بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
ذلك مكرهم وما تخفي صدورهم أكبر
إن المطلع على حقيقة الأمر للعالم الغربي الصليبي يتأكد له بالدليل القاطع أن الهدف الحقيقي من وراء إثارة الحوار الشعبي الفرنسي وغالب الشعوب والحكومات الأوربية وخاصة اليمينية المتطرفة الحالية حول مسألة الحجاب الذي أصبح ظاهرة حقيقية ما هو إلا إظهار الحقد الدفين على الإسلام كدين ومن ثم أتباعه المسلمين الذين أصبح لهم تمثيل فاعل بدأ يظهر شيئا فشيئا في هذا العصر.

نبدـأ الرحلة من هولندا التي تعد من أكثر الدول الأوروبية التي تميز بين مواطنيها على أساس الدين، فالمسلمون مستهدفون بشكل خاص, فقد كشف تقرير للمركز الهولندي لرصد مظاهر التفرقة العنصرية عبر شبكة الإنترنت أن تلك المظاهر تزايدت في المواقع الهولندية بنسب كبيرة للغاية، وأن المسلمين هم أكثر الفئات تضررًا من التفرقة العنصرية على تلك المواقع، وهو ما اعتبره ناشط هولندي مسلم "نتيجة حتمية للسياسة المتبعة من قبل الحكومة والسياسيين الهولنديين تجاه المسلمين".
وقد أكد التقرير على أن المسلمين هم الفئة الأكثر تعرضًا للتفرقة العنصرية إذ تضاعف تقريبًا عدد المواقع التي احتوت على دعوات صريحة مناهضة للإسلام والمسلمين.
تتبنى السلطات الهولندية حملة لرفع النقاب والحجاب مع العلم بأن عدد المسلمون هناك تجاوز المليون،حيث قام مدير إحدى المدارس برفض السماح لطالبة محجبة بدخول المدرسة، وبرر موقفه بأنه يؤمن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة،و أن الحجاب للمرأة يرمز للظلم الواقع على عاتقها حسب زعمه.
كذلك بدأت هولندا في تنفيذ قانون لحظر ارتداء النقاب, إذ أوصت دراسة أعدها مجلس الوزراء الهولندي بتطبيق هذا القانون تحت مزاعم أن هذا النقاب يسيء للمرأة، ويذكّر بالقرون الوسطى حينما تسير امرأة في الشارع مغطاة تمامًا، وهذا في عرفهم يمثل إهانة لكل من يؤمن بالمساواة في الحقوق، في خطوة لخنق كل ما هو مرتبط بالإسلام من زي شرعي أو شعائر دينية.
وتعتقد محامية هولندية مسلمة أن هذا الحظر لن يكون من شأنه سوى تعزيز العنصرية السائدة في الوقت الراهن، وتشجيع المزيد من النساء على ارتداء النقاب كأسلوب احتجاجي، مضيفة: "نحن نخشى كثيرًا أن ما سيبدأ بفرض حظر على النقاب سينتهي بفرض حظر على الحجاب, فالدولة التي كانت من قبل تشتهر بتسامحها أصبحت تشتهر بجهلها".
جدير بالذكر أنه عندما خرجت وزيرة المواصلات والمياه الهولندية بتصريح قالت فيه: "إنها ترحب بوجود وزيرة ترتدي الحجاب داخل الحكومة، وإنها تعتبر مسألة ارتداء الحجاب أمرًا يتعلق بالحرية الشخصية، وأيدتها حينذاك إحدى العضوات في الحزب الديمقراطي في هذا الرأي قائلة: "إن من حق المرأة أن تختار ارتداء الحجاب أم لا."، ثارت المعارضة الهولندية ضدهم، ونشبت حرب كلامية بين عدة شخصيات سياسية وحزبية من العنصر النسائي كانت وسائل الإعلام مسرحًا لها.
ولعل هذه الأفعال ليست بغريبة على السلطات التي سمحت بتعاطي المخدرات المصنوعة من نبات القنب وممارسة الدعارة علنا، كما اتخذت عدة إجراءات أمنية مشدّدة بالتنسيق بين وزارتي الخارجية والعدل والاستخبارات من شأنها حرمان المسلمين من الاشتراك في أندية التدريب على رياضات الغوص أو الطيران أو الرماية وإطلاق النيران، وذلك ضمن حزمة من الإجراءات التي تتخذها هولندا تحت مزاعم ما يُسمّى بـ"مكافحة الإرهاب". .
وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن المرأة الهولندية المسلمة مازالت مصرة على التمسك بحقها في ممارسة شعائر الإسلام فتقول إحدى مسلمات هولندا في محاولة للتعبير عن غضبها الشديد من قرار حظر ارتداء النقاب: "سأرتدي قناعًا كقناع الجرّاحين، حتى لا أخالف تعاليم الإسلام .. أو أرتدي واحدًا من تلك الأشياء التي كان الناس يرتدونها وقت انتشار مرض سارس إذا اضطررت لذلك". ,كما أنها عبرت عن تمسكها بتعاليم الإسلام وحبها الشديد في الالتزام بقولها: إنها اختارت ارتداء النقاب بدافع حبها لله، وهو الحب الذي تريد أن تريه للعالم بأسره.
وقد قامت مجموعة من المسلمات اللواتي يعشن في هولندا إنشاء أول مؤسسة لحماية المرأة المسلمة المحجبة من التعرض للاضطهاد والعنصرية حيث ترفض كثير من المحلات التجارية،والشركات توظيف المحجبات.
وتقوم المنظمة في حال رفض عمل المحجبات في شركة أو وظيفة ما، بإرسال لجنة موفدة تمثلها إلى صاحب العمل، والسعي لإقناعه بالحسنى،بأن الحجاب لا يشكل عائقا لطاقة المرأة أو قدرتها على العمل،وأنها تلبسه برغبتها، وليس تنفيذا قهريا لأوامر الرجل المسلم.
وهكذا مضت الحكومة الهولندية في طريق محاربة الحجاب والعمل على تنفيذ قانون حظر النقاب في الأماكن العامة، مسوغة لذلك بأن ارتداء النقاب يمثل انتهاكًا للنظام العام ولحرية المواطنين ويعرض السلامة العامة للخطر.
أما في ألمانيا حيث لم يكن الأمر أقل منه في هولندا وقد بدأت حرب الحجاب إذا جازت لنا هذه التسمية منذ أن أقرَّ المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر قانونًا في الاتجاه نفسه، وفعل مثلما فعلت عدد من الدول الأوربية التي قامت بحملة صليبية أوروبية أخرى ولكنها من نوع جديد تلك هي الحرب ضد الحجاب.
وقد كانت مروة الشر بيني أحدث ضحايا هذه الحملة حيث قتلت كما يعلم الجميع داخل إحدى المحاكم الألمانية في مدينة دريسدت على يد متطرف ألماني بعد مشادة جرت بينهما, اتهم خلالها هذا المتطرف المرأة المسلمة بالإرهاب بسبب ارتدائها الحجاب بالرغم من أن الحجاب الذي كانت ترتديه ما كان إلا غطاء للرأس فقط! .
وقد كشفت دراسة حديثة في ألمانيا عن المضايقات التي يتعرض لها مسلمو ألمانيا في مواقع عملهم بالشكل الذي يحول دون ممارستهم شعائرَهم الدينية التي منها ارتداء النساء المسلمات للزي الإسلامي في القطاعات العامة بشكل طبيعي مثل باقي الطوائف الأخرى.
ومنذ أيام قامت مجلة "دير شبيجل" الألمانية بعرض لمقال حول الصعوبات والمشاكل التي تواجه المرأة المسلمة في ألمانيا خلال بحثها عن العمل، الغريب أن المقال كشف بوضوح أن هذه الصعوبات لا تقتصر على المرأة المسلمة الأجنبية بل إنها تواجه حتى المرأة الألمانية التي ارتضت الإسلام دينًا له.
وقد ذكر المقال أمثلة لتلك الصعوبات حيث تعاني الأكاديميات المسلمات المحجبات الحاصلات على الشهادات العليا من عدم وجود فرص عمل مناسبة. والنتيجة المعتادة في مثل هذه الحالات أن تقبل السيدات المسلمات بالعمل في الأسرة كربة منزل بدلًا من الحصول على وظيفة متخصصة تتناسب مع مؤهلها الدراسي التي حصلت عليه.وبهذه الطريقة تختفي قوة عمل مؤثرة وذات قيمة من سوق العمل الألمانية على حد قول الصحيفة.
كما أوردت الصحيفة مثال آخر عن فتاة نشأت بمدينة ميونيخ الألمانية وأصبحت طبيبة أسنان وسافرت إلى ماليزيا وفي خلال نصف عام أنهت مدة تدريبها كمساعدة طبيب ومن ثم رغبت في أن تستقل بنفسها وتبدأ في ممارسة مهنتها، وقد بدت كشابة ألمانية نشيطة بمعطفها الأبيض ودراستها لطب الأسنان لم يكن سوى حلًا اضطراريًا لجأت إليه حتى يتسنى لها العثور على وظيفة بعد التخرج وإنهاء التعليم حيث إنها كنت تعي جيدًا أن المرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب لن تجد أبدًا وظيفة للعمل في أكثر المهن ملائمة لها كالتدريس على سبيل المثال هي ترتدي الحجاب.
لذلك فقد لاقت العديد من الصعوبات والمشاكل من أجل العثور على وظيفة في تخصصها، وبعد عناء ومشقة فهي تقوم الآن بالعمل كمساعدة طبيب بدون أجر تقريبًا بعد أكثر من 130 محاولة للعمل لدى طبيب عربي والذي لم يجد غضاضة في أن يعترف لها بالواقع الألماني حين قال لها: "إن لم يكن العمل معي يناسبك فلتذهبي إلى أي مكان آخر فلن يقبل بك أحد وأنت بحجابك".

وقد صفت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان في العالم منع بعض الولايات الألمانية ارتداء الزي الإسلامي للمرأة المسلمة في المدارس الحكومية بأنه مخالف لقواعد حقوق الإنسان وانتهاك صريح لحرية الفرد وبالتالي تمييز عنصري للمرأة المسلمة تحت شعار ما يطلق عليه الاستقلالية.
وأشارت المنظمة بتقرير وزعته إن الكثير من النساء المسلمات اللواتي يحملن شهادات جامعية عليا لم يعدن يجدن العمل المناسب لهن جراء ارتدائهن الحجاب كما ساهمت ممارسة العنصرية هذه إرغام الكثير من النساء المسلمات مغادرة ألمانيا للبحث عن لقمة العيش من خلال إيجاد عمل مناسب لدراستهم في بلاد لا تمارس سياسة معادية للمرأة المسلمة.
وطالبت المنظمة الحكومة الألمانية والبرلمان والمحكمة الدستورية العليا وحكومات الولايات الألمانية بإعادة تغيير سياستهم تجاه المرأة المسلمة إذ من يطالب حكومات دول أخرى في العالم بإرساء الحريات العامة والديمقراطية ويطالب دولًا إسلامية بإعطاء المرأة حقوقها يجب عليه تطبيق هذه الحريات في بلاده.
وأضافت:" أن مطالب بعض الولايات الألمانية من المرأة المسلمة الاختيار بين الحجاب والوظيفة يعتبر إكراها ينافي قرارات منظمة الأمم المتحدة التي تنص على حق الفرد باختيار معتقده.
يذكر ان 12 ولاية ألمانية أصدرت قرارًا يمنع المعلمة المسلمة ارتداء الحجاب أثناء مزاولتها عملها في المدارس.وقد بلغ الحقد على الإسلام في ألمانيا مداه عندما تعرضت طالبة طب مسلمة في ألمانيا لاعتداء وجرحت من قبل مجهولين على خلفية ارتدائها الحجاب وأكد رئيس شرطة مدينة جوتنجن، أن أربعة رجال عنفوا الطالبة المسلمة وأهانوها بشعارات مناهضة للأجانب، ثم دفعوها إلى الأرض وداسوها بأقدامهم خسئوا وخابوا,وقد ذكرت أنباء إعلامية أن المسلمة البالغة من العمر 24 عاما أصيبت بجروح وتورمات جراء الهجوم حيث كانت الطالبة المسلمة في طريقها من مكتبة الجامعة إلى سيارتها عندما هوجمت من قبل المجهولين الأربعة.
إن الذين يدوسون الحجاب، ليس في ألمانيا فقط,فقد هبت تلك العاصفة الصاخبة حول موضوع حجاب المرأة المسلمة كإحدى المشاكل العويصة في المجتمع الدانمركي،إثر اقتراح رئيسة حزب الشعب الدانمركي -وهو أحد الأحزاب اليمينية العنصرية- بمنع ارتداء الفتيات دون18سنة الحجاب في المدارس الشعبية .
إن مسألة الهجرة والأجانب والحجاب ليست بقضية جديدة، لا في الدانمرك ولا في الدول الغربية الأخرى، وقد كانت ولا تزال جزء من السياسة الأمريكية في محاربة الإرهاب الإسلامي المزعومة.

لقد تعرضت الجالية الأجنبية والمهاجرين إلى هجوم كبير من قبل الحزب اليمني المذكور، إذ أن معظم الجالية الأجنبية مسلمين ويدافعون عن الإسلام ,حتى وصل هجوم أحد نواب الحزب الشعبي الدانمركي اليميني المتطرف إلى حد وصف الحجاب كرمز استبدادي مثله مثل الصليب النازي المعقوف والرموز الشيوعية .
وعلى أثر ذلك الهجوم قام الحزب المحافظ الدنمركي بفرض قانون لحظر ارتداء النقاب,و بالرغم من أن المبادرة التي تقدم بها الحزب المحافظ الدنمركي لحظر ارتداء النقاب قد قسّمت البرلمان إلى حزبين؛ مؤيد ومعرض، إلا أن أحد استطلاعات الرأي قد أظهرت التأييد الشعبي لمبادرة المنع.
فقد أظهر استطلاع للرأي أن 56 % من الشعب الدنمركي يؤيد منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، إضافة إلى التأييد الكبير من قبل الليبراليين والمحافظين وحزب الشعب والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
هذا وقد أثيرت مسألة الحجاب في الدانمرك بعد ترشح فلسطينية مسلمة محجبة دنمركية على قائمة أحد الأحزاب اليسارية. وقد أدى ترشحها إلى خلق أجواء من التوتر والسجال الحاد داخل هذا الحزب اليساري وعموم المجتمع الدنماركي ، بين مؤيدين لترشحها ،و معارضين .
و ادعى هذا الحزب أن أسماء –وهي الفتاة التي ترشحت في البرلمان الدانمركي- حاجة إلى مراجعة أخصائيين نفسيين لأنها_ حسب رأي الحزب_ تعاني من عقد نفسية،وهذا بحد ذاته انتهاك سافر بحق تلك الفتاة.
من ناحية أخرى وفي تطور ملحوظ لقرارات الحكومة الدنمركية بفرض الرقابة الصارمة على المدارس الإسلامية الخاصة، بقصد التأكد من خلوها من الأفكار المناقضة للديمقراطية والحرية الغربية - أعلن وزير التعليم الدنمركي "برتيل هاردير" زيارة 25 مدرسة خاصة منها 22 مدرسة إسلامية؛ بقصد التأكد من خلوها من التطرف، ولدعم القيم الغربية.
وليست أمريكا بمنأى عن هذه الحرب فقد منعت الولايات المتحدة الأمريكية الحجاب لفترة من الزمن ،حيث قضت محاكمها بتأييد فصل العديد من الطالبات المحجبات ، والآن تتعرض النساء المحجبات للاعتداء والمضايقات من قبل الشعب الأمريكي نتيجة لما تشنه وسائل الأعلام من كون الإسلام دين إرهابي يجب القضاء عليه.
عجيب أن هؤلاء القوم يذرفون دموع التماسيح على حرية المرأة المسلمة ويكيدون لها ليل نهار بحجة أنهم يريدونها حرة وما الحرية التي يبغونها للمرأة المسلمة إلا تركها بلا حسيب ولا رقيب تلبس لتتحول إلى رقيق أبيض يشبع شهواتهم الدنيئة هم ومن على شاكلتهم.
وهكذا تحوّل حجاب المرأة المسلمة في الغرب إلى ظاهرة أصبحت تؤرّق كثيرًا من الساسة والمثقفين بل وكافة طوائف المجتمع الغربي اللذين يخشون أن تكون فريضة الحجاب المنتشرة في أوروبا والتي تلتزم بها المحجبات المسلمات منطلقًا باتجاه تكريس الفرائض الأخرى،وهو ما تخشاه أوروبا وبدأت تدقّ لأجله الدوائر المعادية للإسلام في الغرب نواقيس الخطر.