يتفق الدعاة والعلماء والمختصون على أن من أسباب التحرش الجنسي ضعف الوازع الديني والتربية الخاطئة للرجل (أو المرأة)، وعدم إحترام الطرف الآخر باعتبار أنّ التحرش إعتداء لفظي ومعنوي وجسدي.. ويرجعونه أيضاً إلى عدم الإستثمار الجيِّد لأوقات الفراغ لدى الشباب، فضلاًعن ملابس العري الفاضحة التي ترتديها بعض النساء – هداهن الله – بزعم اتِّباع الموضة والإنتماء إلى العصر! وحول الآليات التربوية والسلوكية التي ينبغي اتِّباعها للحد من التحرش الجنسي، يقول د. محمد بولوز الباحث المغربي في العلوم الشرعية والإجتماعية": إنّ العفة أحد أركان الفضيلة التي يجب رعايتها من الجميع داخل الأسر وخارجها بمختلف الوسائل التربوية والتوجيهية وأشكال التنشئة الإجتماعية.. ولن تجد عفيفاً يقبل التحرش الجنسي تجاه نفسه أو غيره، سواء أكان قولاً أم فعلاً يحمل دلالات جنسية تجاه شخص لا يحل له، كما أنّ التحرش الجنسي ثمرة قلة الحياء أو انعدامه، ولن تجد حيياً يُقبل على هذا السلوك الشائن. ويضيف: إنّ الإنسان محصن أو غير محصن، فإذا تحركت شهوة المحصن تحركاً ذاتياً بسبب إثارة من عامل خارجي، التمس تصريف شهوته فيما يحل له من زوجاته، كما أرشد إلى ذلك رسول الله (ص).. وأما غير المحصن ومن لم تتيسر له سبل الزواج أو الإشباع الطبيعي به، فليس أمامه غير الصبر والتعفف وغض البصر وشغل وقته بالعبادة والرياضة وما ينفعه في دنياه وآخرته، حتى تتيسر له سبل الإشباع الغريزي بطريق الحلال.. قال الله عزّ وجلّ: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور/ 33). وقال رسول الله (ص): "يا معشر الشباب، مَن استطاع الباءَةَ فلْيَتزَوَّج فإنّه أغَضُّ للبصَر وأحصَنُ للفَرجِ ومَن لمْ يستطِعْ فعليْهِ بالصَّوْم فإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". ويؤكد الإختصاصي المغربي أنّ هذه المعاني وما في حكمها هي التي ينشأ عليها الناس ويُربَّى عليها الأطفال في الأسر والمدارس، وتكون مادة الثقافة والفن والإعلام المسموع والمكتوب والمرئي، ويُضاف إلى ذلك تجنب الإثارة، وتهييج الغرائز بالكلمات المثيرة والحركات والأوضاع المهيجة، والصور الفاضحة، والعري والتفسخ والتبرج الممقوت. ويقول: يجب تربية المرأة والفتاة على الستر والحياء، فقد قال عزّ وجلّ: (... فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ...) (الأحزاب/ 32)، وقال تعالى: (... وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى...) (الأحزاب/ 33)، وقال: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) (النور/ 31).. ويجب الحذر من زنى الجوارح ومقاومة ذلك والتقليل منه، وقد أمر الله جلّ وعلا الرجال والنساء بغضّ البصر في كل الأحوال، ونهى الجميع عن إشاعة الفواحش: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ...) (النور/ 19). ويؤكّد د. بولوز أنّ التحرش الجنسي ثمرة خبيثة لخواء روحي وتربوي وتنشئة فاسدة، وعنوان ضعف أخلاقي مريع في مجال العفة والحياء، وعلامة إفلاس في قيمنا الحضارية، ومؤشر على الإنتقال من فعل الفاحشة إلى الإعلان عنها.. ويرى أنّه "لابدّ من عمل مكثف في مختلف المستويات التربوية والإعلامية والثقافية والفنية والقانونية بإيجاد تشريعات مناسبة لإتساع الظاهرة لردع المستهترين بالقيم والأعراض، فقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". - تحرّش بالرجال! ومن قصص تحرش النساء بالرجال مباشرة ما حدث لأحمد وهو شاب وسيم لكنّه ورع ويتحرى الحلال في شتى مناحي الحياة، حيث فوجئ يوما برئيسته في العمل – وكانت سيدة مطلقة – وهي تطلب منه أن يظل في مكتبه ولا يغادره بعد خروج الموظفين بدعوى رغبتها في مراجعته في أمور تهم العمل. كانت المرّة الأولى التي تطلب منه ذلك، فوافق بحسن نية، لكنّه استغرب لطريقة رئيسته في مخاطبته، فقد ارتفع الحاجز "الرسمي" بينهما في الخطاب، وصارحته بأنّها معجبة بعمله وبوسامته وشهامته، فرفض الانصياع لوتيرة كلامها حتى لا ينساق وراء إغرائها، فوقفت عند هذا الحد، ووعدته بألا تفعل ذلك مرّة أخرى مقابل أن يصمت عما جرى. وافق الشاب ظناً منه أنها نزوة عابرة لرئيسته في العمل، وأنّها يمكن أن ترجع عن خطئها، لكنها بعد أيام فقط طلبت منه أن يأتي إلى مكتبها، وبعد أن أغلقت الباب اقتربت منه إلى حدود التماس مع جسده لتُسِر له بأنّها لا يمكن أن تظل محايدة أمامه، وفاجأته بطلب أن يزورها في البيت حيث تقيم وحدها مع خادمتها لإستكمال ما تبقى من الأعمال. هال الموقف المسكين ما سمعه من رئيسته في العمل، واضطرب وتغيّر لون وجهه، فألمحت إليه – بأسلوب الترغيب والترهيب – بأنّها ستغدق عليه مختلف أنواع الترقية الإدارية والمادية إذا وافق على رغبتها، لكنّها مقابل ذلك تستطيع أن تخرجه منبوذاً وبفضائح تلفقها له إذا شاءت في حال رفضه أو شكواه منها! وفكّر الموظف الشاب ملياً في كلام رئيسته في العمل، وفضل أن يتلقى خسائر دنيوية برفض عرضها المغري على أن يُصاب بخسائر أخروية لا يمكن جبرها بأية حال من الأحوال، وهكذا رفض "أحمد" عرض المسؤولة، مستعداً لأي مصير يمكن أن تلقيه في أتونه.