العلاقة بين عمر بن الخطاب وعلى بن طالب رضى الله عنهما
كاتب الموضوع
رسالة
موضوع: العلاقة بين عمر بن الخطاب وعلى بن طالب رضى الله عنهما الإثنين سبتمبر 12, 2011 8:02 pm
بسم الله الرحمن الرحيم أذكر الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على نبيينا محمد واله وصحبه الغر الميامين الجلاد وهم كما قال تعالى "رحماء بينهم" إني لتُطربني الخـلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاقِ ويهزُّني ذكرُ المروءة والندى بين الشمائل هِـزةَ المشتاق فإذا رُزِقتَ خليـقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق فالناس هذا حظه مال ، وذا علم وذاك مكـارم الأخلاق اضع بين ايديكم شيئا من المحبة بين عمر وعلي رضي الله عنهما
من كتاب علي بن ابي طالب للشيخ الدكتور الصلابي رابعًا: علي رضي الله عنه وأولاده وعلاقتهم بعمر رضي الله عنهم: كان عمر رضي الله عنه شديد الإكرام لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيثارهم على أبنائه وأسرته، تذكر من ذلك بعض المواقف: 1- أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر: جاء فيما رواه الحسين بن على رضي الله عنه: أن عمر قال لي ذات يوم: أي بنى لو جعلت تأتينا وتغشانا؟ فجئت يومًا وهو خال بمعاوية، وابن عمر بالباب لم يؤذن له، فرجعت فلقيني بعد، فقال: يا بنى لم أرك أتيتنا؟ قلت: جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع، فرجعت، فقال: أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر،م إنما أنت في رءوسنا ما ترى: الله، ثم أنتم، ووضع يده على رأسه(1).
2- والله ما هنأ لي ما كسوتكم: روى ابن سعد عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه على ابن الحسين، قال: قدم على عمر حلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له، فخرج الحسن والحسين من بيت أمهما فاطمة رضي الله عنها يتخطيان الناس، ليس عليها من تلك الحلل شيء، وعمر قاطب صار بين عينيه، ثم قال: والله ما هنأ لي ما كسوتكم، قالوا: يا أمير المؤمنين، كسوت رعيتك فأحسنت، قال: من أجل الغلامين يتخطيان الناس وليس عليهما من شيء كبرت عنهما وصغرا عنها، ثم كتب إلى والي اليمن أن ابعث بحلتين لحسن وحسين، وعجَّل، فبعث إليه بحلتين فكساهما(2).
3- تقديم بنى هاشم في العطاء: عن أبي جعفر أنه لما أراد أن يفرض للناس بعدما فتح الله عليه، وجمع ناسًا من أصحاب النبي ×، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ابدأ بنفسك، فقال: لا والله بالأقرب من رسول الله ×، ومن بنى هاشم رهط رسول الله ×، وفرض للعباس، ثم لعلي، حتى والى بين خمس قبائل، حتى انتهى إلى بنى عدى بن كعب، فكتب: من شهد بدرًا من بنى هاشم، ثم من شهد بدرًا من بنى أمية بن عبد شمس، ثم الأقرب فالأقرب، ففرض الأعطيات لهم وفرض للحسن والحسين لمكانهما من رسول الله(3).
4- كساني هذا الثوب أخي وخليلي: خرج على وعليه برد عدني فقال: كساني هذا الثوب أخي وخليلي وصفيى وصديقي أمير المؤمنين عمر(4). وفي رواية عن أبي السفر قال: رئُي على على بن أبي طالب رضي الله عنه برد كان يكثر لبسه قال: فقيل: يا أمير المؤمنين إنك لتكثر لبس هذا البرد؟ فقال: نعم، إن هذا كسانيه خليلي وصفيى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ناصح الله فنصحه، ثم بكى(5).
5- أقطاع ينبع: أقطع عمر بن الخطاب عليًا ينبع، ثم اشترى على إلى قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عينًا، فبينما هم يعملون فيها إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فأتى على وبشر فتصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله ليوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ليصرف الله تعالى بها وجهه عن النار ويصرف النار عن وجهه، وكتب في صدقته: هذا ما أمر به على بن أبي طالب وقضى في ماله: إني تصدقت بينبع ووادي القرى والأذنية وراعة في سبيل الله ووجهه، أبتغى مرضاة الله، ينفق منها في كل منفعة في سبيل الله ووجهه، وفي الحرب والسلم والجنود وذوى الرحم القريب والبعيد، لا يباع ولا يوهب ولا يورث حيًا أنا أو ميتًا، أبتغى بذلك وجه الله والدار الاخرة، ولا أبتغى إلا الله عز وجل، فإنه يقبلها وهو يرثها وهو خير الوارثين، فذلك الذي قضيت فيها بينى وبين الله عز وجل(6).
6- لتقولن يا أبا حسن:اجتمع عند عمر جماعة من قريش فيهم على فتذكروا الشرف، وعلى ساكت فقال عمر: مالك يا أبا الحسن ساكتًا؟ فكأن عليًا كره الكلام، فقال عمر: لتقولن يا أبا الحسن، فقال على: في كل معترك تزيل سيوفنا فيها الجماجم عن فراخ الهام(7)
الله أكرمنا بنصر نبيه وبنا أعز شرائع الإسلام
ويزورنا جبريل في أبياتنا بفرائض الإسلام والأحكام(8)
7- حوار بين أمير المؤمنين عمر وعلى حول الرؤيا: قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أعجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال، فتكون رؤياه كأخذ اليد، ويرى الرجل الشيء، فلا تكون رؤياه شيئًا، فقال على بين أبي طالب: أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله يقول(9): +اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى" [الزمر: 42].
خامسًا: زواج عمر من أم كلثوم بنت على بن أبي طالب: زوج على بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته من فاطمة بنت النبي × من الفاروق حينما سأله زواجها منه رضي الله عنه بما يطلب، وثقة فيه وإقرارًا لفضله ومناقبة، واعترافًا بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهارًا بأن بينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد من أعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم(10), فقد كان عمر يكن لأهل البيت محبة خاصة لا يكنها لغيرهم لقرابتهم من رسول الله ×، ولما أوصى به رسول الله × من إكرام أهل البيت ورعاية حقوقهم، فمن هذا الباعث خطب عمر أم كلثوم ابنة على وفاطمة رضوان الله عليهم وتودد إليه في ذلك قائلاً: فوالله ما على الأراض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد، فقال على: قد فعلت، فأقبل عمر إلى المهاجرين، وهو مسرور قائلاً: رفئوني..ثم ذكر أن سبب زواجه منها ما سمعه من النبي ×: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي»، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله × سبب(11), ولقد أقر بهذا الزواج كل أهل التاريخ والأنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهم ومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم المعصومين حسب زعمهم، ولقد أورد الشيخ إحسان إلهي ظهير روايات بخصوص ذلك في كتابه الشيعة والسنة(12), ولقد ذكر هذا الزواج علماء أهل السنة في التاريخ وأجمعت مصادرهم عليه، ومن العلماء الذين ذكروا هذا الزواج: الطبري(13), وابن كثير(14), والذهبي(15), وابن الجوزي(16) والدياربكرى(17), وقد ذكر هذا(18) الزواج في كتب التراجم، كابن حجر(19), وابن سعد(20), وأسد الغابة، وقد قام الأستاذ أبو معاذ الإسماعيلي في كتابه زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت على بن أبي طالب رضي الله عنهما حقيقة وليس افتراء، بتتبع مراجع مصادر الشيعة وأهل السنة فيما يتعلق بهذا الزواج ورد على الشبهات التي ألصقت بهذا الزواج الميمون، وقد ذكرت شيئًا من سيرتها ومواقفها في حياتها في عهد الفاروق في كتابي (فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره).
هذا وقد ولدت أم كلثوم بنت على من عمر رضي الله عنه ابنة سميت (رقية) وولدًا سمته زيدًا، وقد روى أصحاب زيد أن زيد بن عمر حضر مشاجرة في قوم من بنى عدى بن كعب ليلا فخرج إليهم زيد بن عمر ليصلحهم فأصابته ضربة شجت رأسه ومات من فوره، وحزنت أمه لقتله ووقعت مغشيًا عليها من الحزن فماتت من ساعتها، ودفنت أم كلثوم وابنها زيد بن عمر في وقت واحد، وصلى عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، قدمه الحسن ابن على بن أبي طالب وصلى خلفه(21).
سادسًا: يا بنت رسول الله ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك: عن أسلم العدوي قال: لما بويع لأبي بكر بعد النبي × كان على والزبير بن العوام يدخلان على فاطمة فيشاورانها، فبلغ عمر، فدخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك، وكلمها، فدخل على والزبير على فاطمة فقالت: انصرفا راشدين، فما رجعا إليها حتى بايعا(22), وهذا هو الثابت الصحيح والذي مع صحة سنده ينسجم مع روح ذلك الجيل وتزكية الله له. وقد زاد الروافض في هذه الرواية واختلفوا إفكا وبهتانًا وزورًا، وقالوا إن عمر قال: إذا اجتمع عندك هؤلاء النفر ان لأُحرقنَّ عليهم هذا البيت، لأنهم أرادوا شق عصا المسلمين بتأخرهم عن البيعة، ثم خرج عنها، فلم يلبث أن عادوا إليها، فقالت لهم: تعلمون أن عمر جاءني وحلف بالله لئن أنتم عدتم إلى هذا البيت ليحرقنه عليكم، وايم الله إنه ليصدقن فيما حلف عليه، فانصرفوا عني فلا ترجعوا إلىَّ ففعلوا ذلك، ولم يرجعوا إليها إلا بعدما بايعوا(23). وهذه القصة لم تثبت عن عمر رضي الله عنه، ودعوى أن عمر رضي الله عنه هم بإحراق بيت فاطمة، من أكاذيب الرافضة، أعداء صحابة رسول الله، وقد أوردها مع أكاذيب أخرى الطبري الطبرسى في كتابه دلائل الإمامة(24), عن جابر الجعفي، وهو رافضي كذاب باتفاق أئمة الحديث كما في الميزان(25) للذهبي، وتهذيب التهذيب(26), وزعم بعض الروافض أن عمر ضرب فاطمة حتى أسقط ولدها محسنًا وهو في بطنها، وهذه من الأكاذيب الرافضة التي لا أساس لها من الصحة، وما علموا أنهم يطعنون في على رضي الله عنه، وذلك باتهامه بالجبن والسكوت عن عمر وهو من أشجع أصحاب النبي × (27), بل إن بعض كتب الروافض أنكر صحة هذا الهذيان والزور(28) علمًا بأن محسنًا ولد في حياة النبي × كما ثبت ذلك بالرواية الصحيحة.
سابعًا: الخلاف بين العباس وعلى وحكم عمر رضي الله عنهم بينهما: قال مالك بن أوس: بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار(29), إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني، فقال: أجب أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى دخلت على عمر، فإذا هو جالس على رمال(30) سرير ليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أدم، فسلمت عليه ثم جلست، فقال: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ، فاقبضه فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص، يستأذنونك؟ قال: نعم فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرًا، ثم قال: هل لك في علىّ وعباس؟ قال: نعم فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله × من مال بنى النضير، فقال الرهط – عثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر: تيدكم(31), أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله × قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة»،يريد رسول الله × نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علىّ، وعباس، فقال: أنشدكما بالله أتعلمان أن رسول الله × قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خص رسوله × في هذا الفئ بشيء لم يعطه أحدًا غيره، ثم قرأ: +وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [الحشر:6]. فكانت هذه خالصة لرسول الله × ووالله ما احتازها دونكم، ولا أستأثر بها عليكم، قد أعطاكموها، وبثها فيكم، حتى بقى منها هذا المال، فكان رسول الله × ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقى فيجعله مال الله، فعمل رسول الله × بذلك حياته، أنشدكما بالله، هل تعلمان ذلك؟ قال عمر: ثم توفى الله نبيه × فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله ×، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا وليُّ أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول الله × وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركم واحد، جئتنى يا عباس، تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا «يريد عليًا» يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله × وما عمل أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط:نعم، ثم أقبل على على وعباس فقال: أنشدكم بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: فتلتمسان مني غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلىَّ، فإني أكفيكماها(32). ثامنًا: ترشيح عمر عليًا للخلافة مع أهل الشورى وما قاله على في عمر بعد استشهاده: 1- ترشيح على مع أهل الشورى:لما طُعن عمر رضي الله عنه وظن أنه سيفارق الحياة، وأخذ المسلمون يدخلون عليه، ويقولون له: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط- الذين توفى رسول الله × وهو عنهم راض فسمى عليًا، وعثمان، والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن(33), ثم دعا خاصتهم وهم عبد الرحمن، وعثمان، وعلى فوعظهم(34), إن عمر رضي الله عنه إمام وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأى أن الستة الذين توفى رسول الله × وهو عنهم راض أحق من غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد أن غيرهم أحق منهم، وجعل التعيين إليهم خوفًا أن يعين واحدًا منهم، ويكون غيره أصلح لهم، فإنه ظهر له رجحان الستة دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون أحدًا منهم، وهذا اجتهاد إمام عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه، وهو نموذج واقعي لتطبيق قول الله تعالى: +وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" [الشورى:38] وقال: +وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ" [آل عمران: 159]، فكان ما فعله من الشورى مصلحة(35). إن الفاروق رضي الله عنه رأى الأمر في الستة متقاربًا فإنهم وإن كان لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض، فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، ورأى أنه إذا عين واحدًا فقد يحصل بولايته نوع من الخلل فيكون منسوبًا إليه، فترك التعيين خوفًا من الله تعالى، وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا الأمر منهم فجمع بين المصلحتين، بين تعيينهم إذ لا أحق منهم، وترك تعيين واحد منهم لما تخوفه من التقصير، والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان، فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة(36)، ولا يقال إنه بجعله الأمر شورى بين الستة قد خالف به من تقدمه كما هو زعم الشيعة الرافضة، لأن الخلاف نوعان، خلاف تضاد وخلاف تنوع، وما فعله عمر – رضي الله عنه – من النوع الثاني(37), وقد أقره على اجتهاده كل الصحابة ولم نسمع أحدًا عارضه، وقد بسطت ما ابتكره عمر من طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده في كتابي فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيته وعصره، فمن أراد التوسع فليرجع إليه مشكورًا.
2- ما قاله على في عمر بعد استشهاده: قال ابن عباس كما هو في صحيح البخاري: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعنى إلا رجل آخذ منكبي، إذا على بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدًا أحب إلى أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرًا ما أسمع النبي × يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر(38).
3- قول على في عمر: إن عمر كان رشيد الأمر: وها هو حرصه على عدم مخالفته بعد وفاته: عن عبد خير قال: كنت قريبًا من على حيث جاء أهل نجران قال: قلت: فإن كان رادًا على عمر شيئًا فاليوم، قال: فسلموا واصطفوا بين يديه، قال: ثم أدخل بعضهم يده في كمه فأخرج كتابًا فوضعه في يد على، قالوا: يا أمير المؤمنين، خطك بيمينك وإملاء رسول الله × عليك، قال: فرأيت عليًا وقد جرت الدموع على خده قال: ثم رفع رأسه إليهم فقال: يا أهل نجران، إن هذا لآخر كتاب كتبته بين يدي رسول الله ×، قالوا: فأعطنا ما فيه، قال: سأخبركم عن ذاك؛ إن الذي أخذه عمر لم يأخذه لنفسه، إنما أخذه بجماعة من المسلمين، وكان الذي أخذه منكم خيرًا مما أعطاكم والله لا أرد شيئًا مما صنعه عمر إن عمر كان رشيد الأمر(39), وهذه الحادثة أصل الفقهاء عليها قولهم: لا يرد القاضي اجتهاد قضاء من قبله عند على(40), وروى عنه أنه قال: اقضوا كما كنتم تقضون حتى تكونوا جماعة، فإني أخشى الاختلاف(41), وهو قول جمهور الفقهاء(42), وقد قال على: ما كنت لأحل عقدة شدها عمر(43).
4- إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك: لما فرغ على من وقعة الجمل، ودخل البصرة، وشيع أم المؤمنين عائشة لما أردات الرجوع إلى مكة، سار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الاثنين، لثنتى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فقيل له: انزل بالقصر الأبيض، فقال: لا، إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكرهه لذلك، فنزل في الرحبة وصلى في الجامع الأعظم ركعتين(44).
5- حب أهل البيت لعمر رضي الله عنه: إن من دلالة محبة أهل البيت الفاروق – رضي الله عنه – تسمية أبنائهم باسمه، حبًا وإعجابًا بشخصيته، وتقديرًا لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقرارًا بالصلات والودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم، فأول من سمى ابنه باسمه أمير المؤمنين على بن أبي طالب سمى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية عمر(45), وقد جاء في كتاب صاحب الفضول، حتى ذكر أولاد على بن أبي طالب: وعمر من التغلبية، وهى الصهباء بنت ربيعة من السبى الذي أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر، وعمَّر عمر هذا حتى بلغ خمسًا وثمانين سنة فحاز نصف ميراث على رضي الله عنه، وذلك أن جميع إخوانه وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قتلوا جميعهم قبله مع الحسين رضي الله عنه – يعني أنه لم يقتل معهم – بالطف فورثهم(46), هذا وتبعه حسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم فسمى أحد أبنائه عمر أيضًا(47), وكذلك الحسين بن على سمى عمر، ومن بعد الحسين ابنه على الملقب بزين العابدين سمى أحد أبنائه باسم عمر(48), وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظم سمى أحد أبنائه باسم عمر(49), فهؤلاء الأئمة من أهل البيت الذين ساروا على هدى النبي × ومعالم منهج أهل السنة والجماعة بسيرتهم العطرة يظهرون لعمر الفاروق ما يكنونه في صدورهم من حبهم وولائهم له بعد وفاته بمدة، وقد جرى هذا الاسم وكذلك أبو بكر وعثمان في ذرية أهل البيت ممن ساروا على مذهب الحق وهو منهج أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا، ونجد أسماء الصحابة وأمهات المؤمنين في البيوت الهاشمية التي التزمت بالكتاب والسنة، فقد سموا طلحة، وعبد الرحمن وعائشة وأم سلمة ونحن ندعو الشيعة اليوم إلى الاقتداء بعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة من آل البيت، فيسمون بعض أبنائهم وبناتهم بأسماء الخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين (50), نرجو ذلك.
6- عمر بن الخطاب جعله الله سببًا في ذرية الحسين بن على بن أبي طالب:أعطى – عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – للحسين بن على رضي الله عنهم من غنائم الفرس ابنة يزدجرد ملك الفرس، فولدت له زين العابدين على بن الحسين الذي لم يبق من أبناء الحسين غيره، وكل ذرية الحسين تناسلوا منه وينسبون إليه(51), فليحذر الذين يسبون عمر بن الخطاب ممن ينتسبون إلى الحسين، فلولاه بعد الله لما كان لهم وجود(52), كما أن عمر – رضي الله عنه – أعطى أختها لمحمد بن أبي بكر فكان عديلاً للحسين، وأنجبت له القاسم بن محمد بن أبي بكر فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلى بن الحسين زين العابدين ابنى خالة(53).
7- قول عبد الله بن الحسن بن على بن أبي طالب في عمر(54): عن حفص بن قيس، قال: سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين، فقال: امسح، فقد مسح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: فقلت: إنما أسألك أنت تمسح؟ قال: ذاك أعجز لك، أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي، فعمر كان خيرًا مني ومن ملء الأرض، فقلت: يا أبا محمد، فإن ناسًا يزعمون أن هذا منكم تقية، قال: فقال لي – ونحن بين القبر والمنبر-: اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمعن علىَّ قول أحد بعدي. ثم قال: من هذا الذي يزعم أن عليًا رضي الله عنه كان مقهورًا، وأن رسول الله × أمره بأمر ولم ينفذه؟ وكفى بإزراء على علىًّ ومنقصة أن يزعم أن رسول الله × أمره بأمر ولم ينفذه(55).
7). رضي اللـــ عنهم اجمعين وحشرنا في زمرتهم امين ـــــــــــــــــــــــه
المرتضى: ص (1418)، كنز العمال (7/105)، الإصابة (1/133). (2) المرتضى: ص (118)، الإصابة (1/106). (3) الخراج لأبي يوسف: ص (24، 25)، المرتضى: ص (118). (4) المختصر من كتاب الموافقة: ص 140. (5) المصنف لابن أبي شيبة (12/29) رقم 12047نقلا عن الشريعة للآجرى (5/2327) إسناده حسن. (6) المحلى (6/180)، مصنف عبد الرزاق (10/375) فقه على، قلعجي: ص (626). (7) فراخ الهام: فراخ الرأس على التشبيه. (8) المختصر من كتاب الموافقة: ص(138). (9) الفتاوى (5/270، 271). (10) الشيعة وأهل البيت: ص(105). (11) إسناده حسن، أخرجه الحاكم في المستدرك (3/142) صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي متعقبًا: منقطع، وأورده الهيثمي في (مجمع الزائد 9/173) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل وهو ثقة، وهناك من ضعفه. (12) الشيعة وأهل البيت: ص(105). (13) تاريخ الطبري (5/28). (14) البداية والنهاية (5/220). (15) تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين: ص(166). (16) المنتظم (4/131). (17) تاريخ الخميس نقلا عن زواج عمر من أم كلثوم لأبي معاذ: ص (19). (18) الإصابة لابن حجر: ص (276) كتاب الكنى وكتاب النساء. (19) الإصابة لابن حجر: ص (276) كتاب الكنى وكتاب النساء. (20) أسد الغابة (7/425). (21) أسد الغابة (7/45)، ونساء أهل البيت، منصور عبد الحكيم: ص(185، 186). (22) أخرجه ابن أبي شيبة: المصنف (14/567) إسناده صحيح. (33) عقائد الثلاثة والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني (1/140). (24) دلائل الإمامة: ص (26) نقلاً عن عقائد الثلاثة والسبعين (1/140). (25) الميزان للذهبي (1/279). (26) تهذيب التهذيب (2/47). (27) حقبة من التاريخ: ص(224). (28) مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص(252). (29) متع النهار: ارتفع قبل الزوال. (30) المراد أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف (31) التيد: الرفق، يقال:تيدك هذا، أي اتئد. (32) البخاري رقم 3094، مسلم 1757واللفظ للبخاري. (33) البداية والنهاية (7/142). (34) البخاري رقم 3700. (35) منهاج السنة (3/162- 164)، المنتقى: ص (362- 364). (36) منهاج السنة (3/162- 164)، المنتقى: ص(362- 364). (37) عقيدة أهل السنة (2/1042). (38) البخاري، رقم 3685. (39) معجم البلدان (5/269)، والمختصر من كتاب الموافقة: ص (139)، فقه الإمام على (2/813) نقل عن السنن للبيهقي، إسناده مرسل، الآجرى (4/1777) إسناده مرسل. (40) فقه الإمام على (2/813). (41) مصنف عبد الرزاق (10/329) نقلاً عن فقه الإمام على (2/813). (42) فقه الإمام على (2/813). (43) المختصر من كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة: ص (140) إسناده منقطع، ابن أبي شيبة في المصنف (12/33) رقم 12054. (44) تاريخ الخلافة الراشدة، محمد كنعان: ص (383). (45) تاريخ اليعقوبي (2/213)، الشيعة وأهل البيت: ص (133). (46) الفصول المهمة: ص (143)، الشيعة وأهل البيت: ص(133). (47) الشيعة وأهل البيت: ص(133). (48) االمصدر نفسه: ص (134). (49) المصدر نفسه: ص (135). (50) اذهبوا فأنتم الرافضة، عبد العزيز الزبير: ص (230). (51) عمدة الطالب في أنساب أبي طالب، الفصل الثاني عنوان (عقب الحسين) نقلاً عن: اذهبوا فأنتم الرافضة: ص (232). (52) اذهبوا فأنتم الرافضة ص (232). (53) سير أعلام النبلاء (6/256). (54) هو عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبي طالب, -أبو محمد الهاشمي كان ذا هيبة ولسان وشرف، وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز، توفى سنة 145هـ، الأعلام للزركلي (4/207)، تاريخ بغداد (9/431). (55) النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب لمحمد عبد الواحد المقدسي: ص(57).