بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
أفغانستان.. جغرافيا وعرة ومقاتلون متمرسون .. الأوهام الأميركية والنصر البعيد
ريم صالح

«الويل لكم إذا غضب الأفغان» هذه العبارة المعروفة تختصر الكثير مما قيل ويقال عن افغانستان التي ابتليت ومنذ أقدم العصور بالغزو الخارجي والحروب،
والأفغان إلى يومنا هذا يقاومون ويحاربون الغزاة ويطردونهم من بلادهم، حتى سميت افغانستان وبحق (مقبرة الغزاة) وحتى الاسكندر المقدوني وكما يؤكد المؤرخ العسكري ريموند كالاهان «واجه مشكلات في افغانستان مثله مثل غزاة آخرين .. الجو القاسي والجغرافيا الوعرة والقبائل المتمرسة بالقتال».‏

وفي العصر الحديث بدأ الصراع بين بريطانيا وروسيا في القرن التاسع عشر على آسيا الوسطى، وخلال ثمانين عاماً حاول الانكليز السيطرة على أفغانستان، ولكنهم لم يتمكنوا من احتلالها لفترات طويلة فما بين اعوام 1838-1843 أباد الأفغان جيوش الامبراطورية البريطانية بالكامل ففي فورد كابل تم القضاء على عشرين ألف جندي مجهزين بالاسلحة الحديثة، ومابين اعوام 1878-1881 تمكن البريطانيون من احتلال افغانستان، ولكن لم يدوم الحال طويلا فقد أباد المقاتلون الأفغان جيشاً انكليزياً يتألف من 7 ألاف جندي.‏

والسوفييت حاولوا مساعدة الحكومة الشيوعية بناء على طلبها، ودخلوا الى افغانستان، ولكنهم وخلال عشر سنوات لم يهدأ لهم بال وخسروا آلاف الجنود واضطروا أخيراً لمغادرة افغانستان. واليوم فإن الولايات المتحدة تحشر الحرب في افغانستان رغم عدم اعترافها بذلك، فهي تخسر جنودها وأموالها وهيبتها.‏

ويتوحد الافغان اليوم لمحاربة آخر الغزاة ولطردهم من البلاد، كما كانوا يفعلون دائما.‏

في الصفحة التالية نلقي الضوء على محاولات ثلاث قوى عظمى السيطرة على افغانستان، وفشلها الذريع في تحقيق ذلك.‏

فالأفغان يوحدهم الخطر الخارجي، وهم يمجدون البطولة والشجاعة ويمارسونها في حياتهم اليومية.‏

« إن الوضع في أفغانستان على مر العصور أثبت أنه بلد عصي على الغزاة..بل إن هذه البلاد شكلت مقبرة للأعداء الأجانب الذين تعاقبوا عليها « هذا ما قاله المؤلف والمختص في الشؤون التاريخية /بن ماسينتر/ في مقال نشرنه صحيفة التايمز البريطانية وأضاف /ماسينتر/ « إن أفغانستان لم تُهزم بشكل دائم أو تُستعمر.. ولم تتمكن أية قوة أجنبية من إحكام السيطرة عليها لمدة طويلة» هذا في حين أكد مسؤول أفغاني سابق رفض الكشف عن هويته في مقابلة بثتها محطة ال سي بي اس الأميركية «إن تاريخ أفغانستان يثبت أننا لا ننهزم أمام الغزاة الأجانب.. ومن المستحيل أن تكون بلادنا أرض نصر لأمريكا..إن الولايات المتحدة يمكنها أن تلقي بالمزيد من جنودها في أفغانستان كما تشاء.. ولكن مصير أمريكا في أفغانستان لن يختلف عن مصير كل الغزاة السابقين « هذا في وقت صرح فيه قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان الجنرال /ستانلي ماك كريستال/ «إن التورط العسكري الأميركي في أفغانستان لن ينتهي في وقت قريب ولن يؤدي إلى «انتصار» بالمعنى الذي ألفه الأميركيون منذ الحرب العالمية الثانية حيث إن الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان غير ناجحة ولم تؤد استراتيجية الرئيس الأميركي /باراك أوباما/ إلى تقليص الخسائر البشرية للقوات الأميركية أو تحقيق تقدم ملموس على الأرض»‏

ورغم مرور نحو تسع سنوات على الحرب الأمريكية على أفغانستان إلا أن الولايات المتحدة لم تستطع إلى اليوم أن تضع قدمها على الأرض الأفغانية وبات الفشل ومعالم الهزيمة لأمريكا هما المحددان الرئيسيان للمشهد الأفغاني الذي استطاع طوال هذه السنوات أن يكبد الاحتلال الأميركي خسائر فاقت المتوقع والممكن.. فبينما سقط 12جندياً أمريكياً عام 2001 سقط 317 قتيلاً أميركياً عام 2009 وفي هذا السياق أكدت تقارير رسمية أن معدل القتلى الأمريكيين من عام 2001 وحتى 2006لم يبلغ 100 قتيل في أي عام غير أن المؤشر أخذ في الارتفاع منذ عام 2007 إلى أن وصل إلى أكثر من 317 قتيلاً عام 2009 وبالإضافة إلى ذلك فإن أكثر من 430 جندياً أمريكياً لقوا حتفهم في أفغانستان منذ تولي/ أوباما/ لمنصبه هذا في حين أشار موقع «آي كاجوليتيز»إلى أن عدد جرحى جيش الاحتلال الأمريكي في أفغانستان ارتفع بشكل كبير من 85 مصاباً في أول شهرين من العام الماضي إلى 381 جريحاً هذا العام بزيادة نسبتها 350%.. وبحسب صحيفة التايمز البريطانية فإنه من المتوقع أن يتكبد جيش الاحتلال الأمريكي في أفغانستان خسائر في الأرواح خلال الاشتباكات الجارية مع الأفغان خلال العام الحالي قد تصل إلى 500 قتيل شهريًا بينما يمكن أن يصل عدد الجنود الأميركيين المصابين إلى 3 آلاف جندي..وطبقاً لإحصاءات استقتها وكالة «أسوشيتد برس» من وزارة الدفاع الأمريكية فقد قتل 1631 جندياً أمريكياً فيما جرح قرابة 5725 آخرين منذ بداية الغزو الأميركي على أفغانستان..وتشير احصائيات نشرتها شبكة ال سي إن إن إلى أن نسبة القتلى الأميركيين تصل إلى واحد من كل 7 جنود في العمليات العسكرية.. ويرى مراقبون أنه في حال استمرار المعدلات عند وضعها الراهن فإن العام الحالي 2010يمكن اعتباره الأكثر دموية منذ اندلاع غزو أفغانستان التي تعرف تاريخيًّا ب «حفار قبور الإمبراطوريات» مشيرين إلى أن وصول 30ألف جندي أميركي آخرين من شأنه أن يزيد من تدهور الأوضاع التي تعيشها القوات الأميركية.‏

ومن جهة أخرى أظهر تقرير للجيش الأمريكي أن تزايد العمليات العسكرية في أفغانستان تسبَّب في تدني معنويات قوات الاحتلال وتزايد معدلات الانتحار في صفوفها.. وأوضح التقرير الذي نشرته وكالة ال سي إن إن أن الجنود الذين تكرر نشرهم 3 أو 4 مرات لأداء الخدمة في أفغانستان تدنَّت معنوياتهم بشكل ملحوظ كما ارتفعت نسبة معاناتهم من الأمراض النفسية عن سواهم ممن تمَّ نشرهم هناك مرة واحدة أو اثنين كما أظهر المسح أن معدلات الاكتئاب والإجهاد ما بعد الصدمة ارتفعت إلى 23.4% عام 2007 مقارنةً ب 10.4% عام 2005 ويمتدُّ تأثير ذلك عند عودة الجنود إلى بلادهم وصعوبة التأقلم في الحياة العائلية ما رفع حالات الطلاق بين الجنود المتزوجين إلى معدلات غير مسبوقة..ووفق التقرير أيضاً فقد شهد العام الماضي 150 حالة انتحار في صفوف القوات الأميركية وهي أعلى نسبة مسجَّلة حتى اللحظة في تاريخ الجيش الأمريكي بينما فر أكثر من 200 جندي أميركي من الخدمة العسكرية إلى كندا خوفاً من الاشتباكات الضارية في أفغانستان..‏

والجدير ذكره أن آخر استطلاع نشرته شبكة «سي إن إن» أشار إلى أن نسبة 68% من الأميركيين تعارض الحرب في أفغانستان فيما أظهر استطلاع آخر أجرته شبكة إي بي سي أن 53 % من الأميركيين يعتقدون أن ثمن الحرب غير مبرر..‏

ويشار إلى أن الحرب الأميركية على أفغانستان(وهي أطول حرب في التاريخ الأميركي منذ حرب فيتنام التي استمرت مئة وثلاثة أشهر)تكلف الولايات المتحدة أربعة مليارات دولار في الشهر فقد ذكرت دراسة أعدتها لجنة ديمقراطية تابعة للكونغرس الأمريكي أن التكاليف الاقتصادية التي تكبدتها الولايات المتحدة حتى الآن في حربها على أفغانستان قد بلغت واحد ونصف تريليون دولار وأنه في حال استمر التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان حتى عام 2018 فستبلغ التكلفة ما بين 1.3و 1.7 تريليون دولار إلى جانب 600 مليار دولار أخرى على شكل فوائد لسندات الخزينة.. ولتوضيح الأمر فقد أشارت الدراسة إلى أن الحرب الأفغانية تكلف كل عائلة أمريكية تتكون من أربعة أفراد أكثر من عشرين ألف دولار وبذلك فإنها ستكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة 2.4 تريليون دولار وذلك بحلول العام2017..‏

ويؤكد محللون أنه يوجد داخل الولايات المتحدة اليوم تياران رئيسيان حول الإستراتيجية المثلى لتعامل الإدارة الأميركية مع الحرب على أفغانستان..يدعو التيار الأول (والذي أضحى أكثر رواجاً في واشنطن) لسحب القوات الأميركية من هذا البلد وترك إدارة شؤونه لأهله مستندين إلى الخبرة التاريخية في أنه عبر التاريخ لم تتمكن قوة غازية من السيطرة عليه بينما يدعو التيار الثاني (وهو التيار الذي يدعمه أوباما)لضرورة وجود القوات الأميركية في أفغانستان ويبررون ذلك بأن احتلال أفغانستان من شأنه تطويق روسيا والصين وإيران وكذلك إحكام القبضة الأميركية على باكستان فضلاً عن السيطرة على منطقة بحر قزوين التي تعج بمشاريع النفط وخطوط نقله يُضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تتطلع إلى استثمار الثروات الباطنية الهائلة في أفغانستان التي تملك أكبر مخزون في العالم من النحاس الأصفر والحديد كما تُعدّ ثالث أكبر دولة في العالم تملك احتياطياً من النفط والغاز الطبيعي غير المستثمر، كما أن شركات السلاح الأمريكية ترى أن مصلحتها تقتضي استمرار الحروب سواء في أفغانستان أم في غيرها من البلدان لضمان استمرار تجارة السلاح..‏

ويقول خبراء إن تخبط الإدارة الأميركية وفشلها الذريع داخل المسرح الأفغاني يعود لحزمة من الأسباب أهمها: - شراسة المقاومة الأفغانية التي تأبى الرضوخ للاحتلال. – وعورة التضاريس الأفغانية وطبيعتها الجبلية.- استهداف الغارات الأميركية للمدنيين الأفغان حيث أدت إلى مقتل 1325 مدنياً أفغانياً منذ بداية العام الجاري وكان موقع ويكيليكس الإلكتروني قد نشر مؤخراً أكثر من 92 ألف وثيقة سرية لوزارة الدفاع الأمريكية تخص العمليات العسكرية والمجازر التي قامت بها القوات الأميركية ضد الأفغان وركزت هذه الوثائق على وحدات المهام الخاصة ومنها الفرقة 373 والتي تقتصر مهمتها على اعتقال واعدام الأفغان دون محاكمة .- اكتشاف زيف الشعارات الأميركية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.- التكلفة الاقتصادية الكبيرة التي تتكبدها الميزانية الأميركية جراء الحرب.-تراجع الدعم الشعبي للحرب في أفغانستان. –افتقاد الولايات المتحدة لاستراتيجية واضحة للتعامل مع المشهد الأفغاني.‏