بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

شكل العمل السياسى بعد الاستفتاء - أحمد عز الدين

تنتهى غداً المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور، وفيما يأمل البعض فى أن يكون ذلك بداية مرحلة الاستقرار والتوجه إلى العمل والبناء، وتعويض ما نزفته مصر خلال عامين، يرى آخرون أنها بداية معركة جديدة فى حرب ممتدة ومتعددة المراحل.

الصراع السياسى فى مصر، كما فى غيرها من الدول، سيظل مستمراً، فتلك طبيعة الأشياء «ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.. ولذلك خلقهم». ولا يطلب أحد من السياسيين أن يتركوا العمل بالسياسة، أو أن تنضم المعارضة إلى الأغلبية، بل على العكس كلما كانت المعارضة قوية كلما أحسنت السلطة أداءها، وكلما كانت عين الرقيب بصيرة، قلت الأخطاء والتجاوزات.

لكن بما أن الصراع السياسى سيظل قائماً، فمن المهم تقنينه وتحديد أدواته وأساليبه، كما هو الحال فى الدول الديمقراطية المستقرة، بحيث لا يكون سبباً فى عرقلة بناء مؤسسات الدولة، أو انهيار اقتصادها أو مفاقمة مشكلات المواطنين.

بعد سقوط دولة الاستبداد، وإجراء انتخابات واستفتاءات تميزت بالمشاركة الشعبية الحرة، والنزاهة والشفافية، علينا أن ندرك أن شكل الصراع السياسى قد تغير، وأن أدواته يجب أن تتغير، وهناك عدد من المبادئ ينبغى أن تحكم هذا الصراع:

- التسليم بالإرادة الشعبية، فمن غير المقبول أن يصرح بعض الساسة، أو الزبائن الجدد فى عالم السياسة بأنهم يرفضون نتائج الاستفتاء حتى لو وافق عليه الشعب، وأنهم لن يقبلوا بدستور لم يشاركوا فى كتابته، ومن غير المقبول الطعن فى وعى الشعب المصرى ونضجه السياسى، بزعم أنه أمى لا يعرف القراءة والكتابة، فرُبّ أمىّ أوعى من مثقف، أو الطعن فى نزاهته ووطنيته، واتهامه ببيع دينه وذمته وأخلاقه وصوته من أجل زجاجة زيت أو كيس أرز. هذا الشعب هو المرجع والسند -بعد الله تعالى- وينبغى إجلاله وتوقيره فى مجمله، وإن كان فيه أشخاص لا يستحقون الإجلال والتوقير.

- طالما أن السلطة القائمة سلطة منتخَبة، فلا مجال لمحاولة إسقاطها أو الانقلاب عليها، ولا يكون تغيير السلطة إلا عبر صناديق الانتخاب، أما الذين يعيشون فى وهم استمرار الثورة والمطالبة بالتغيير الثورى طالما أنهم خارج السلطة، فعليهم أن يفيقوا من هذا الوهم.

- سلمية الصراع بين مختلف القوى السياسية، فلا اغتيالات ولا حرق مقرات ولا اتهامات بدون دليل.

- الالتزام الأخلاقى، وإعمال القانون، فحالات الانفلات والتسيب وتجاوز قواعد العمل وصلت إلى مرحلة تهدد كيان الدولة، وتحطم قيمها وأسسها، خاصة بعد أن طالت جهات كانت بحكم عملها أبعد ما تكون عن ذلك. ولا يتصور أحد أن تحاصر مجموعة من وكلاء النيابة مكتب النائب العام لإجباره على الاستقالة، كما أنه من المخجل أن يكتب بعض المتظاهرين على سور مقر رئاسة الجمهورية شتائم بحق الرئيس يعفُّ اللسان عن ذكرها.

- عدم التعجُل، فتاريخ بناء الأمم والشعوب لا يُقاس بالأيام ولا حتى الشهور ولكن بالأجيال، وليأخذ المتعجلون درساً من جماعة الإخوان المسلمين التى يزعم البعض أنها قطفت ثمرة ليست لها. فالجماعة ظلت تعمل لتحقيق مشروعها 84 عاماً، كانت فى معظمها سنوات معاناة شديدة، بينما يتصور البعض أن بإمكانه تحقيق مشروع بديل فى ظرف أسابيع.