بسم الله الرحمن الرحيم
أذكر الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]العنوان مثير للدهشة والغرابة.. وهذا ما شعرت به حين قرأته.. كتعليق على صفحة في الفيسبوك..
والقصة باختصار أنني أعدّ برنامجًا جديدًا للمقبلين على الزواج.. اسمه "عطريق الزواج".. وأقدّمه في إذاعة الفجر اللبنانية.. وقد عرض راعي البرنامج -أكاديمية الفرحة لعلوم الأسرة في دبي- هدية هي متابعة دورة "رخصة الزواج الناجح" لمن يربح في مسابقة "أقلهنّ مهرًا" التي أُعلِن عنها في البرنامج كتشجيع للتقليل من المهور بغية تيسير الزواج على الشباب..
طبعًا أحزنني تعليق الأخت على هذه المسابقة للوهلة الأولى.. ولكنني حين قرأت باقي تعليقها اتّضح لي أنها تعاني من مشكلة حصلت معها في حياتها الشخصية.. وفحواها أن زوجها أطلق لفظ الطلاق عليها "مازحًا"! ثم علما بعدها من شيخ أن الطلاق وقع.. مما دفع هذه الأخت إلى الذهاب للمحكمة ورفع مهرها حتى لا يتجرأ زوجها على التلفظ بالطلاق لا مازحًا ولا جادًا! وعلمَت الأخت بعد هذه الحادثة أن المهر حق للمرأة.. واعتبرته سلاحها.. وهو ليس حبرًا على ورق وإنما تدّخره المرأة لتحظى به عند "غدر الزوج أو الأولاد أو الزمن"! واعتبرت الأخت أننا بهذه الدعوة لتقليل المهور نسلب المرأة حقًا من حقوقها التي أقرها الشرع لها..
لفتني في حرقة تلك المرأة استنكارها لأمرين.. أن يصدر هذا النداء من امرأة قد تتعرّض هي نفسها لظلم، والأمر الآخر استشهادها بقصة المرأة وسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث قال: "أصابت امرأة وأخطأ عمر".
وفي حقيقة الأمر، فإنني حين اعترضت على غلاء المهور فإن ذلك لم يكن غلا لما أجد من أثره السلبي الشيء الكثير في إعراض الشباب عن الزواج.. خاصة الملتزم منه.. لأنه يدرك تمامًا أن المهر حق للمرأة يستحق بعد العقد لها أو بالدخول بها، وإن لم تطالبه به في حياتها الزوجية معه فهو يبقى دَينًا في ذمّة الرجل تستوفيه حال الطلاق أو الموت! وهو ليس حبرًا على ورق كما يحلو للبعض أن يعتقد مما يجعلهم يغالون فيه بطريقة غير واقعية وغير منطقية البتّة!
وبالنسبة لقصة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مع المرأة، فقد روى أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم واللفظ للترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "ألا لا تغالوا صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئًا من نسائه ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية". (صححه الترمذي والألباني).
أما زيادة اعتراض المرأة على قول عمر -رضي الله تعالى عنه- فلها طرق لا تخلو من ضعف ولا تثبت.. قال العلامة محمد بن إبراهيم: إن طرق القصة لا تخلو من مقال فلا تصلح للاحتجاج.
وإن عدنا إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فإننا سنجد أنه يشجّع على التقليل من المهر.. وحجّة المرأة التي خالفت عمر -رضي الله عنه- أن في الآية "قنطارًا" وأتساءل هنا.. هل يعقل أن الحبيب عليه الصلاة والسلام لم يتنبّه أن في الآية هذه الكلمة حين أوصى بتقليل المهور؟!
ففي صحيح مسلم أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئًا» قال: قد نظرت إليها. قال: «على كم تزوجتها؟». قال: على أربع أواق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك.. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه» قال: فبعث بعثا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم. (الراوي: أبو هريرة، المحدث:مسلم خلاصة حكم المحدث: صحيح).
وقد قال عليه الصلاة والسلام «خير الصداق أيسره» (الراوي: عقبة بن عامر، المحدث: الألباني خلاصة حكم المحدث: صحيح).
وقال: «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها» (الراوي عائشة المحدث:لألباني، خلاصة حكم المحدث: حسن)
وقال ابن القيِّم رحمه الله: "المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته، وسبب عسره".. وغيرها من الأحاديث والوقائع التي تثبت أن الأصل في المهور اليُسر.
وباعتقادي فإن المغالاة في المهور دليل إما على التفاخر أو عدم الثقة بالخاطب حيث تقول الزوجة أنها تربطه بها من خلال المهر الكبير فلا يطلّقها.. وهنا يحضرني سؤالان: هل فعليًا غلاء المهر يمنع الزوج من الطلاق؟ وهل ترضى الزوجة أن يكون ما يربط الزوج بها حفنة من مال عليه تأديته لها بدلًا من أن تكون مودة ورحمة وسكن يعيشانها حقيقة في بيت الزوجية؟!
إنّ كثرة حالات الخلاف التي تمر علينا تجعلنا نتأكد أن الزوج حين يعاف الحياة الزوجية الهانئة قد يلجأ إلى التعدد ولو سرًا.. وإن كان غير ملتزم بدين أو خلق فقد يعدد العلاقات ويخون! أما المهر الكبير فلا يقف عائقاً أمام "التخلص" من الزوجة حين يصل الأمر بالزوج إلى كره الرابط الذي يجمعه بزوجته.. وحينها قد يكون منه ما هو أشد وأبغض من غلاء المهر.. إذ يتحوّل إلى طاغية يضيّق على زوجته الخناق ويستفزها ويضغط عليها نفسيًا حتى تعافه وتبرأه من كل التزاماته مقابل أن يهبها حريتها لتتنفس من جديد!!
فإذًا غلاء المهور لا يحمي المرأة وإنما ما يحميها هو حسن اختيارها لزوجها.. وحسن تبعلها له.. لأنه إن كان سيئًا فلا المهر ولا غيره سيحميها من شرره إن تطاير!
ولئن تساءلت المرأة لِم نحن ضد المغالاة في المهور.. فلأن في ذلك أخطار جسيمة على المجتمع.. ولعل أهمها هو عزوف الشباب عن الزواج مما يؤدي إلى آثار سلبية وخيمة.. كارتفاع نسبة الفتيات غير المتزوجات.. وتفشّي الانحلال والعلاقات غير الشرعية بين الجنسين.. وانتشار الأمراض النفسية.. وانحراف أخلاقي وسلوكي.. وإشباع الغريزة الجسدية في قنوات غير مضبوطة.. والهجرة لتأمين الأموال في الخارج.. واللجوء إلى القروض الربوية للحصول على المال.. والخلافات الزوجية نتيجة الضائقة المادية في بداية الزواج بسبب الديون.. والزواج من خارج البلاد.. وغيرها الكثير.
وأجدني هنا بين طرفٍ وقد سلّط سيفه على الإسلام لأنه يأخذ "ثمن العروس" حين تزويجها وما أدرك أن المهر هو مكرمة للمرأة للحفاظ عليها وعلى حقوقها.. وبين طرفٍ آخر يريد رفع المهر توهماً منه أن هذا هو عين الحماية للمرأة من الطلاق ومن جور الزوج.. والناس بين هذا وذاك يتقلّبون.. وما تيقنوا أن الزواج مودة ورحمة.. وحوار وثقة متبادلة.. وسترٌ وسكن.. فإن لم يؤمِّن الحد الأدنى من هذه الأمور فلا حاجة للمرأة بعدها برجل يستمر معها لأنه مربوط بعقد يكلّف فضّه الملايين!
فإمّا عيشة هنية مستقرة.. وإما تسريحٌ عن تراض.
سحر المصرى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]