورها الريادي للمنطقة، خاصة بعد نجاح مصر ما بعد الثورة فى تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وتزايد المخاوف الصهيونية من تغيير السياسة الخارجية لمصر بعد سقوط مبارك، والتى سيكون لها انعكاس مباشر على العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. لذا يتعين على أقباط مصر وقيادتهم إدراك أبعاد المخطط الصهيوني الذي يحاك ضد مصر، وألا ينزلقوا وراء حملات التحريض لكي لا يحققوا "لإسرائيل" مآربها ومخططاتها لوأد الثورة المصرية المباركة، وإدخال مصر فى دائرة صراع داخلي بلا نهاية على غرار النموذج اللبناني. فكلما ازدادت مصر وحدة وتماسكاً بأبنائها كلما ضاقت الدائرة حول "إسرائيل" واقترب موعد زوالها.
المصدر: مفكرة الإسلام