بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
مقتل الفاروق عمر
إنه العبقري المحدَّث والصحابي المقرب والوزير الأمين وأشد الأمة في الحق وأحد المبشرين بالجنة، أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب.

ولد بمكة بعد مولد الرسول r بثلاثة عشر سنة، وكان في جاهليته من رؤساء بن عدي وهي إحدى بطون قريش ولكنها من البطون الصغيرة، وكان يشغل منصب سفير قريش في الجاهلية وكان أحد القلائل بمكة من الذين يجيدون القراءة والكتابة، وكان عمر مشهورًا بشدته وغلظته وكان ممن وقف في وجه الدعوة الإسلامية في بادئ الأمر، ولاقى المسلمون منه عنتًا ومشقة كبيرة حتى آيس المسلمون من إسلامه وضربوا به الأمثال فقالوا: «لو آمن حمار عمر لآمن عمر» ثم منَّ الله عز وجل عليه بالإسلام في العام الخامس من النبوة ببركة دعوة النبي r، فقد دعا له بقوله: «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب» فكان أحبهما إلى الله عمر بن الخطاب، فكان إسلامه فتحًا وهجرته نصرًا وإمارته رحمة كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.

بعد الإسلام تحول عمر إلى رجل آخر، تبدلت القسوة والغلظة إلى قوة في الحق وثبات في الدين وشدة على الكافرين وذلة على المؤمنين، حتى أن الشيطان كان يفر منه، وقد أيده الوحي القرآني في حوالي عشرين موضعًا من كتاب الله مثل تحريم الخمر والحجاب والأسرى ومقام إبراهيم وغير ذلك وقد تولى الخلافة سنة 13 هـ فشهدت أمة الإسلام في عهده نقلة كبرى واتساعًا عظيمًا وفتوحات باهرة شرقًا وغربًا وحكم أكبر قوتين عالميتين وقتها: الفرس والروم، وفتحت بلاد العراق كلها وحتى منتصف الهضبة الإيرانية، وفي الشام فتحت دمشق وفلسطين والأردن وبيت المقدس ومصر وليبيا والنوبة.

ولقد اشتهر الفاروق عمر بالعديد من الأعمال التي عرفت تاريخيًا باسم أوليات عمر، لأنه أول من قام بها ومنها: التأريخ بالهجرة، استقلال القضاء عن الولاية، تدوين الدواوين، تمصير الأمصار مثل البصرة والكوفة والفسطاط، جمع الناس على صلاة التراويح، وضع الخراج على الأراضي المفتوحة، الاجتماع الدوري مع ولاة الأقاليم، التفتيش المنتظم على العمال.

أما عن مقتله رضي الله عنه، فربما يظن كثير من المسلمين للوهلة الأولى أن جريمة اغتياله رضي الله عنه مجرد حادث فردي ولكن عند الدراسة التاريخية لهذه الجريمة الغادرة تتضح لنا الخيوط الكاملة لهذه الحادثة، فبعد أن قام المجوسي الكافر أبو لؤلؤة بطعن الفاروق عمر أثناء صلاة الفجر يوم 23 من ذي الحجة سنة 23هـ وطعن معه ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة وانتحر هذا المجوسي الغادر بعد أن شعر بوقوعه في الأسر، بعدها تقدم الصحابي عبد الرحمن بن أبي بكر وشهد أنه قد رأى ثلاثة نفر ليلة الحادث هم: الهرمزان وجفينة وفيروز المجوسي وهو أبو لؤلؤة وهم يتشاورون فلما فوجئوا به اضطربوا وسقط منهم خنجر له رأسان وهو نفس الخنجر المستخدم في الجريمة، فمن هما الهرمزان وجفينة؟

الهرمزان كان من ملوك الفرس وكان ملكًا على منطقة الأهواز وقد أسره المسلمون ثم عفا عنه عمر بعد أن نكث بعهده عدة مرات، وقد تظاهر الهرمزان بالإسلام وكان الناس يشكون في إسلامه، أما جفينة فقد كان من نصارى الحيرة أرسله سعد بن أبي وقاص للمدينة ليعلم أبناءها القراءة والكتابة، وفيروز كما نعلم مجوسيٌّ من أهل نهاوند.

أي أن الثلاثة من رعايا الإمبراطورية الفارسية التي هدها المسلمون وأزالوها من الوجود، فاجتمعت نواياهم وأهدافهم على الانتقام لدولتهم الغابرة وذلك بقتل رأس الإسلام، واجتمعت قوى الكفر العالمية منافق وصليبي ومجوسي ويحاول بعض المؤرخين أن يجعل لليهود دورًا في الجريمة بإقحام كعب الأحبار في القضية ولكن هذا الأمر لا يصح ولم يثبت.

ظل عمر بن الخطاب يحتضر ثلاثة أيام، وكانت هذه الأيام كلها دروس وعبر تتجلى فيها كل معاني الإيمان والخوف من الله والشعور بالمسؤولية والنصح للأمة حتى النفس الأخير الطاهر والذي صعد لآخر مرة في 26 من ذي الحجة سنة 23هـ.

الجدير بالذكر أن الشيعة الروافض خاصة الفرس منهم يحتفلون كل سنة بيوم مقتل الفاروق عمر، ويمجدون المجوسي الحاقد أبا لؤلؤة ويطلقون عليه اسم «بابا شجاع»، وقد بنوا له مشهدًا ضخمًا في أصفهان ويقيمون عنده احتفالات سنوية كبيرة.