بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

مصر قاعدة للانطلاق الإسلامي / د. محمد مورو

إذا اعتبرنا أن المشروع الإسلامي هو الطريق الوحيد إلى النهضة على المستوى المصري والعربي والإسلامي والعالمي، باعتبار أن النهضة في أي بلد إسلامي تستند بالضرورة إلى الإسلام، باعتباره وجدان الأمَّة وثقافتها وحضارتها، وأن الإنسان هو محور التنمية والتقدُّم، وهذا الإنسان ليس مصمتًا ولا مادة فقط، بل هو كيان مادي روحي نفسي مركب، وتجاهل العوامل الثقافية في تركيبته هو طريق أكيد للفشل، ومن ثمَّ فإن أي مشروع للنهضة لا يستند على الثقافة الإسلاميَّة، هو مجرد شوشرة على المشروع الإسلامي، وليس مشروعًا حقيقيًا للنهضة، بل يؤدي إلى المسخ والتشويه والتراجع والفشل.

ومن ثم فإن علينا جميعًا في مصر أولًا، أن نبدأ وأن ننتهي بالحديث والحوار والاتفاق والاختلاف حول المشروع الإسلامي، وليس بالخلاف والحوار والاختيار بين مشروع إسلامي وآخر علماني أو ليبرالي أو يساري... إلخ، وإذا كان لكل أمة سياقها الحضاري والتاريخي والاجتماعي، فإن أمتنا إسلاميَّة شاء من شاء وأبى من أبى، وهكذا فإن من المفهوم مثلًا أن تكون الأحزاب والقوى والمشروعات في أوروبا مثلًا ذات مرجعيّة ديمقراطيّة وأن من الصعب ومن غير المقبول بالنسبة لهذه الأحزاب والقوى والمشروعات أن تكون ذات مرجعيّة غير ديمقراطيّة، فإن الأمر بالنسبة للشعوب العربيّة والإسلاميّة هو أن تكون كل الأحزاب والقوى والمشروعات في العالم الإسلامي ذات مرجعيّة إسلاميّة، وأن يكون الخلاف في التفاصيل والبرامج وليس في التوجه أو المرجعية، وبكلمة أخرى فإن المسألة في العالم الإسلامي، إما ديكتاتوريَّة عسكريَّة أو دولة إسلاميَّة وليس شيئًا آخر، وإذا كانت الأوضاع في مصر قد آلت حتى الآن، إلى إنهاء دور المجلس العسكري ومن ثمَّ احتمال التطور إلى ديكتاتوريّة عسكريّة قديمة أو جديدة وأن المطلوب في هذا الاتجاه تأكيد إلغاء الدور السياسي للمؤسّسة العسكريّة وعودة الجيش إلى ثكناته، فإننا أمام بداية جمهورية إسلاميّة إن شاء الله، والتحدي الأكبر هو أن تكون هذه الجمهوريّة الإسلاميّة التي يتصدر القيادة فيها حتى الآن الإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة، والرئيس محمد مرسي هو ألا تتحول هذه الجمهوريّة الإسلاميّة إلى جمهوريّة إسلاميّة مستبدة أو خاضعة للنفوذ الأمريكي، أو جزء من المشروع الرأسمالي العالمي، بل جمهورية عادلة، تخدم الحرية، حرية الرأي والتعبير والعقيدة وتشكيل الأحزاب واحترام القضاء وصندوق الانتخابات، وأن تسعى بجدية لإنهاء الفقر والبطالة، وبناء اقتصاد مستقل وغير تابع للسوق العالمية الرأسماليَّة، وأن تعمل على تحرير فلسطين وإلغاء كامب ديفيد وفتح المعابر إلى غزة بدون قيد أو شرط، وأن تدعم نضال كل حركات التحرر الإسلامي بل ونصرة كل مستضعف على وجه الأرض، وأن تتجه إلى الوحدة العربيّة وتعمل لها تمهيدًا للوحدة الإسلامية والتطلع إلى خلافة على نهج النبوة، باعتبار أن مصر أكثر بلد مؤهّل لأن يكون قاعدة لهذا التوجه بحكم تركيبتها السكانيّة والجغرافيّة والتاريخيّة، وامتلاكها الزخم الثوري اللازم عقب ثورة أطاحت بالاستبداد وحكم العسكر، والعمالة لأمريكا وإسرائيل.

ليس الأمر قاصرًا في هذا الصدد على الإخوان المسلمين، بل كل الأحزاب الإسلاميّة، من سلفيين وجماعة إسلامية وأنصار حازم أبو إسماعيل أو عبد المنعم أبو الفتوح، فهؤلاء جميعًا مطالبون بتقديم رؤى واجتهادات تضغط في اتجاه هذا التوجه، وترشده وتعارضه إذا لزم الأمر في إطار المرجعية الإسلاميّة، بل أن تكون بديلًا احتياطيًا، إذا ما فشل الإخوان المسلمون، وأن تثق في نفسها وفي ثقافتها ومرجعيتها وليس العكس.

الأحزاب والقوى التي لا تدرك حتى الآن، أن الخيار هو داخل الإطار الإسلامي، عليها أن تراجع نفسها، بدلًا من أن تخسر دينها ودنياها، فلا مستقبل لها، إلا إذا استطاعت أن تستخرج مرجعيتها وأولوياتها من خلال الثقافة الإسلاميّة، وإذا كان هذا التحدي فوق طاقتها، فعليها أن ترحل في صمت، بدلًا من الانحدار نحو البحث عن ديكتاتوريّة عسكريّة بدلًا من الجمهورية الإسلاميّة.

نجاح المشروع الإسلامي في مصر هو حتميّة تاريخيّة، على يد الإخوان، أو على يد غيرهم، فهذه مسألة بديهيّة وهو أيضًا حاجة عالميّة، لأن الرأسماليّة التي تحكم العالم تعاني من شيخوخة، وأزمة بنيويّة طاحنة، والبديل لإنقاذ العالم من ويلات الرأسماليّة هو المنظومة الإسلاميّة باعتبار أن الإسلام هو الجذر الثقافي للثورة العالمية ضدّ الرأسماليّة، باعتباره دينًا وثقافة وحضارة للمسلمين، وباعتباره أيديولوجيّة للفقراء والمستضعفين، وهكذا فإن التحدي الحقيقي هو أن ينجح الإسلاميون وأن يستغلوا هذه الفرصة السانحة، التي جاءتهم من عند الله تعالى وليس من عند أنفسهم، في إنقاذ مصر والعالم العربي والإسلامي والعالم كله، وتقديم بديل إسلامي إنساني عالمي لتحقيق العدالة والحرية في العالم، وإلا كان هذا الجيل لا يستحق هذا الشرف، الذي سيحدث حتمًا، الآن أو غدًا، على يد هذا الجيل أو على يد الجيل القادم، على يد الأحزاب الموجودة الآن، أو على يد قوى ستخرج من رحم هذه الأمة بالضرورة.

المصدر: الاسلام اليوم