بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

جمال زهران يكتب : استشارة لوجه الله والوطن : د.مرسى رئيسا للحكومة

اليوم.. يكون قد مرَّ على تولى د.مرسى رئاسة الدولة بإرادة شعبية، نحو ثمانية أيام بالضبط، والمؤكد أنه لم يُعلن عن رئيس الوزراء القادم أو أى من مستشاريه أو مساعديه، باستثناء واحد أو اثنين فى مؤسسة الرئاسة وكثُر الحديث خلال الأيام السابقة عن الأشخاص المحتملين لرئاسة الوزراء، وبطبيعة الحال عن الوزراء المتوقَّعين. وأصبح أمام د.مرسى ثلاثة خيارات فى مسألة اختيار رئيس الوزراء والوزراء:

الأول- اختيار حكومة سياسية من «الإخوان والسلفيين»، على خلفية أن هؤلاء حصلوا على 70٪ من مقاعد مجلس الشعب، و85٪ فى «الشورى»، وذلك قبل حل البرلمان (مجلس الشعب)، وذلك فى سياق ما كان ينادى به الإخوان، بأن الحكومة «رئيسًا وأعضاءً» من حقهم بحكم أنهم حصلوا على الأكثرية، وبضم السلفيين إليهم، يصبحون الأغلبية معًا.

الثانى- اختيار حكومة ائتلافية تضم وزراء من الأحزاب الفاعلة فى الحياة السياسية، والتى كان لها تمثيل فى مجلس الشعب قبل حَلّه، مع شخصية رئيس وزراء مستقل. وتبقى المشكلة فى كيفية اختيار ممثلى كل حزب ومدى ملاءمة المطروح منهم للعمل الوزارى.. إلخ.
الثالث- حكومة فنية «تكنوقراطية»، تتكون من رئيس وزراء مستقل، ووزراء متخصصين فى مجالاتهم، لكى يستطيعوا تنفيذ ما يوجه إليهم، وبما يتلاءم فنيًّا مع هذه المرحلة بالتنفيذ أو عدم التنفيذ.

ولا شك فى أن الشخص الوحيد الذى يحكم بإرادة شعبية فى هذه اللحظة هو د.محمد مرسى، رئيس الجمهورية، وذلك بعد حل البرلمان وعدم شرعية مجلس الشورى المحتمل حلّه خلال الأيام القادمة/، وهو فى الأصل مؤسسة بلا اختصاصات، ومن ثم فإنه الشخص الوحيد الذى يمتلك «الشرعية القانونية»، وهى تجسيد لإرادة الشعب التى عبرت عن نفسها فى صندوق الانتخابات. ويتطلع الشعب بجميع فئاته إليه بهدف تحقيق برنامجه، الذى اختير على أساسه. وأيًّا كانت الاختيارات، فإن الحكومة القادمة رئيسا وأعضاءً ملتزمون ببرنامج الرئيس المنتخب، وعليهم تنفيذه، لا تنفيذ أفكارهم أو رؤاهم الخاصة، وعلى الجميع أن يعلم ذلك ويعرفه مقدما.
كذلك فإن اختيار أحد هذه الخيارات له تكلفته السياسية بالنسبة إلى الرئيس، فمن الصعب مثلا الإتيان برئيس وزراء طامح للرئاسة قبل وبعد، فالسؤال الذى يفرض نفسه: مَن يتحمل النتيجة «الفشل لمرسى، والنجاح للشخص المختار»، كما أن اختيار وزراء من كل حزب أو تيار سياسى، قد يحول دون التنفيذ الكفء لبرنامج مرسى، فضلا عن أن عدم التجانس قد يأتى بالمتاعب ويجلب مشكلات التضامن حول برنامج سياسى على غير قناعاتهم، ويتحمل الرئيس د.مرسى، أوزار المشكلات والخلافات بين أعضاء الحكومة. فضلا عن هذا وذاك، فإن أتى بوزراء من الإخوان والسلفيين، لتم الرد عليه بأنه بذلك يجامل جماعته السياسية وحزبه، ويجافى الشرعية الدستورية، لأنه يتحدى حكم «الدستورية»، التى أقرت حل البرلمان وأصبح منحلا بالفعل، ولم يعد له وجود.
فماذا يفعل د.مرسى إزاء هذه المعضلة الكبرى؟

فى ضوء قراءة سياسية للمشهد الذى نعيشه جميعا، ويحتاج إلى نصائح متجردة من أجل وجه الله سبحانه وتعالى، ومصلحة الوطن، أطرح هذه الرؤية، لعل د.مرسى يرى فيها صوابا للصالح العام، فى ما يلى:

1- يتولى الرئيس د.محمد مرسى، رئاسة الحكومة بنفسه فى هذه المرحلة، وعدم الاعتماد على أى شخص مهما كان قدره أو مكانته أو حتى كفاءته، لأنه لن يكون أمينا على برنامج الرئيس الذى اكتسب الشرعية به سواه فى هذه المرحلة على الأقل.
2- اختيار د.مرسى وزارةً مكونةً من 25 وزيرا كحد أقصى، ومعهم نائب لرئيس الوزراء لمتابعة جميع الوزراء وتنفيذ تكليفات الرئيس، ومن ثم عليه دمج بعض الوزارات وإلغاء البعض، بالرجوع إلى الدراسات العلمية فى هذا الصدد، ولدىّ أهمها لمن يريد، ويشترط أن يكون هؤلاء الوزراء من الكفاءات المستقلة إلى حد كبير أولا.
3- يشترط فى من يأتى عضوا فى الحكومة (نائب رئيس وزراء، والوزراء)، ما يلى:

أ- أن لا يكون قد تولى أى منصب تنفيذى أو سياسى فى عهد الرئيس مبارك، دعما لفكرة التطهير، فضلا عن أن هؤلاء كانوا شركاء فى تدمير وتخريب ونهب وفساد المجتمع.
ب- أن يتسم بالكفاءة العالية والمشهود بها فى مجاله المختار أن يكون وزيرا فى إطاره.
جـ- أن لا يكون قد سبق أن تورط فى قضية فساد أو تحوم حوله الشبهات.
د- أن لا يكون قد سبق له الاشتراك فى دعم مشروع التوريث، ونقل السلطة من مبارك الأب إلى الابن.
هـ- أن لا يتجاوز سن أعضاء الحكومة (60) عاما على الأكثر، وأن من تجاوزوا هذه السن ومن الخبرات والكفاءات تتم الاستفادة منهم كخبراء ظِلّ، لا مسؤولين تنفيذيين مباشرة. وهذا أمر مهم لصالح العمل التنفيذى الذى يحتاج إلى جهد ونشاط دائبين، ويتطلب صحة موفورة. ونحن فى حاجة إلى إرساء قاعدة «الرجل (ذكرًا أو أنثى) المناسب فى المكان المناسب»، وكلما كان أقل سِنًّا كان أفضل، وهو المستقر فى كل الأنظمة السياسية عملا بقاعدة «تواصل حقيقى للأجيال»، وكذلك تقديرا للشباب الذى كان فى طليعة ثورة 25 يناير 2011م.
4- أن يتم اختيار عضو الحكومة وفق معيار الكفاءة، بغض النظر عن انتمائه السياسى، وأن يتم اختياره لشخصه لا لحزبه، أو فى إطار كوتة لكل حزب سياسى فعال أو غير فعال، وذلك وفق الشروط السابقة، وكلما كان مستقلا كان أفضل.

وفى ضوء ما سبق أرى أن الخيار الأفضل فى هذه المرحلة، هو تصدى د.مرسى لتحمل المسؤولية المباشرة وتولى منصب رئاسة الحكومة مع عدد من الوزراء بالشروط السابقة، وتغلب عليهم الصفة الفنية التخصصية (التكنوقراطية).
وقد يرد البعض بأن هذا اندماج لمنصب الرئيس مع منصب رئيس الوزراء وهو خطر كبير، ويُفقِد البرلمان المحاسبة والمراقبة المباشرة.. ونرد بأن الظرف الحالى يفرض ذلك، لغياب البرلمان رسميا، وإلى أن يتشكل بالانتخاب بعد إعداد الدستور، يكون الرئيس قد استطاع تدوير عجلة الدولة بما يؤدى إلى ترجمة متطلبات الثورة والإخلاص والوفاء لدم الشهداء الذين طمحوا إلى التغيير الجذرى لمصرنا الغالية، وهو هدف الثورة الحقيقى.
ولو كان هناك برلمان فى مصر، ما كنت قد فكرت فى هذا الخيار أو نصحت به الرئيس، ولكن الخيارات الأفضل تأتى فى سياق الظروف المتاحة، فضلا عن سبق الأخذ بهذا الخيار فى وجود برلمانات فى عهود (مبارك – السادات – ناصر).

وينسحب هذا الكلام بشأن شروط الاختيار على المحافظين «ويتطلب الأمر» اختيار «27» شخصا جديرا بالاحترام بسن متوسطة وكفاءة عالية، إلى أن يتم إعداد قانون جديد للمحليات بعد الدستور الجديد بطبيعة الحال، يتضمن كل منهما أن يكوّن قاعدة النظام الديمقراطى، وهو اختيار المحافظين بالانتخاب، ومعهم البرلمانات الصغيرة «المجالس المحلية» التى تشرّع لكل محافظة، وتراقب المحافظ المنتخب.

إن مصر تواجه تحديا كبيرا، يتركز فى تأسيس قاعدة جديدة للنظام الديمقراطى ننادى بها قبل اندلاع ثورة 25 يناير، وبعد اندلاعها، وحتى الآن.. وقد سبق أن قلت وكتبت بشأن عدم دستورية نظام الانتخابات الذى حكمت «الدستورية» ببطلانه، ولم يستمع إلينا أحد فى حينه، وأطرح ما لدىّ لعل فيه الصلاح والفلاح، والله من وراء القصد، والثورة مستمرة وستنتصر بإذن الله، وما زال الحوار مستمرا ومتصلا.