موضوع: رمضان الفرقان / إبراهيم التركي الجمعة أكتوبر 14, 2011 10:00 pm
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين رمضان الفرقان / إبراهيم التركي
المختصر/ لطغاة العرب سجل حافل في حرب كلمة الحق الصادعة في خطبة الجمعة عبر وسائل عديدة , من منع لخطباء إلى فصل وإيقاف وتقييد بأنظمة وسجن وإلزام بخطب محددة بل وقتل أحيانا.
لكن تلك الجماهير المصلية القارئة لسورة الكهف في كل جمعة , كانت تأوي إلى كهفها – المسجد – مقتدية بفتية الكهف لتحفظ إيمانها من طغيان الطغاة وتتفائل بنهاية طاغيتها كنهاية صاحب الجنة الذي دخل جنته وهو ظالم لنفسه قائلا ما أظن أن تبيد هذه أبدا , ثم تقتدي بالعبد الصالح الذي يرى مآلات الأمور البعيدة فيزرع الخير ليثمر ولو بعد عشرات السنين فيبني جدار اليتيمين ليحفظ كنزهما , ويحمي سفينة المساكين من عدوان الطاغية بحيلة , ويقتل الغلام ليقطع الشر قبل تمكنه , لتلوح لهم بعدها خاتمة النصر والتمكين مع ذي القرنين الذي يضع حدا لعدوان يأجوج ومأجوج المعتدين.
لم يخدر تلك الجماهير حرمانها من سماع كلمة الحق عن فعل الحق فانتهزت اجتماعها في كل جمعة لتصدع هي بكلمة الحق المطالبة بإسقاط الطغيان فتستبدل بالخطيب الممنوع آلافا من الخطباء, وتسعى بفعلها للتنفيذ والعمل وأطر الظالم على الحق أطرا , فتنجح في بعض وهي في الطريق لبعض آخر وثالث ينتظر.
حتى أصبح يوم الجمعة وصلاته رعبا للطواغيت , وزلزالا شديد , ليفاجأ الطغاة بعد ذلك بحلول شهر الفرقان يداهمهم , شهر التغيير والانتصارات , فتتحول أيامه لجمع يومية مع مايصنعه من شحن روحي يزيد الثورات اشتعالا , وماشاهده العالم في دمشق ليلة اليوم الأول من رمضان بعد التراويح خير شاهد.
لقد أصبحنا نرى معان أخر لحديث: الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن.
رمضان شهر الفرقان بمعانيه المتعددة, ففيه نزل الفرقان ليكون للعالمين نذيرا يفرق بين الحق والباطل , وفي رمضان كان يوم الفرقان يوم التقى الجمعان في يوم جمعة أيضا , فانتصر الحق انتصارا تاريخيا اقتدت به الأجيال حتى ميدان التحرير.
ومن المسجد العمري انطلق الفرقان السوري على خطا عمر الفاروق ليعم القطر السوري فيقتل سلطان الخوف الموهوم.
إن تلاوة المسلم لكتاب ربه - الفرقان – ستكون مختلفة في رمضان هذا العام وهو يشهد تهاوي عروش الطغاة وانتصار المظلومين ثم يقارن واقعه بما يقرأه في القرآن فيرى عجبا وكأن القرآن مانزل إلا الآن, وتراه يتدبر بعض الآيات ويرددها ويشاهدها في واقعه وكأنه مع الصحابة حين يرددون تلك الآية التي ذكرهم بها أبوبكر يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنك لتعجب من حال المترددين من المؤمنين في نصرة الثورات ضد الطغيان , القابعين في بيوتهم الملجمين لألسنتهم وأقلامهم عن نصرة الحق حين تقرأ قول المولى عز وجل: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون)
لم يكن الصحابة في بدر يتمنون الحرب وكانوا يودون غير ذات الشوكة , لضعفهم وكان هدفهم صغيرا محدودا ولم يخطر ببالهم قتل صناديد الكفر وهزيمتهم , كما لم يخطر ببال ثوار تونس ومصر وسوريا إسقاط أنظمة الطغيان , وكانت مطالبهم صغيرة محدودة , لكن الله أراد وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له, فكان النصر للأذلة بقدر الله وقدرته (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) .
لقد كان عيد المسلمين بعد يوم الفرقان البدري عيدا مميزا , وكذا عيد المسلمين هذا العام له طعم النصر والبشرى والأمل.
لقد مرت على أمتنا عشرات السنين في كل منها رمضان لكنه بلا فرقان , وكانت الدعوات تصدح في المساجد حتى حان أوان الفرقان بين الحق والباطل.
فشاهدناه عيانا باصطفاف الطغاة وجندهم وألسنتهم وأقلامهم وإعلامهم وأنصارهم والمتعاطفين معهم (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا)
فمع أي الفريقين أنت ؟ وليس من شهد بدرا كمن بقي في بيته , وبين ذلك درجات إيمان ودركات نفاق.
وإن الفرقان التونسي والمصري لن يقتصر أثره عليهما بل هو ينداح في الأمة كلها على تفاوت في درجاته , فقد ولى زمان الذل (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم).