بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
المجلس المدني الرئاسي.. ردة ديكتاتورية / أمير سعيد
دفعنا النشطاء الذين أعلنوا عما يسمى بالثورة الثانية (27 مايو) بعنف لعدم التعاطف مع مبادرتهم، حينما أصروا على تغليف جملة من المطالب المشروعة والتي نشاطرهم جميعاً الحماسة للمطالبة بها، وهي ما يخص بمحاكمة الرئيس المخلوع وأركان حكمه، ويمكننا أن نضيف إليها المطالبة بتوقيف المزيد من الأعوان الذين ما زالوا يمسكون بتلابيب الإعلام (صحافة وفضائيات...)، والاقتصاد، وهم الفاسدون من رجال أعمال أثروا من صفقات مريبة في عهد البائد، وكثير من المتنفذين الذين ما زالوا يمارسون السلطة بشكل أو بآخر، ومنهم مجموعات ما يُسمى بالنخبة من متأمركين ومخاصمين لهوية جموع جماهير الشعب المصري،.. أصروا على تغليفها بمطلب قالوا وأصروا وأكدوا أنه رئيسي ويسبق كل الطلبات، وهو أن يحكمنا مجلس رئاسي "مدني" مبهم، لم يفصحوا لنا عن لونه وانتماءاته ولا الشخصيات المرشحة له، ولا الشخصيات التي منحها الشعب تفويضاً على بياض لاختيارهم، بما يعني أننا بصدد إرادة أقلية أن تصادر آراء واختيارات الجميع وتولي من يحكمنا، بموجب "التفويض الثوري"، الذي يحاكي ما يزعمونه عن "التفويض الإلهي" لخصومهم، والذي ينكرونه عليهم دون دليل موضوعي، فيما يقدمون هم أنفسهم للآخرين مبررات اتهامهم بالديكتاتورية واستصغار جموع الشعب المصري واحتقار خيارها الاستفتائي.
لماذا تمسكوا بسيادة وأولوية هذا المطلب لتفخيخ مطالبهم الأخرى المشروعة، بل لماذا عملوا على تمريره مع حزمة من المطالب التي لا يختلف عليها اثنان من ضرورة الإسراع في محاكمة الفاسدين، وتطهير المحليات وغيرها من نفوذ السابقين؟! إنه السلوك ذاته الذي حاولوا من خلاله منذ زمن تشويه كل المعاني الجميلة والرائعة عن حرية الإبداع، والتعبير، والمرأة.. الخ عندما لصقوها ـ كما المجلس المدني ـ باستحقاق ديكتاتوري بغيض لا يقل في بشاعته عن حكم الفرد السابق، فإما القبول بالتجديف والهرطقة تحت لافتة الإبداع والتعبير وإلا فلا هذا ولا ذاك، إذ ما الضمانة التي يوفرها وجود قادة معينين للبلاد، يقلون عن العسكريين قوة واستقلالاً وقدرة على الحفاظ على مكتسبات الثورة بل وشعبية؛ فالخيار المطروح هو هروب من الحكم الانتقالي إلى تمديده ولكن بنكهة جديدة يمكنها أن توفر غطاءً مدنياً يضمن ديمومة الحال لا لشهور وإنما لسنوات؛ فأولئك القادة المدنيون سيأتون حتماً من تلك الأقلية التي قالت لا للتعديلات الدستورية، بما يعني مباشرة أنهم حكام لا يحظون بتمثيل شعبي عريض، وبالتالي فهم لا يتمتعون لا بقوة العسكريين سواء من الزاوية الحسية أو المعنوية التي رفدتهم بها جموع جماهيرية ثورية رحبت بوجودهم في الشارع وفضت اعتصام التحرير إثر خلع الرئيس اعتقاداً بأنهم يضمنون التحول الديمقراطي النزيه، ولا بقوة الشارع الذي برهن بجلاء على رفض مشروع التأجيل الديمقراطي وتعيين بدلاء لمبارك مدنيين عبر استفتاء حر شهد بنزاهته الجميع بأغلبية كاسحة، فممن إذن سيستمد المدنيون سلطتهم؟! ولأي قوة سيدينون؟! ثم من يضمن من بعد ألا يكون هؤلاء المدنيون ألعوبة في أيدي العسكريين الذين سيمتد حكمهم حينئذ لمدة لمن يكن مبارك ذاته يحلم بالحصول عليها عندما كانت الملايين تهتف بسقوطه، كما حصل في الجزائر وموريتانيا مؤخراً وكثير من دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية التي شهدت وجود دمى مدنية لا تستمد "شرعيتها" إلا بما يفيء به العسكر عليها .. إنها استجارة من الرمضاء بالنار، ومن التخوف الظني الذي يمكننا تفهمه لو لم يكن المجلس العسكري قد تعهد وردد مراراً وتكراراً التزامه تسليم الحكم لإدارة مدنية منتخبة (وهنا المدنية كمصطلح ضد العسكرية بخلاف "المدني في مقابل الديني المتوحش الفوضوي الرجعي!" التي درسناها عبر سلسلة من الدروس التعليمية في برامج التوك شو "المصرية").
فإذا كان الشباب يريدون العودة للميدان بغية التأكيد على حرية الناخب المصري على اختيار قادته وممثليه عبر انتخابات حرة ونزيهة ومؤقتة في أقرب فرصة، والتشديد على الضمانات اللازمة لسريان العملية الديمقراطية السليمة والشفافة، والمسارعة إلى الملاحقة الجادة والحقيقية للفاسدين، وإقالة ما تبقى من بقايا النظام، وكسح لعبة "النفاق الوطني" وغيرها من الأحابيل الغربية؛ فنعمت المطالب وهلم إلى الميدان سوياً، وإن كان الغرض فرض شخصيات بعينها ليس لها نصيب من الحظ الجماهيري، وتهاب الصناديق، وترتعد من الإرادة الشعبية؛ وتفتعل المبررات لطرح هذا المطلب الغريب الذي لا يقل فجاجة وقبحاً عن طلب مبارك الاستمرار في منصبه حتى موعد إجراء الانتخابات طمعاً في تبدل الأمور، وحينها تجري المحاولة من مبارك أو من المجلس المدني المقترح للبقاء مرة أخرى إن كانت الجماهير الميدان، أو، يقف المجلس المدني المزعوم حين يعاين غضباً تحررياً ليقول "لم أكن أنتوى الترشح لمدة فوضوية جديدة"!!
amirsaid@gawab.com
المصدر: المصريون