بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين التربية البدنية في الإسلام الحمد لله الكريم الوهاب , الرحيم التواب , غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب , يحب التوابين ويحب المتطهرين ويغفر للمخطئين المستغفرين , والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ,,, وبعد ..
* قال تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل )) , وقال تعالى: (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) , وقال: (( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )) وفي الصحيح قول النبي - - : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , وفي كل خير )) * فإن للرياضة اليوم في حياة الشعوب دوراً بارزاً , واهتمام بالغ , بحيث شغلت جزء كبير من أوقات الناس , وقد عني الإسلام بها , وشجع عليها من منطلق الدعوة للقوة , التي يحتاجها الفرد المسلم , ليحافظ على بقائه ويصد بها كيد أعدائه , ويدعو إلى إسلامه . * والأمم – قديما وحديثا – تقاس بمدى قوتها ورباطة جأش أفرادها , ومن هنا مدح القوة , وحمد صاحبها , فقال تعالى على لسان ابنة شعيب – – (( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين )) , وقال في حق طالوت الملك (( وزاده بسطة في العلم والجسم )) , وقال رسول الله – - : (( المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف )) . ولم يكتف الرسول بالتوجيه إليها وحث المسلمين على التحلي بها , بل كان بنفسه – – شجاعاً قوياً , يمتطي الفرس , ويتوشح السيف , ويطعن بالرمح , ويرمي من القوس , بل ثبت عنه – - أنه صارع , وراكض وحضر السباق والنضال وكافأ عليه .فلنا به - - قدوة حسنة .
* يريد الإسلام أن يربي الإنسان من الناحية الجسمية على ثلاثة عناصر أساسية: الأول الصحة ، ثم العافية , ثم السلامة من الأمراض , على أن يكون الإنسان معافاً في بدنه ، كما جاء في الحديث (من أصبح منكم معافاً في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). عافية البدن أول مقومات الحياة الآمنة الهادئة ، وكان النبي يسأل الله العفو والعافية ، فيقول (أفضل ما أوتي الإنسان اليقين والعافية) ويدعو الله في قنوته ويقول (وعافني فيمن عافيت) ويقول بين السجدتين ، (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني). فسلوا الله العفو والعافية والمعافاة، في الدين والدنيا والآخرة .
* الرياضة في الحياة اليومية للمسلم * فالرياضة في الإسلام موجهة نحو غاية، تهدف إلى القوة ، وهي في نظر الشارع وسيلة لتحقيق الصحة والقوة البدنية لأفراد الأمة ، وهي مرغوبة بحق عندما تؤدي إلى هذه النتائج على أن تُستر فيها العورات وتحترم فيها أوقات الصلاة . وإذا كان رسول الله - r - قد دعا إلى ممارسة رياضة معينة كالرمي والسباحة و ركوب الخيل ، فإن الرياضة بجميعها تهدف إلى تحقيق الهدف الذي أشرنا إليه . وقد تبنى الإسلام حتى في صلب عباداته ما يشجع على تحقيق أفضل مزاولة للتربية البدنية: - فنحن إذا تمعنا في حركات الصلاة نجد أنها تضمنت تحريك جميع عضلات الجسم ومفاصله ، وهي حركات تعتبر من أنسب الرياضات للصغار والكبار، للنساء والرجال، لدرجة أنه لا يستطيع أي خبير من خبراء التدريب الرياضي أن يضع لنا تمريناً واحداً يناسب جميع الأفراد والأجناس والأعمار ويحرك كل أعضاء الجسم في فترة قصيرة ، كما تفعل الصلاة . وأكدت الدراسات الطبية أن حركات الصلاة من أنفع ما يفيد الذين أجريت لهم عمليات انضغاط الفقرات (الديسك) وتجعلهم يعودون سريعاً إلى أعمالهم. - ونرى في أعمال الحج أيضاً رياضة بدنية عظيمة خلاف ما تحمله من رياضة روحية فأعمال الحج تتوافق مع ما يحتويه نظام الكشافة بحذافيره ، ففي رحلة الحج مشي وهرولة وطواف وسعي ، وسكنى خيام وتحلل من اللباس الضاغط إلى لباس الإحرام ، مما يجعل الحج رحلة رياضية بحق ، فهي وإن كانت في أساس تشريعها رحلة تسمو بالحاج إلى الأفق الأعلى ، فهي في برنامجها رحلة تدريب بدنية تقوي الجسم وتعزز الصحة. ونحن نجد في حياة النبي r وفي تربيته لأصحابه ، بل في صميم التشريع الإسلامي سبق واضح على التربية البدنية الحديثة ، والتي أصبحت تمارس اليوم في جميع الدول الراقية كجزء من حياة البشر , كما دخلت في فروع الطب ، وغدت تمارس وقاية وعلاجاً تحت اسم " الطب الرياضي ". والطب الرياضي أحد التخصصات الحديثة جداً وهو يبحث في الخصائص الغريزية لكل لاعب ، وأثر التدريبات البدنية على أجهزته المختلفة للتقدم في فن التدريب واختيار أفضل أنواع الرياضات التي تناسب إمكانيات الفرد الجسمية ، وفي أساليب الطب الطبيعي لعلاج الأمراض . ورغم أن الطب الرياضي لم يكن معروفاً قبل الإسلام ، فإن اختصاصي العلاج الطبيعي: مختار سالم ، يعتبر أن النبي r قد وضع اللبنة الأولى لبناء هذا العلم عندما شكا إليه قوم التعب من المشي ، فأوصاهم النبي r بمزاولة " الهرولة " وهو الجري الخفيف ، فتحسنت صحتهم وكفاءتهم الحركية واستطاعوا المشي لمسافات طويلة دون تعب .
* من مسابقات النبي – صلى الله عليه وسلم - : 1/ من مسند الإمام أحمد , من حديث عائشة – رضي الله عنها- أنها قالت : (( سابقني النبي – r – فسبقته , فلبثنا حتى أرهقني اللحم فسابقني فسبقني , فقال : هذه بتلك )) . 2/ وفي سنن أبي داوود , أن النبي - r - , صارع ركانة بن يزيد قبل إسلامه , وقد كان من أشد الناس , فقال : يا محمد إن صرعتني آمنت بك , فصرعه النبي r , فقال : أشهد أنك ساحر , ثم أسلم بعد ذلك . 3/ وفي صحيح البخاري , عن سلمة بن الأكوع قال : مر النبي - r - على نفر من أسْلَمْ ينتضلون بالسوق , فقال : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً . 3/ روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي - r - : (( ما على أحدكم إذا لج به همه , أن يتقلد قوسه فينفي بها همه )) وهذا الحديث نظير لقوله - r - : (( عليكم بالجهاد , فإنه باب من أبواب الله يدفع الله به عن النفوس الهم والغم )) .
[رياضة النفوس ] ولا نكتفي برياضة البدن , بل هنالك رياضة النفس , فتكون رياضة النفس بالتعلم والتأدب والفرح والسرور والصبر والثبات والإقدام والسماحة وفعل الخير ونحو ذلك , ومن فوائد الرياضة : [ فائدة رياضة الصلاة ] : ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن وإذابة أخلاطه و فضلاته ما هو من أنفع الأعمال التي فيها من حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة , وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة ومن أنشط شيء للبدن والروح والقلب , كما في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن هو استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة ثانية فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس و إلا أصبح خبيث النفس كسلان )) [ فائدة رياضة الصوم ] : وفي الصوم الشرعي من أسباب حفظ الصحة ورياضة البدن والنفس ما لا يدفعه صحيح الفطرة . [ رياضات أخرى ] : وكذلك الحج وفعل المناسك , وكذلك المسابقة على الخيل وبالنصال والمشي في الحوائج , وإلى الإخوان وقضاء حقوقهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم والمشي إلى المساجد للجمعات والجماعات , وحركة الوضوء والاغتسال وغير ذلك . وهذا أقل ما فيه الرياضة المعينة على حفظ الصحة ودفع الفضلات وأما ما شرع له من التوصل به إلى خيرات الدنيا والآخرة ودفع شرورهما فأمر وراء ذلك . فعلمت أن هديه فوق كل هدي في طب الأبدان والقلوب وحفظ صحتها ودفع أسقامهما ولا مزيد على ذلك لمن قد أحضر رشده وبالله التوفيق .
لا يمنع الإسلام اللهو بمختلف « الألعاب » , بل يرى ذلك أمرا مشروعا , يحتاج إليه الفرد , وتحتاج إليه الجماعة . ولو لم يكن الهدف منها إلا التسلية , أو الترويح , أو الإضحاك . بل هناك بعض أنواع من الألعاب , يحث الإسلام عليها , مثل الألعاب التي تدخل في فنون الرياضة , أو الفنون العسكرية , لما فيها من تقوية الأجسام , واكتساب المهارات , وتنمية القدرات . وقد شرع الإسلام عيدي الفطر والأضحى , بديلين ليومين كان يلعب فيهما الأنصار في الجاهلية .
* إنما يتحفظ الإسلام على بعض ألعاب التي تتنافى مع مقاصده وأحكامه , والتي لا يرضَى الانحراف عن هذه الآداب في ممارسة الرياضة , وفي إقامة المباريات فما يمنعه الإسلام من ألوان اللعب مثل :
1/ الألعاب التي تقوم على المخاطرة الشديدة دون ضرورة إليها , مثل : الملاكمة , لما فيها من شدة إيذاء النفس بلا حاجة ؛ أما المصارعة فقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا معروفا بقوته يسمى (ركانة) فصرعه النبي أكثر من مرة.
2/ الألعاب التي تظهر فيها أجسام النساء - أي ما لا يحل رؤيته منها - أمام الرجال الأجانب أو العكس , كما في حالات السباحة والجمباز ونحوها , وينبغي أن يكون لهن مسابح وملاعب خاصة , لا يدخلها ولا يراها الرجال .
3/ ولا يرضَى ديننا عن الألعاب الجماعيّة التي يشترك فيها الجنسان، ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور يَنهَى عنها الدِّين.
4/ ولا يرضى عن الألعاب التي تثير الشّهوة وتحدث الفتنة ، كرياضة الرّقص من النساء حين تُعرَض على الجماهير..
5/ الألعاب التي تقوم على الخداع والاحتيال على الناس , لأكل أموالهم بالباطل . ولا عن الألعاب التي تقوم على السحر الحقيقي , فإنها من « السبع الموبقات » ويحرم تعليمه أو ترويجه في الناس
6/ الألعاب التي تعرض الحيوانات أو الطيور للإيذاء , مثل صراع الديوك أو الكباش . وقد ثبت النهى عن التحريش بين البهائم . فلا يجوز للإنسان أن يتلهى بمنظر الدماء تسيل من هذه العجماوات , ومن لا يرحم لا يرحم .
7/ الألعاب التي تقوم على الحظ وحده , مثل لعب النرد , وهو الذي يسميه أهل مصر « الطاولة » بخلاف ما يقوم على إعمال الذهن مثل الشطرنج , فالراجح جوازه بشروط .
9/ الألعاب التي فيها استخفاف بكرامة الإنسان , أو السخرية به , أو جعله أضحوكة أو « مسخرة » للآخرين , سواء أكان شخصا معينا أم فئة من المجتمع , كالعميان أو العرجان , أو ذوى اللون الأسود , أو أصحاب مهنة معينة . إلا في حدود ما يجيزه العرف العام ( يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى آن يكونوا خيراً منهم ) .
10/ المبالغة في اللعب , على حساب أمور أخرى , فإن اللعب من « التحسينيات » فلا ينبغي أن تطغى على الحاجيات , فكيف بالضروريات ؟ .
11/ لا يرضَى أن يلهوَ الشباب بها إلى حدِّ نسيان الواجبات الدينيّة والوطنيّة والواجبات الأخرى ، ولا يرضَى أن نصرِف لها اهتمامًا كبيرًا يغطِّي على ما هو أعظم منها بكثير.
12/ ولا يرضى أن نمارِس الرياضة بشكل يؤذِي الغير، كما يمارس البعض لعب الكرة في الأماكن الخاصّة بالمرور أو حاجات الناس ، وفي أوقات ينبغي أن تُوفَّر فيها الراحةُ للمحتاجين إليها. والإسلام نَهى عن الضَّرر والضِّرار.
13/ لا يرضى التحزُّب الممقوت ، الذي فرَّق بين الأحبّة ، وباعد بين الإِخوة ، وجعل في الأمّة أحزابًا وشيَعًا ، والإسلام يدعو إلى الاتّحاد ، ويَمقُتُ النِّزاع والخلاف.
14/ لا يرضى أن توجَّه الكلمات النابية من فريق لآخر، ويَكره التصرّفاتِ الشاذّة التي لا تَليق بإنسان له كرامته. وبشخص يشجع عملًا فيه الخير لتكوين المواطن الصالح جِسميًّا وخُلُقِيًّا.
15/ لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تَليق به، ولا تتناسب مع غيره في تكوينه وفي مهمّته، ورسالته في الحياة.
وذلك أن الإسلام حين يُبيح شيئًا ويُجيزه يجعل له حدودًا تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتّسق مع الحكمة العامّة للتشريع ، وفي إطار هذه الحدود يجب أن تُمارَس الرياضة، و إلا كان ضررُها أكبرَ من نفعها، وذلك مَناط تحريمها. وكل المباحات مقيدة بعدم الإسراف , فإن الله لا يحب المسرفين , ومشروطة بألا تشغل عن واجب ديني أو دنيوي . والمطلوب من المجتمع المسلم - كما هو مطلوب من الفرد المسلم - أن يوازن بين المطالب , وأن يعطي كل ذي حق حقه .
|