الفكرة الإسلامية والتاريخ والمستقبل في ليبيا / رمضان الغنام
كاتب الموضوع
رسالة
موضوع: الفكرة الإسلامية والتاريخ والمستقبل في ليبيا / رمضان الغنام السبت يونيو 04, 2011 12:01 pm
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الفكرة الإسلامية والتاريخ والمستقبل في ليبيا / رمضان الغنام دخل الإسلام إلى ليبيا كما دخل إلى مصر على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص عام (22هـ) 642م ، ثم عاد إليها التابعي الفاتح عقبة بن نافع ، ليتمم هذا الفتح ، ونظرا لرده بعض البربر لم يستقر الإسلام ويرسخ في ليبيا إلا بعد فتح الأندلس على يد القائد الأموي طارق بن زياد سنة (93هـ) 711م . وهذا ما عبر عنه ابن خلدون في تاريخه بقوله :" أن البربر ارتدوا اثنتي عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة ولم يستقر إسلامهم حتى أجاز طارق وموسى بن نصير إلى الأندلس بعد أن دوخ المغرب وأجاز معه كثير من رجالات البربر وأمراءهم برسم الجهاد، فاستقروا هنالك من لدن الفتح فحينئذ استقر الإسلام بالمغرب وأذعن البربر لحكمه، ورسخت فيهم كلمة الإسلام وتناسوا الردة " وتعاقبت الممالك على أرض ليبيا دولة تتلو دولة، حتى سقطت في يد المستعمر الايطالي عام 1912م، حيث قامت الدولة العثمانية بعقد معاهدة مع المستعمر الإيطالي، عرفت بمعاهدة ( لوزان)، بموجبها اعترفت فيها بامتلاك إيطاليا لليبيا . ومن هنا بدأت حركة الجهاد ضد المستعمر الغازي، فقام أشراف ليبيا الأحرار بالدفاع عن أرضهم، ومن أبرز هؤلاء المجاهدين السنوسي أسد برقة وسيد المجاهدين، عمر المختار، هذا الشيخ الهرم الذي بدأ جهاده وهو في الثالثة والخمسين من عمره، واستمر جهاده ضد المستعمر الايطالي لأكثر من عشرين عاما . وقد عبر أحد القادة الإيطاليين عن صبر وجلد هذا الشيخ بقوله: "أن المعارك التي حصلت بين جيوشه وبين السيد عمر المختار (263) معركة، في مدة لا تتجاوز (20) شهرا فقط". ثم رحل المستعمر الإيطالي ومعه بقايا الفرنسيين والإيطاليين، رحلوا عن أرض ليبيا بعد جهاد دام عدة عقود، راحت فيه أرواح العديد من أبناء ليبيا، ولم تأت سنة 1951م حتى توحدت أرض ليبيا وأقيمت عليها "المملكة الليبية المتحدة" واختير إدريس السنوسي ملكا لها. وما أن بدأت ليبيا الحديثة في السير نحو المستقبل والانتعاش الحضاري؛ حتى كون مجموعة من ضباط الجيش حركة سميت بحركة الضباط الوحدويين الأحرار، بقيادة الملازم أول معمر القذافي، وسببها أن أمريكا قد قررت التخلص الملك إدريس السنوسي لأنه قد بلغ من العمر عتيا,وكان ضعيفا ولا يوجد له أولاد يرثون ملكه,وهو أصبح زاهدا في الحكم حيث انه كان متصوفا,وفي نفس الوقت كان الأمريكان قد قرروا إلغاء قواعدهم الجوية العسكرية الموجودة في ليبيا,حيث أصبحت مكلفة ماديا,فهذه القواعد تعتبر أهداف ثابتة فمن السهل ضربها,فأمريكيا قررت استبدال معظم قواعدها العسكرية الثابتة بالبوارج حاملات الطائرات العملاقة والتي تجوب البحار والمحيطات وفي حالة استعراض للقوة دائم,وهي تحقق الغرض المطلوب بطريقة أفضل من القواعد الثابتة وبكلفة اقل,وقبل أن تقوم بإلغاء هذه القواعد كان لا بد من تأمين الوضع في ليبيا بتعين حراس على مصالحها تلبسهم لباس الثورية وخصوصا أن النفط الليبي ملك شركاتها,فخوفا من أن تقع ليبيا في يد أناس خارج السيطرة الأمريكية أو معادين لها وخصوصا أن الملك أصبح هرما وضعيفا وسقوط حكمه محتما,فكان لا بد من تجنيد مجموعة من الضباط المغمورين المستعدين للقيام بهذا الدور وتنفيذ كل ما يُطلب منهم مقابل أن يكونوا زعماء وقادة وثوار مزيفين ومزورين,فكان الاختيار قد وقع على(معمر ألقذافي) ورفاقه وكان ذلك أثناء وجودهم في دورة عسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية قبل الانقلاب, فقاموا في الأول من سبتمبر عام 1969م، بانقلاب عسكري، قام على إثره الملك إدريس السنوسي بالتنازل عن الحكم، ثم انتقل إلى مصر وظل مقيما بها حتى توفي في الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1983م، وكان قد أوصى بدفنه في البقيع وتم تنفيذ وصيته. قام القذافي بنظامه الفاشي المستبد فقمع أهل ليبيا وأذلهم، وغيبهم عن المشهد الحضاري من كل نواحيه، دينيا وسياسيا واقتصاديا وعلميا ...الخ ،وما أود التركيز عليه هنا هو الجانب الديني في ليبيا فترة حكم القذافي . قام القذافي باستخدام كل وسائل القمع الممكنة تجاه كل صوت إسلامي يظهر، فنكل بأصحاب التوجهات الإسلامية وزج بهم في سجونه بل زاد الأمر فقتل منهم الآلاف، وتشهد لذلك مجزرة سجن (أبو سليم)، حيث داهمته قوات خاصة في 29/6/1996م، وأطلقت النار على السجناء بدعوى تمردهم داخل السجن، فقتل في هذا اليوم نحو 1200 معتقل معظمهم من الإسلاميين . ولم يتوقف التنكيل بالإسلاميين علي السجن بل تعداه إلي خارج السجن فكانت بيوتهم تقتحم من قبل أجهزة أمنه، وضيق عليهم في أعمالهم ووظائفهم وفي مساجدهم، وضيق علي أسرهم وأقاربهم وحرموا من حقوقهم . ولقد جرم القذافي الكثير من المظاهر الإسلامية، وقصرها على المسجد فقط، ومن أظهر شيء من هذه الشعائر وتلك المظاهر خارج المسجد، ربما تعرض للسجن والاعتقال. أما على الصعيد التشريعي فقد نحى القذافي سنة النبي – صلى الله عليه وسلم - عن الواقع الليبي وابتدع لهم كتابه الأخضر الذي أسماه إنجيل ثورته، الذي لا يمكن نقده أو المساس به. وادعى القذافي أن أجزاء كثيرة من سنة النبي – صلى الله عليه وسلم - مكذوبة وموضوعة، و أراد بذلك تنحية السنة النبوية عن الواقع الإسلامي، فسخر من كثير من الصحيح من الأحاديث وسفه كثيرا من تراثنا الفقهي والتشريعي ورأى في نفسه مفتيا وإماما كما أحل الكتاب الأخضر الربا وحرم التجارة والإجارة في بعض الأوقات المعينة والكلام عن القذافي وأقواله وأفعاله المخالفة للشريعة الإسلامية لا يحويه مقال، ولذا خرجتْ عدة فتاوى من علماء ومجامع علمية من شتى البقاع الإسلامية- قبل ثورة 17 فبراير وبعدها- تصرح بانحراف القذافي عن الجادة ومضادته للشريعة , وبعد الثورة أصدرت مجامع فقهية عالمية فتاواها بحرمة طاعة القذافي وأصدر ائتلاف علماء الدين الليبيين فتوى بأن خروج كل المسلمين في ليبيا على القيادة فرض عين، وذلك بعد قتله أبناء بلده المسلمين . لقد عرفت ليبيا الكثير من الإعدامات والقتل والقمع، ولم يكن المعارضون خارج ليبيا بمنأى عن عنف نظام اللجان، التي طاردتهم في أماكن وجودهم في أوروبا وغيرها من الأماكن، وقامت باغتيالهم. واعتبارا لهذه التحولات، فإنه ليس صدفة أن يتأسس، ومنذ نهاية السبعينات، كثير من حركات المعارضة الليبية، وخصوصا في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ومنها الحركة الوطنية الديمقراطية الليبية والمجموعة الإسلامية في نهاية السبعينات، والجبهة الليبية الديمقراطية الوطنية والجبهة الوطنية من أجل إنقاذ ليبيا أو حركة الكفاح الوطني الليبي في الثمانينات. لكن العديد من حركات المعارضة في الخارج والتي تجاوز عددها خمسا وعشرين حركة بدا يفقد بريقه، وتراجع مع تفجر الاحتجاجات، خاصة أنها بقيت متشرذمة ومختلفة إلى حد كبير ,أما في داخل ليبيا، فإن أبرز وجوه المعارضة جاءت من الجيش ومن الإسلاميين في سنوات التسعينات. فبعد الاحتجاجات الأولى التي عرفها الجيش الليبي نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، قام عسكريون من قبيلة ورفلة في 1993 بتمرد ضد القذافي من أجل الإطاحة به وتحقيق حضور أكبر لرجال القبيلة في المراكز العسكرية العليا والمناصب السياسية ,وقد تم إعدام المشاركين في التمرد عام 1997. وفي السنة نفسها أوحى القذافي للمؤتمرات الشعبية بالتصويت على قانون شرف، يسمح بمعاقبة القبائل عبر حرمانها من خدمات الدولة، إذا عرقلت عملية تسليم نشطاء المعارضة. لكن أخطر من ذلك على النظام الليبي، كانت الجماعات الإسلامية، مثل الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا التي تحمل المرجعيات السلفية الجهادية وحركة الشهيد الإسلامية الليبية، التي تأسست في سنوات التسعينات على يد المجاهدين العائدين من أفغانستان ,لقد دخلوا في مواجهات من أجل الإطاحة بنظام القذافي ، لكنهم لقوا شدة العنف والقمع من القذافي حتى فشلوا في النهاية وقتل أغلبهم أو سجن . غير أن هناك نوعا جديدا من الإسلام المعتدل ينتشر في الأوساط الليبية ويجتاح البلاد من غربها قادما إلى شرقها , يدعو الناس إلى التوحد تحت راية واحدة , وبعد عقود من الصمت خرجت علينا جموع الشعب الليبي متتبعة لسنن سابقتيها تونس ومصر، ثائرة على حاكمها العجوز الخرف، فظهر معدن الشعب الليبي وعادت إليه روحه المختارية ، وأزالوا عن رؤوسهم غبار عقود من الذل والظلم والقمع . فبدأت الحياة الإسلامية تعود بمظاهرها وشعائرها إلى ربوع أجزاء ليبيا المحررة، عادت إلى كل ربع وشبر، فظهرت اللحى مرة أخرى تزين وجوه الشباب ، وانتشرت المراكز الإسلامية، وظهرت في المكتبات مرة أخرى كتب لكثير من الدعاة والعلماء، كانت حبيسة القيد، محظورة النشر . وعمِّرت المساجد من جديد بالمصليين بعد طول هجر، دون خوف من حبس أو اعتقال، وانتشر الدعاة الربانيون المخلصون بين صفوف المجاهدين، وفي مساجد أرض ليبيا المحررة، وزال القيد عن التيارات الإسلامية الذي كبلت به طيلة أربعين سنة؛ هي مدة حكم العقيد . ولقد كان لهم النصيب الأكبر مع إخوانهم في هذه الثورة المباركة وفي هذا السياق يقول الدكتور على الصلابي إن الإسلاميين هم "جزء لا يتجزأ من المجتمع الليبي ولا يتقدمون عنه ولا يتأخرون"، كما أوضح أنهم "خدم لشعبهم في السراء والضراء، وهم لن يخرجوا عن الإجماع الوطني". وعن موقف الإسلاميين من الثورة الليبية تأييدا أو رفضا، قال: إن جميع التيارات الإسلامية تؤيد الثورة وتدعمها "دون استثناء"، متابعا: "حتى شيوخ التصوف والزهاد والعُبّاد وأهل القرآن يدعون لهذه الثورة بالنجاح". ولقد استشرف العديد من الدعاة والعلماء والسياسيين بأن الإسلام بعد الثورة الليبية سيكون له دورٌ فاعلٌ في الحياة الليبية على كافة مستوياتها . وسئل د/ إبراهيم قويدر هل سيلعب الإسلام دورا ً في بناء الدولة الليبية الحديثة ؟- بعد الثورة - فأجاب بقوله : نعم بطبيعة الحال.. فكل الشعب الليبي سني ومالكي .. ومعظم أفراده يحافظون على عباداتهم .. وحتما ً ستكون الشريعة الإسلامية مصدرا ً أساسيا ً للتشريع في ليبيا.. وحتما سينص على ذلك في الدستور الجديد لدولة ليبيا الحرة. وجاء في تقرير أعدته وكالة إسلام تايمز الإخبارية أن كل من الإخوان المسلمين والسلفية الليبية، لهم قبول شديد في الشارع الليبي، وجاء في التقرير أن كلا الفريقين يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهم بصدد إقامة نظام إسلامي مبني على الاستقلال التام، وفي ظل ذلك فأميركا تعلم أن مجيء حكومة إسلامية إلى الحكم في ليبيا شيء بديهي, لذلك لا تحبذ مساعدة الشعب والنخب هناك. العلماء في بنغازي وشتى الأماكن المحررة يرون أن الوضع في ليبيا الحرة سيعود إلى طبيعته وهي الحالة الطبيعية لممارسة الدين في الحياة وفي أخلاق الناس وأساليبهم وعودتهم إلى المساجد ويستبعدون ان يكون عودة الدين سببا في التطرف وهو الأمر الذي كان يتحجج به نظام القذافي فيما يتعلق بفرض القيود على المظاهر الدينية , ويرون إن فتح المزيد من المدارس لتدريس الشريعة سيقلل احتمال التطرف وأنه حين يكون للعلماء دور في تعليم الناس وتفهيمهم للدين فلن يكون هناك تطرف أو إرهاب أو أفكار منحرفة لأن القذافي كان يمنع الناس من مجرد ترديد الشعارات الدينية سوى في المسجد فقط، أما العالم الخارجي لا وإلا سيذهبون إلى السجن ! , ويؤكدون أن الشريعة الإسلامية ستلعب دورا رئيسًا في المجتمع الليبي بعد رحيل القذافي. وأنه لن يكون هناك قانون يتعارض مع الشريعة، لكن هذا لا يعني أنها ستكون دولة دينية برؤيتهم . إن تقدم المعارضة المسلحة البطيء في ميدان المعركة أفاد قضية الإسلام في ليبيا , وجعل لهم أثرا في كل مكان يحررونه . على الجانب الآخر فإن صورة الثائر الليبي وهو يحمل مصحفه عند المدخل الغربي لمدينة أجدابيا المحررة،لم تغب عن ذاكرة العقل الغربي، فباتت تشكل له هاجسا مخيفا، وكابوسا مفزعا، خوفا من عودة الروح الإسلامية إلى الصحراء الليبية بعد غياب دام لأكثر من أربعين عاما , ويرى بعض المحللين أن هذا هو السبب الكامن وراء تأخر الغرب في إمداد الثوار وتأخرهم في القضاء على القذافي ورغبتهم في إضعاف البلاد إلى أقصى درجة يستطيعونها . هذه هي الصورة العامة لآخر تطورات الوضع الليبي، عودة ملحوظة لكثير من المظاهر الإسلامية التي غابت عن الأراضي الليبية لعقود كثيرة، ودور قيادي للحركات الإسلامية في يوميات الثورة الليبية، والصورة لم تكتمل بعد، ستكشفها لنا الأيام المقبلة. المصدر: تواصل