بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين


بشار أصبح يرى نهايته بعينه \ السيد أبو داود

ليس تبسيطًا للأمور أن نقول: إن اليوم ليس كالأمس في سوريا، وما حققته الثورة السورية على الأرض إنجاز لا يمكن تغافله، والانتصارات شبه اليومية التي تحققها هذه الثورة المباركة، وكذلك الإخفاقات المستمرة لنظام بشار، وانحسار الأرض من تحت أقدامه، والتأييد السياسي والدبلوماسي العالمي للثورة السورية، والتعاظم التدريجي لقدرات الثورة... إلخ؛ كل هذا يجعل المسار أكثر وضوحًا، وهو أن الثورة السورية تسير في طريقها الصحيح، وأنها تلف الحبل تدريجيًّا حول عنق بشار ونظامه الهمجي الدموي الاستبدادي.

النهاية -التي باتت وشيكة لنظام بشار- جعلت الشائعات التي تقول بمقتل رأس النظام تتكاثر؛ فمرة تقول هذه الشائعات: إن طائرات أقلعت من مطار "المزة" إلى جهة مجهولة، ومنذ ذلك اليوم اختفى بشار وفُقد أثره في دمشق. ومرة تقول: إن أحد حراسه الإيرانيين قد أطلق النار عليه، وأن ومصيره غير معروف. ويتوافق تصديق هذه الشائعات غالبًا مع وجود حالات استنفار أمني عند محيط مَشفَى الشامي، وهو المشفى القريب من مقر إقامة بشار، والمخصص غالبًا لكبار المسئولين السوريين.
ولا يمكننا التقليل من الخطوة الكبيرة التي اتخذتها جامعة الدول العربية بمنح المعارضة السورية مقعد سوريا في الجامعة، فهذا نجاح سياسي ودبلوماسي كبير للمعارضة، وفي نفس الوقت خنق لنظام بشار. وقد ترجمت المعارضة السورية مكسبها السياسي الكبير بافتتاح سفارة لها في قطر، والمطلوب أن تبادر كل الدول العربية بخطوات مماثلة، أي بتسليم الائتلاف السوري المعارض سفارات سوريا في هذه الدول بعد طرد سفراء ودبلوماسيي نظام بشار.
لكن هذا الاعتراف العربي الرسمي ليس كافيًا، فالمعارضة السورية تقف اليوم أمام تحديين اثنين:
التحدي الأول: هو الحصول على اعتراف دولي مماثل، أي شغل مقعد سوريا في الأمم المتحدة، مع ما نعرفه عن موقف روسيا والصين بهذا الشأن.
أما التحدي الثاني: وقد يبدو الأهم، فهو جمع كل أطياف المعارضة تحت مظلة واحدة، والتحدث بصوت واحد، بدلاً من هذا الانقسام الذي نشاهده سياسيًّا وعسكريًّا.
ولو حدث هذا الاعتراف الدولي فإنه سيكون الطعنة قبل الأخيرة في رقبة نظام بشار؛ حيث سيساهم هذا الاعتراف الدولي في خنق وتهميش النظام السوري الدموي وحفر قبره.
مع هذه الأجواء، أصبحت جميع الأطراف تستعد من الآن لمرحلة ما بعد بشار؛ فهذا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي -أكبر الداعمين لنظام بشار- يحذر من انتصار الثوار في سوريا على نظام بشار، ويؤكد أن هذا السقوط سيترتب عليه حدوث كارثة كبرى ستؤدي في نهاية المطاف إلى احتلال سوريا بأكملها من قبل قوات الكيان الصهيوني. كما يرى المالكي أن انتصار معارضي بشار سيفجر حروبًا طائفية في بلاده ولبنان، ومن شأنه أن يخلق ملاذًا جديدًا لتنظيم "القاعدة" مما سيزعزع استقرار المنطقة. وسقوط نظام بشار -في رأي المالكي- من شأنه أن يخدم مصالح "إسرائيل" في المنطقة العربية.
ولو لم يكن المالكي متأكدًا من أن نظام بشار ينهار، وأن الثورة السورية تقترب من اليوم المحتوم، ما قال هذا الكلام، وإنما هو يدافع عن حليفه مستخدمًا "إسرائيل" و"القاعدة" للتخويف ليس أكثر، وإلا فإن الدولة الطائفية التي أقامها المالكي في العراق كانت في المحصلة النهائية دعمًا للمشروع الصهيوني وليس خصمًا منه أو تهديدًا له.
إن نوري المالكي رئيس وزراء العراق ومعه وإيران يقومان بدعم ومساندة النظام السوري؛ لمنعه من السقوط، من خلال إمداده بالوقود، والعملات الصعبة، واتفاقات تجارية سريعة بعدة مليارات من الدولارات، وتبييض أموال سورية منهوبة، وقطع غيار للآليات العسكرية، ومرتزقة من العصابات الشيعية، وممرات جوية وأرضية، وتنكيل بالنازحين المدنيين السوريين، وإغلاق الممرات في وجوههم. المالكي وإيران يفعلان كل ذلك من أجل أن يظل المجرم بشار وأن يستمر في سلطة لا شرعية له فيها.
وأمد المالكي رفيقه "بشار" بعصابات شيعية عراقية؛ للاشتراك في حرب قتل السوريين، وبذلك يكون المالكي متعدد المساعدات للأسد، وفي مقدمتها الاقتصادية والإرهابية، كما دفع العراق مبلغ 10 مليارات دولار لبشار؛ لإخراجه من أزمته جراء العقوبات الدولية المفروضة عليه، وهناك صفقات تجارية عراقية كبيرة مع سوريا؛ حيث يبلغ الرقم السنوي ما يزيد عن مليارَيْ دولار، وعلاوة على ذلك يقوم العراق بتمويل سوريا بالنفط الذي تحتاج إليه بشدة.
المهم أن المالكي يفعل كل ذلك لمنع سقوط النظام السوري المجرم، وقبل ذلك كان قد امتنع عن التصويت على قرار الجامعة العربية العام الماضي بتعليق عضوية سوريا وفرض عقوبات عليها، ورفض أيضًا إسقاط النظام بالقوة؛ خوفًا من التداعيات الإقليمية لسقوطه. ومع كل هذه المجهودات التي يقوم بها فإن المالكي أصبح يشك كل الشك في إمكانية استمرار نظام رفيقه بشار.
أما إيران -التي لولا مساعداتها لانهار بشار ونظامه منذ شهور طويلة- فقد وضعت خطة للسير بمقتضاها حال سقوط نظام بشار، وتعتمد هذه الخطة على "ميليشيا" موالية للنظام؛ حيث ساعدت إيران في إنشاء ما يطلق عليه اسم "الجيش الشعبي"، هذه "الميليشيا" ستعمل على حماية العلويين السوريين، حال لجوئهم إلى الشمال الغربي من البلاد على الساحل الغربي. كما أن إيران تجهز خطة أخرى في حال عدم تحقيق أي جانب نصرًا حاسمًا، وذلك مع الدعم الذي يحصل عليه كل جانب من أصدقاء دوليين أقوياء؛ حيث تتوقع إيران أن يتم تقسيم سوريا حسب خطوط الصدع الطائفية والعرقية مع وجود العلويين والأكراد والأغلبية السنية.
المقصد أن إيران -التي لم تكن تشك لحظة في انتصار حليفها بشار- أصبحت متشككة في الأمر، وهي تضع الاحتمالات والخطط المختلفة حتى لا تُفاجَأ بأي جديد لم تكن تتوقعه، وهذا لا ينفي أنها كثفت في الفترة الأخيرة الدعم لبشار، وهو ما يوحي بأن الحرب قد دخلت مرحلة جديدة تعلم إيران خطورتها.
أما روسيا، فإنها لم تعد مقتنعة ببقاء نظام بشار، ولم يعد دفاعها عنه قويًّا مثلما كان من قبل. وإذا كانت روسيا ترى أنه من الضروري أن يكون لها وجود على البحر الأبيض المتوسط بعد أن خسرت مصر وليبيا، فهي ترى أن هناك الكثير من المصالح لها في سوريا، مثل "قاعدة طرطوس" البحرية العسكرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي قد تخسرها خاصة بعد المصالحة بين تركيا و"إسرائيل"؛ حيث سيشكل ذلك عائقًا أمام وصولها نحو المياه الدافئة، كما أنها متخوفة من صعود تيارات إسلامية متطرفة، كما أن عدم التوافق بين أصحاب المعارضة يثير التساؤل الروسي حول مستقبلها.
ورغم أن السياسة الروسية تجاه سوريا تنطلق من الخطوط السابقة، إلا أنها لا يغيب عنها الواقع على الأرض، وهو قرب انتصار الثورة السورية، وعندها ستدفع روسيا الثمن غاليًا لموقفها المضاد للثورة؛ فالثوار السوريون يعتبرونها محتلة ومستعمِرة وباغية ومجرمة، وستفقد منطقة الشرق الأوسط لمواقفها المخزية، ولن ينسَوْا لها ما فعلته وما شاركت به في سفك الدماء.
روسيا ليست الاتحاد السوفييتي، وهي لم تعد الدولة العظمى التي تقرر نيابة عن العالم في تحديد مصير الدول الأخرى، ولابد أن يعاد النظر في عضويتها الدائمة في مجلس الأمن.
وفي النهاية، فإنه من المتوقع أن تتخلى روسيا عن نظام بشار؛ لأنه سينهار، ولن يُجدي الوقوف معه، وهي لن تساعد في إسقاطه ولكنها ستتخلى عنه وتبحث عن أية صفقة ممكنة في اللحظة الأخيرة للسقوط المدوي بإذن الله، إنها تقامر بسمعتها ومستقبلها بوقوفها مع الفاشلين.
المصدر: الاسلام اليوم