بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وفـقـكما الـلـه الحب يزيد وينقصأم عبد الرحمن محمد يوسف
(الحب في الحياة الزوجية يزيد وينقص مع المواقف، فلا توجد زوجة محبوبة على طول الوقت أو مكروهة كذلك؛ ولهذا فإن الله تعالى جعل أصل التعامل بين الزوجين قائمًا على المودة، وهي قمة التعبير عن الحب وعلى الرحمة.
فإن ضعفت المودة، وقلَّ الحب بقيت الحقوق محفوظة وظلت المروءات قائمة، فيكون إطار التعامل بين الزوجين الرحمة.
فأنت إن أحببتها لا تحتاج إلى من يوصيك بالمعروف، وإن كرهتها فإن الله ينبهك أن خزائنه ممتلئة، ومفاتيحها أن تعامل زوجتك ـ وإن كرهتها ـ بالمعروف، وعندها قد يجعل الله فيها خيرًا كثيرًا)قضية للنقاش: الحب سلوكيات عملية:نفتح سويًا خلال هذه الكلمات قضية في غاية الأهمية، تمثل مؤشرًا هامًا من مؤشرات الحب بين الزوجين، ولعلنا نشير إليها في هذا السؤال: هل يظهر الميل القلبي والحب في سلوكيات يلمسها الأزواج؟
إن ما يحمله الزوج من مشاعر الحب تجاه زوجته وكذلك ما تحمله أمر محمود يورث كليهما شعورًا بالرغبة في استمرار الحياة مع شريك حياته، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يحول الزوجان هذا الحب المكنون إلى سلوكيات عملية يلمسها كل منهما؟
وحتى نتحدث بصورة عملية فإننا سنورد بعض المظاهر التي تعبر بقوة عن الميل القلبي وترجمة الحب في سلوك عملي بين الزوجين، ولعل الأزواج يراجعون معي مدى تحقق هذه المظاهر في حياتهم ومدى قربهم وبعدهم عنها، فإن كانت واقعة في حياتهم فدليل خير، وإن كانت الأخرى فقد آن الأوان لتحويل تلك المظاهر إلى سلوكيات عملية في حياتنا الزوجية.
1- الصبر عن العسر:إن الله تعالى قد قسم الأرزاق، وقد يكون الزوج فقيرًا، أو غانيًا لكن أصابته فاقه، وقد تعودت زوجته على رغد العيش والإنفاق، فكيف تتعامل الزوجة في هذه الأحول؟ وكيف تترجم حبها الكامن في قلبها إلى سلوك عملي يلمسه زوحها؟ إن صبرها على زوجها ومساندتها له لهو مظهر من مظاهر الحب والميل القلبي.
وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كان زوجها فقيرًا، وكانت تساعده في أعمال البيت، وتعلف الفرس وتنقل النوى؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ) [رواه البخاري].
زينب وروعة المساندة:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة، فقال: (أيها الناس تصدقوا)، فمرَّ على النساء، فقال: (يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار)، فقلن: (وبم ذاك يا رسول الله؟)، قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) ثم انصرف.
فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: (يا رسول الله، هذه زينب)، فقال: (أي الزيانب؟)، فقيل: (امرأة ابن مسعود)، قال: (نعم، ائذنوا لها) فأذن لها، قالت: (يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) [رواه البخاري].
2- عندما تمرض الزوجة:قد تمرض الزوجة من بعد صحة وعافية، فيكون مرضها اختبارًا عمليًا لحب زوجها لها، هل يصبر على مرضها، ويسعى في خدمتها، أم يجزع ويتبرم؟ إن هذه الزوجة التي ترقد اليوم في الفراش هي ذاتها التي صبرت على زوجها وتحملته في العسر واليسر والصحة والمرض، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وحتى لو لم يأخذ الأمر شكل المقابلة والمعاملة بالمثل، فهناك بُعد إنساني يفرض ذلك على الزوج، والأهم من ذلك أن الحياة الزوجية تقوم على أساس المودة والبذل لإسعاد الآخر.
3- حلاوة الاسترضاء:إن استرضاء كل من الزوجين للآخر ـ في المباح ـ من أقوى مظاهر الميل القلبي، ولا أبلغ في الاستدلال على ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أطلع السيدة عائشة أُم المؤمنين رضي الله عنها على لعب الحبشة، فعن عائشة قالت: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو) [رواه البخاري].
4-لا لمفاجآت القدوم:ونقصد بذلك عدم مفاجأة الزوجة عند القدوم من السفر بأن يبلغها الزوج بموعد حضوره، فعن جابر بن عبد الله وهو راجع من غزوة قال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ما يعجلك؟)، قلتُ: (كنت حديث عهد بعرس)، قال: (أبكرًا أم ثيبًا؟)، قلت: (ثيبًا)، قال: (فهلَّا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)، قال: فلما ذهبنا لندخل، قال: (أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا [أي عشاءً]؛ لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) [متفق عليه].
(وقد حكت لي إحداهن، أن زوجها سافر وقد نوى المبيت، فنامت الزوجة بملابس البيت العادية وبدون أن تمشط شعرها ولا تضع عطرًا، وبعد قليل من نومها اتصل بها زوجها وقال لها: أنا راجع من السفر وأنا في الطريق، فقامت الزوجة بسرعة ولبست وتعطرت ومشطت شعرها ووضعت رتوشًا رقيقة من الزينة لتستقبل زوجها القادم من السفر.
فكيف الحال لو لم يتصل الزوج بها؟! فإنه فعلًا أحسن التصرف، وهي أيضًا أحسنت التصرف بعد معرفتها بقدومه) [كوكب السعادة، هيام محمد يوسف].
5- دلائل المحبة:كم مرة تقدم حاجة زوجتك على حاجتك ورغبة زوجتك على رغبتك؟ إن تقديم أمور زوجتك على الكثير من أمورك دليل عملي على حبك لها، وإننا لنلحظ ذلك السلوك في فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم)، فقال رجل: (يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج)، فقال: (اخرج معها) [رواه البخاري].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنما تغيب عثمان عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه) [[رواه البخاري].
مشاعر نبوية: الحب في بيت النبوة.لقد ضرب بيت النبوة أروع الأمثلة في الحب والألفة بين الزوجين، فها هي السيدة عائشة تخبر عن مشاعر الحب والألفة التي كانت تظل بيتها النبوي ، وكيف أنها كانت تشارك النبي صلى الله عليه وسلم متعه وملذاته وأفراحه، فتقول: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي) [رواه مسلم].
إن هذا التفاعل بين الزوجين يكون له أكبر الأثر في نفس الزوجين، وتوطيد العلاقة بينهما؛ فبه يسود الحب والحنان في الحياة الزوجية.
ونجد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مشاهد تعبِّر عن روعة الحب في حياة الزوجين الرائعين؛ الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة.
فكان صلى الله عليه وسلم (يقرأ القرآن في حجر عائشة، ويلعق أصابعها بعد الأكل، ويغتسلا سويًّا في إناء واحد، ويتسابقان خلف القافلة حيث لا يراهما أحد، ويدللها ويناديها: (يا عائش) [متفق عليه] كيف نصف هذه الحظات؟ إنها لحظات من الحب النادر، لم تمنعه أعباء الدعوة ولا تبعات الجهاد، ولا مكر الأعداء ولا الوقوف الدائم بين يدي الله، من أن يتفنن صلى الله عليه وسلم في إظهار مشاعره في كل لفتة أو همة) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(314)].
وبمثل هذه الترجمة الواقعية لحب النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته، نريد أن يكون الأزواج، فكل من الزوجين يريد من شريكه أن يترجم الحب إلى واقع عملي، ليس مجرد كلمات وشعارات.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: (أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يوصلها، حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: "على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي". [رواه البخاري].
ولعل قيام النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية رسالة منه لها تحمل في طياتها مشاعر الحب والحرص عليها والرغبة في البقاء معها لأطول وقت.