بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
البابا شنودة ونفاد الصبر / فراج إسماعيل
الرسالة التي وجهها البابا شنودة إلى المعتصمين الأقباط أمام ماسبيرو، لها دلالاتها العميقة التي لا يمكن فصلها عن سير الأحداث وخطورتها، والتي ينبغي أن يكون المجلس العسكري على بينة منها.
هذه أول مرة يخاطب البابا المسيحيين المعتصمين بهذه الصراحة والتحذير شديد اللهجة من نفاد صبر الحكام. ويقول لهم إن هناك من اندس بينهم فيسيء إلى مصر وإليهم أنفسهم، وما يحدث تجاوز حرية الرأي.
لقد جاءت هذه الكلمة في وقتها وقبل أن نبكي على الوقت الضائع. ولا نتصور أن البابا يمكن أن يقول ما قاله بدون معلومات توفرت لديه، بل وأتصور أيضا أنه تلقى اتصالات من الجهات العليا أطلعته على كواليس ذلك الاعتصام.
نتجاوز هنا ذعر الإعلام الفضائي أو تصويره لما جرى ليلة أمس الأول من معارك في ماسبيرو على أنه هجوم من بلطجية تابعين للحزب الوطني، أحدهم من الشرقية، على المعتصمين المسالمين في يومهم السابع.
ما جرى لا علاقة له بالبلطجية أو الفلول. إنهم أصحاب المتاجر في منطقة ماسبيرو ووكالة البلح وبولاق أبو العلا، الذين بارت تجارتهم وانقطع زبائنهم لأن المعتصمين أمام ماسبيرو فصلوها تماما عن باقي القاهرة منذ أكثر من أسبوع، وحولوها إلى جمهورية مستقلة، يفتشون كل من يدخل إليها، حتى الذين يقصدون مساكنهم.
يقول بعض أصحاب المساكن إن التعدي على حرياتهم الشخصية يجري بشكل فج، بل إن الخيام التي نصبها المعتصمون وصلت إلى حدود بيوتهم والتصقت بشرفاتها ونوافذها، إضافة إلى أكوام النفايات التي يلقونها والرائحة الكريهة التي تسببها.
التفتيش الذاتي الذي يمارسه شباب الأقباط المعتصمون لا يستثني النساء. يمارس عليهن جرأة مرفوضة إسلاميا ومسيحيا، خصوصا عندما تكون المرأة محجبة. وقد اشتكت موظفات في التلفزيون من ذلك الأسلوب. بل واشتكى مقيمون بأن زوجاتهم وبناتهم يتعرضن لتفتيش مستفز ومخجل، وعجزوا عدة مرات عن الخروج من بيوتهم بحالات مرضية طارئة بسبب الاعتصام والتشدد في الاجراءات كأنهم في منطقة حرب!
عندما يقول البابا إن هذا ليس حرية رأي، فإن لذلك معناه ودواعيه التي لا يجب أن تغيب عنا.
هل هناك جهات خارجية تساند هذا الاعتصام وترجو له أن يتصاعد أكثر من المناوشات التي حدثت ليلة السبت الماضي بين أهالي المنطقة المتضررين والمعتصمين؟!
استغرب أن يأتي إلى القاهرة أفراد وفد أقباط المهجر بعينه مع بدء كل اعتصام ويبدأ في فرض شروطه. بل ونجحوا يوم السبت في الجلوس مع المجلس العسكري وفرض مطالبهم لفض الاعتصام، وكان ذلك بمثابة نصر هائل استشعروه ووعدوا على أثره بأن يصرفوا المعتصمين في الرابعة من فجر الأحد وهو ما لم ينفذوه.
علامة استفهام كبيرة حول حكم البلاد بتلك الطريقة؟!..ينتهك من يريد انتهاك القانون والحريات، فيتم الدخول في مفاوضات معه وتنفيذ كل شروطه، الأمر الذي أثار دهشة عمرو أديب في لقائه على الهواء بذلك الوفد، وقال: أنتم تجلسون مع المجلس العسكري وتطلبون ويستجاب لكم، وهذا غير متاح لغيركم!
لم يسأل أحد أيضا عن الدور الخفي الذي يلعبه المتشدد مايكل منير في ذلك الاعتصام، ومع ذلك تمنحه الفضائيات مساحات واسعة لفرض تشدده وشروطه وحواراته المتحدية للنظام والقوانين وهيبة الدولة؟!
ثم يأتي السؤال الأكبر: من ينفق يوميا على المعتصمين في ماسبيرو ويمنحهم المال الذي يجعلهم يتخلون عن أعمالهم في انتظار تنفيذ شروطهم التي تزيد يوما إثر يوم عقب كل تعليمات يتلقونها؟!
لا توجد غير مصر التي تمنح مناطق حساسة كمنطقة التلفزيون لتجري فيها التظاهرات والاعتصامات، تقطع الطرق وتشتبك مع الآخرين وتهدد باشعال حريق، كل ذلك يتقبله القائمون على الحكم بقلب بارد، فمتى ينفد الصبر؟!
المصدر: المصريون