متى تبدأ حركة الجنين؟ وما هي أشكالها ومتى تشعر بها الأُم؟ وهل للجنين حواس: يتألم؟ ينام؟ يحلم؟ يبكي؟ أسئلة بقيت مبهمة إلى أن استطاع التطور الذي طرأ على أجهزة الالتراساوند الرباعي الأبعاد، فتح نافذة على رحم الأُم لكشف أسرار ذلك الكائن البشري، وفك غموضها. تبدأ حركات الجنين الأولى، التي تمكّن الأطباء من مراقبتها، ما بين الأسبوع السابع ومنتصف الثامن، وهي بالطبع غير محسوسة لدى الأُم، وتسبقها نبضات قلب الجنين. ومنذ هذه اللحظة تبدأ حياته العملية في رحم أُمّه، وتأخذ أشكالاً متعددة، وتكون تلقائية وعفوية، وتتطور ليبدأ الجنين بضم جذعه وفرده، ومن ثمّ ضم أطرافه أيضاً وفردها وتحريك جسده بكامله. وهذه الحركة الإجمالية للجسم تزداد قوة في الأسبوع الثامن حتى الثاني عشر، وأكثر ما يميزها أنّها تعطي إيحاء بالثقة العالية يحتفظ بها الجنين لنفسه دائماً. - الحازوقة: من الحركات الطريفة التي تمكن مراقبتها وتبدأ مع الأسبوع التاسع، الحازوقة التي تنتج عن انقباض في الحجاب الحاجز، يمكن أن يراقفه الأطباء من خلال حركات البطن، وتتكرّر عند الجنين ضمن فترات زمنية متقاربة وثابتة، ونادراً ما تحدث لمرة واحدة فقط. - التثاؤب: تبدأ حركات الفم عند الجنين في منتصف الأسبوع العاشر تقريباً، وهي متنوعة، وفي غاية الروعة، وتبدأ بتحريك الفك وأغلاقه، وبحركات شبيهة بالمضع، ثمّ يأخذ بالتثاؤب في منتصف الأسبوع الحادي عشر، فيفتح فمّه ويُرخي لسانه للأسفل، ويبقى على هذه الحالة لمدة ثانية إلى ثماني ثوانٍٍ حتى يعود إلى وضعه الطبيعي. وقد يتساءل بعضنا ما الذي يجعل الجنين يتثاءب؟ والجواب في منتهى البساطة، فالسبب الذي يدفعنا نحن البالغين والأطفال إلى التثاؤب هو ذاته لدى الجنين. كما يمكن أن يكون نقصاً في الأوكسجين المغذّي للدماغ في حالات النعاس والملل، وقليلاً ما يرتبط بالإرهاق، فيقوم الجسم بحركة لا إرادية للفم لتهيئة فرصة لإستنشاق أكبر نسبة من الأوكسجين. والتثاؤب ظاهرة قد ترتبط ببعض الحالات المرضية كفقر الدم، وبذلك تكون صفة مشتركة بين الأجنة الأصحاء والمرضى أيضاً. - المص والبلع: في منتصف الأسبوع الثاني عشر، تمكن ملاحظة المص والبلع عند الجنين، حيث يأخذ "يرضع" إصبعه ويضع يده على وجهه، ويفرد أصابعه ثمّ يضمها، و"يحط" يداً فوق الأخرى ويحرِّك قدميه، ويقوم بحركات بهلوانية ويمارس تمارينه الرياضية في محاولة لجذب انتباه أبويه، وليوصل رسالة صغيرة إلى محيطه الصغير بأنّه يملك شخصية منفردة واحتياجات خاصّة، حتى قبل أن يُتم الثلث الأوّل من الحمل. وكلّما اقترب الجنين من النهاية كانت تصرُّفاته أقرب ما يكون إلى حديثي الولادة. - النوم: برغم هذه الحركات والمشاكسات كلّها التي تبدأ في عمر رحمي صغير جداً، إلّا أنّ الأُم لا تشعر بها إلّا ما بين الأسبوعين السادس عشر والعشرين تقريباً. وما تحسّ به يشكِّل نسبة لا تُذكر من حركات الجنين الذي ينام ويستيقظ ويمارس نشاطاته، ويقوم بمعدل خمسين حركة في الساعة، بل إنّه يمر في مراحل النوم ذاتها التي نحتاجها نحن، فهو يشعر بالنعاس ويغرق في نوم عميق يرى خلاله أحلاماً تجعله يبتسم أو يمتعض، وفي كثير من الأحيان يغضب ويعقد حاجبيه، وهذا تمكن رؤيته في النوم واليقظة. وتتمحور مراحل النوم هذه وتأخذ شكلها النهائي مع تطوُّرات الدماغ عند الجنين، حتى تصبح مع اقتراب موعد الولادة متطابقة لتلك التي عند حديثي الولادة. والجدير ذكره أنّ الجنين في الأسبوع الـ32 تقريباً، ينام بنسبة 85-90% من يومه. ويبقى أن حركات الجفنين عنده تظهر بين الأسبوعين الثامن عشر والعشرين، إلا أن مراقبتها ليست بالأمر السهل. - الحواس الخمس: أمّا السؤال الأكثر تعقيداً، فهو: هل يحس الجنين، وهل يملك الحواس التي نملكها؟ * اللمس: أوّل حاسّة تظهر عنده هي اللمس، ويبدأ الإحساس بها في الوجه في الأسبوع السابع تقريباً، لننتقل بعدها تدريجاً إلى بقية أعضاء الجسم، فنجد الجنين يلمس وجهه بيده ويتلمّس جسده. * الذوق: ومع الأسبوع الرابع عشر، تتشكّل حاسّة التذوق لديه، فنجده يمص ويبلع، والأغرب من ذلك أنّه يتفاعل في سرعة بلع السائل الأمينوسي بناءً على النكهة الغالبة على هذا السائل، وتأخذ طابعها من غذاء الأُم. وقد بيّنت الدراسات أن البلع يكون أنشط حيال المذاق الأصلي. * السمع: وعلى خلاف ما يظن الجميع، تبدأ حاسّة السمع عند الجنين في وقت مبكر جداً، وتحديداً في الأسبوع السادس عشر، بالرغم من أنّ الأذن نفسها تأخذ شكلها النهائي في الأسبوع الرابع والعشرين، ومن ذلك، نستنتج أنّه عندما يحين موعد الولادة يملك الجنين قدرة سمعية مطابقة لتلك التي لدى البالغين، اكتسبها من "خبرته" التي مارسها ما يقارب الستة أشهر، أنصت خلالها إلى نبضات قبل أُمّه وتدفقات الدم، وكل ما كان يصله عبر جدار البطن والرحم، إضافة إلى صوت المعدة والأمعاء... وتمكن مراقبة الجنين على جهاز الالتراساوند وهو يهتز بشدة ويتفاعل مع المنبِّهات الصوتية القوية. واللافت في الأمر أنّه يولد وهو يفضِّل صوت أُمّه، كأنّه يحفظه ويدركه. وقد سُجلت حالات كان نبض الجنين يتباطأ فيها عند سماع والدته، فهو لا يصغي فقط، بل يميِّز الأصوات كذلك، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أن ملكة التعلّم تتشكّل عند الإنسان قبل أن يعانق العالم الخارجي. * البصر: حاسّة البصر هي آخر الحواس تشكّلاً عند الجنين، وقد أكّدت الأبحاث وجودها لديه من خلال تسليط ضوء قوي على بطن الأُم، حيث سُجلت خلالها استجابة من الجنين. لكن يمنع إجراء هذا الإختبار ما لم يكن الجنين جاهزاً لإستقبال مثل هذه المؤثّرات، حتى إن البعض عزا إلى هذا الأمر التلف الذي يصيب شبكية العين عند الخدّج، الذي أعاده الأطباء منذ زمن طويل إلى تركيز الأوكسجين العالي، وقالوا إن سببه الفعلي هو تعرُّض الخديج لدرجات عالية من الضوء في حين أنّه غير مهيّأ فعلياً لإستقبالها في هذه المرحلة العمرية. - الألم: على غير المتوقع، يتشكّل الإحساس بالألم عند الجنين في عمر رحمي مبكر، ويُلاحظ ذلك من خلال سحب السائل الأمينوسي عبر إدخال إبرة إلى الرحم. فإذا ما وخزت الجنين عرضياً، فإنّه ينسحب بسرعة في محاولة للهرب. وأكثر من ذلك، قد يهاجم الإبرة ليدافع عن نفسه، وهذه نتيجة تجارب عدة تم إجراؤها لإثبات أنّه يشعر بالألم بعدما أنكر جرّاحو الأجنة ذلك لوقت طويل. واللافت في هذا الإطار، أنّه قد تم تسجيل حالة بكاء لجنين في الأسبوع الثالث والعشرين.