لايخفى أنَّ معركة غزة قد انتهت بنصر للجهاد الفلسطيني، لكنَّ حربه مع العدوّ لم تنته، وأنَّ هذا النصر كان مفاجئاً للعدوّ الصهيوني وللمتواطئين معه ممن يطلق عليهم "محور الإعتلال العربيّ"، ولم يكن صمود غزَّة على هذا النحو الأسطوري في حُسْبانهم، ولهذا فقد انطلقت حربٌ جديدة تحت عنوان "إعمار غزة" تهدف إلى تحقيق الأهداف التي عجزت آلة التدمير الوحشي العسكرية الصهيونية عن تحقيقه.
والعجيب في شأن هذه المؤامرة أنها معلنة، كما صرحت قيادة العدو الصهيوني أن حرب تدمير غزة عززت سلطة عباس وأضعفت سلطة حماس! ويبدو أنَّ عباس "المنتهي الصلاحية" الذي قال للقطريين أنه "سيٌذبح من الوريد للوريد إنْ ذهب لقمة الدوحة" لم يعد قادراً حتَّى على التوسل للصهاينة ليرحموه قليلا من تصريحاتهم التي تفضحه.
والمؤامرة تتلخص في أن تحقـِّق عملية "إعادة الإعمار" أمرين :
أحدهما: إعادة نفوذ سلطة عباس المنتهية صلاحيته والشريك في التآمر على شعبه إلى غزة، ولهذا السبب أعلن الإتحاد الأوربي المجرم الشريك الذي يتجشَّـأ من دماء أهل غزة أنَّ أموال إعادة الإعمار لن تكون متاحة لحكومة تقودها حماس، ولهذا ألحَّ عباس ـ كما فعل غلامه فياض ـ على الغمَّة العربية بإعتماد السلطة ومؤسساتها فقط لعملية إعادة الإعمار، مما يعني تفريغ العملية برمتها عن محتواها.
الثاني: إضعاف المقاومة عن طريق حصار جديد لعملية إعادة الإعمار بحجة منع تهريب السلاح، ومنع إستفادة المقاومة منه، ولهذا وضع الصهاينة قائمة طويلة بالممنوعات التي ستحظر إدخالها إلى القطاع في عملية إعادة الإعمار على رأسها الحديد والفولاذ، بحجة أنها تستعمل في تصنيع السلاح.
والحقيقة الواضحة للعيان أن مُغرَّرات الغُمـَّة العربية ـ بالغين صحيحة وليس على لهجة أهل الخليج ـ كانت عملية تغرير كبيرة مكمِّلة لغمـّة شرم الشيخ التي هرع إليها الغربيون مصاصو دماء أهل غزة؛ لتطمين الصهيانة على أمنهم بعد صدمتهم من صمود المقاومة وما لديها من سلاح وقدرات عسكرية هائلة.
فقد كانت غمة شرم الشيخ لفرض الحصار الخارجي على غزة؛ لمنع تهريب السلاح إليها بعد انسحاب الصهاينة أذلاء مندرحين عنها، وقد امتلأت "حفاظاتهم" من إسهال الفزع الذي أصابهم من بأس المقاومة الشديد وصمودها الصنديد .
وكانت الغُمـَّة العربية ـ بعيداً عن كلِّ شعاراتها البراقة التي تعودنا عليها ـ لتطويع عملية إعادة الإعمار، بعد وضعها في فضاء سياسي كيدي لهدف الصهاينة في القضاء على نهج المقاومة في الشعب الفلسطيني، واستئصالها برمِّتها تمهيدا لتصفية كلّ حقوقهم المشروعة.
وأما مجيء أوباما فلا جديد فيه، ولهذا جاء أوباما بأول تصريح له؛ ليؤكـِّد على مضيِّه في طريق من سبقه، ويبرهن على أنه قد تصهين كما تصهين الذين من قبله، وهو في الشأن الفلسطيني كما قيل: ماله عافطة، ولا نافطـة، فالأمر كلُّه بيد الصهاينة .
فالمشهد في الغـمُّة لم يتغيـَّر فيه شيء، وحتَّى المصالحة فلا مصالحة ولا هم يحزنون، كلُّ ذلك نفاق في نفـاق، وإنما أحد حلقات المؤامرة على هذه الأمة، وهدفها تركيعها، وسلب حقوقها، واستلاب حضارتها.
فما جرى في أفغانسـتان الحزينة والعراق الدامية والصومال المغتصبة وغيرها يجري في غزَّة الجريحة، وسيبقى هذا العدوان على الأمـِّة، مادام فيها من يؤمن بحقِّها، ويجاهد في سبيله .
وسيبقى العملاءُ والخونة والمتاجرون بقضايا الأمُّة وعلماء السوء من الشياطين الناطقة والصامتة في خانة الأعداء يقفون معهم كما وقفوا في كلِّ مصائب الأمَّة، وكلَّما اشتدَّت عليها المحـن ظهر من نفاقهم ومرض قلوبهم أشدّ مما كان، وجزاءُ السيئةِ سيئةٌ بعدهـا، سنـَّة الله فيهم ولن تجد لسنَّة الله تبديلا ولن تجد لسنَّة الله تحويلا .
وسيبقى المجاهدون ومعهم الشرفاء وأهل الغيرة والنخوة في صف الحق وأهله يستعملهم الله تعالى ويستعمل لهم من شاء ممن يحبهم ومن لايحبهـم ويحب شكرهم.
وإذا كان أعظم ما حققه الجهاد في غزة إلحاق الهزيـمة بفسطاط الإنهزام الذي تقودُه دول وينظـِّر له مثقفو السفارات الأمريكية وفقهاءُ "الشيكات" ووعاظ البلاط.
وأجلّ إنجازاتها إعادة الإعتبـار لنهج الجهاد الرشيد، وإثبات أنه لامفـر منه ولا محيد عنه .
فإنَّ واجبـنا أن نبقى جميع وسائل الدعم للجهاد الفلسطيني لاسيما في غزة مستـمرة بقوِّة وتدفـق، وأن نرفد سلاحهم بسلاح، وعزيمتهم بعزيمة، وإمكاناتهم بإمكانات، وصوتهـم بصوت الحق والجهاد الإسلامي حتى تتحقق بصمودهـم أهداف الأمـة وتفشـل مخططات العدو الخبيثة.
وحسبنا في ذلك كلُّه ربُّنا الله تبارك وتعالى الذي بيده الأمر كلُّه، وإليه يرجع الأمر كلُّه علانيـته وسـرُّه.