بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
تركيا تدرس تكلفة التصعيد مع سوريا / ترجمة: هاني عبد القوي
بعد فتره طويله من الدفء والتقارب ، ازدهرت الروابط بين تركيا وسوريا ووصلت الى أفاق جديده فى عام 2009 ، حين بدأ الرئيس السورى بشار الأسد ورئيس الوزراء التركى رجب طيب اردوجان فى توطيد العلاقات الثنائيه بين البلدين والدخول بها الى مرحله جديده ، فقد تم رفع القيود على تأشيرات الدخول وازدهرت التجاره البينية بين البلدين بعد شهر من اللقاءات التى عقدت على مستوى رفيع أثمرت عن انشاء اتفاقية مجلس التعاون الاستراتيجى السورى – التركى والتى ساعدت على اجراء الاتصال المباشر بين البلدين للمره الأولى مما نتج عنه سلسه من المعاهدات . وقد تم عقد اجتماعات على مستوى الوزراء كما اجريت تدريبات عسكريه مشتركه فى عام 2009 والعام الذى تلاه ، وتكمن اهمية تلك التطورات انها جاءت بعد عقود من الصراع والتوتر الذى صاحب الحرب البارده بين البلدين والذى كادت ان تنشب الحرب بسببه مرتان وقد بدأت كل من سوريه وتركيا من ذلك التاريخ فى العمل معاّ نحو الوصول لمستقبل علاقات أكثر وداّ وأزدهاراّ .

وفى شهر مارس من العام الحالى انقلب الحال وبدات تزول وتتبخر امال التقارب والتعاون بيم البلدين حين أطلق بشار الاسد قواته على المتظاهرين الديمقراطيين ضده .

وفى البدايه حاول القواد الأتراك استثمار العلاقات الدبلوماسيه الجيده بين البلدين لايجاد حلول سلميه ، فقد قام اروجان بالاتصال بالاسد مراراّ كما عاتب اخوه ماهر الاسد لاستمراره فى ممارسه عمليات القمع وذلك أملاّ فى ان ينأى بشار بنفسه عن معترك النظام السياسى ويوقف عمليات العنف ضد شعبه ( جريده تودايز زمان عدد 10 يونيو ) ، الا ان الوضع تفاقم وقامت القوات المواليه للأسد بمهاجمه السفاره التركيه فى دمشق فى الثالث عشر من يونيو كما قام المسئولين السوريين باتهام الاتراك ان توجهاتهم تأتى من واشنطن ، وردت تركيا بالسماح للمعارضه السوريه بتنظيم انفسهم داخل اسطنبول ، وذلك كله مع تواصل جهود الحل الدبلوماسيه .

وفى اغسطس الماضى قام السفير التركى لدى سوريه بزيارة مدينه حماه التى قام الاسد بتدميرها وأعلن ارودجان فى اليوم التالى عن انفراجه وشيكه لذلك الموقف المتأزم حيث ادلى بتصريح قال فيه " انه من الجديد بالذكر ان مبادراتنا قد اثمرت عن نتائج ايجابيه فقد قام سفيرنا بزياره مدينه حماه وأفاد أن دبابات الجيش وقوات الامن بدات فى مغادرة المدينه واضاف اردوجان ان ما وعد به الاسد من اصلاحات سوف يتحقق خلال أيام معدوده " ( وكالة الأنباء الفرنسية في العاشر من شهر أغسطس 2011) . ومع ذلك ، فلم تحدث أى اصلاحات ملموسه بل ان العنف قد تصاعد .

وقد اعرب اردوجان فى سبتمبر الماضى عن ان العلاقات بين البلدين قد تدهورت وتم تعليق الاتصالات بينهما مما قضى على المكاسب الدبلوماسيه التى تحققت فى عام 2009 .

وادى الهجوم على السفاره والقنصليات التركيه فى سوريه فى الاونه الاخيره وتحديداّ فى العاشر من نوفمبر الماضى الى قيام وزير الخارجيه السورى بتقديم الاعتذار كما ادى كذلك الى قيام وزير الخارجيه التركي بعقد لقاء مع المعارضه السوريه .

ان موقف تركيا اليوم يعتبر موقف " عدائى " ولكنه يتم بضبط النفس.

وبعد ما ادعت وسائل الاعلام القوميه السوريه التابعه للنظام ان ما يجرى فى مخيمات اللاجئين السوريين فى تركيا يعتبر عمليات عزل لللاجئيين واغتصاب وتعذيب ، تعهد اردوجان بالقيام بزيارة تلك المخيمات وهدد بفرض عقوبات أحادية الجانب على سوريه (جريدة حرية وقناة العربيه بتاريخ 21 اكتوبر ).

وفى أواخر شهر اكتوبر السابق قامت وزارة الخارجيه التركيه بتصعيد الامور حينما رتبت لقاء مجموعه من الصحفيين مع العقيد السورى المنشق رياض موسى الاسعد وهو قائد " الجيش السورى الحر " الذى يقود المقاومه ضد سوريه انطلاقاّ من الاراضى التركيه ( انظر نشره الارهاب الموجزه عدد 14 اكتوبر ) .

كما تغيرت لهجه أردوجان بشكل كبير فى هذه الاونه حيث اشار الى المعارضه السوريه انها " المقاومه المجيده " ( انظر جريده تودايز زمان عدد الاول من نوفمبر ) .

وفى شهر سبتمبر السابق حذر رئيس الوزراء التركى الرئيس السورى بشار الاسد "ان عصر الأنظمه السياسيه القمعيه قد ولى" ( قناه الجزيره-17 سبتمبر ) .واخذت الصحافه التركيه نفس منحى اردوجان فى مهاجمة سوريا .

ومما زاد من تعقيدات الموقف بين البلدين ، الهجمات الارهابيه التى قام بها الانفصاليون الاكراد التابعين لحزب العمال الكردستانى على تركيا والتى يعتقد الكثيرون فى تركيا انها تمت بايعاز من سوريه وايران رداّ على موقف تركيا المتصلب من سوريه.

ومما يساعد فى تهدئه الموقف السياسى لتركيا تجاه سوريه ويجعل موقفها يبدوا سلبياّ بعض الشئ، خشيتها من توابع المواجهه مع سوريه ، فبرغم ان ميل اردوجان نحو ارضاء شعبه سيدعم اتجاهه لادانة وحشية الرئيس السورى نحو شعبه الا انه عند الكشف عن وجود متمردين سوريين فى تركيا قامت وزارة الخارجية التركية بكبح جماحهم والحد من تأثيرهم ، وبالرغم من التهديدات التى تلقتها تركيا منذ عدة اشهر فانها لم تقم بفرض عقوبات على سوريه خوفا من الخسائر التى قد تلحق برجال الاعمال الاتراك أيضاّ من جراء ذلك ، ومما يزيد الامر وضوحاّ عدم التزام اردوجان على الوفاء بوعده وزيارة المخيمات السوريه فى تركيا . وذلك ان المسئولين الاتراك يقومون بدفع حساب تكلفه التصعيد المحتمله على سوريه ويعلم الاتراك جيدا انه اذا اقدمت تركيا على تشجيع قلب النظام الحاكم السورى فسيؤدى ذلك بسوريه وحليفتها الوحيده ايران للرد بدعم حزب العمال الكردستانى فى المناهض للحكم التركى .

ومع الرغم من ان العلاقات بين البلدين تشهد مزيدا من التدهور الا ان المواجهه العسكريه تظل أمراّ بعيد الاحتمال . وذلك ان ضرب حزب العمال الكردستانى المناهض لتركيا يتطلب عملاّ عسكرياّ فى العراق بدلا من سوريا وكذلك مهاجمه نظام بشار الاسد لتشجيعه للارهابيين الاكراد يمكن يتسبب فى نشوب حرب شامله بالاضافه الى ان ذلك لا يحظى بتأثير شعبى داخل تركيا .

وبعد اجراء المزيد من الحوارات يبدو أن تركيا لم تعد تهتم بأنشاء منطقه عازله للسكان على الحدود السوريه . وقد اعترف فى شهر اكتوبر الماضى وزير الخارجيه التركى احمد داود اوغلو أن خيارات المواجهه العسكريه مطروحه على طاولة النقاش وان لم يكن من بينها خيار الغزو العسكرى ( جريدة الحريه عدد 7 اكتوبر) . وفى الوقت الذى يشير فيه اردوجان الى اعتبار سوريه ( مشكله داخليه تركيه ) (جريدة ميليت عدد 31 اكتوبر) فانه تبرز فى الوقت ذاته أصوات اخرى معارضه لهذا الاتجاه داخل الجيش التركى فقد رفض رئيس هيئة الاركان التركى نجدت اوزيل فى مقابله تلفزيونيه فى شهر اكتوبر السابق اعتبار أن القلاقل والاضطرابات التى تحدث فى سوريه هى فى المقام الاول تخص تركيا (جريدة ميليت عدد 31 اكتوبر)

ويبدو جلياّ انه توجد عدة أسباب تجعل من التصعيد العسكرى مع سوريا أمراّ بالغ الكلفه بالنسبه للقاده الاتراك ومن تلك الاسباب احتمال اندلاع حركات ارهابيه وكذلك التعقيدات الذى تتسم به الحلول العسكريه واخيرا التهديدات التى لا يمكن التنبؤ بها . وفى الوقت الذى يتوقع فيه أن تستمر عمليات الادانه التى تقوم بها تركيا لفتره الا ان نقطه التحول للتصعيد العسكرى قد تأتى بعد عده اشهر .

ان مشكلة تركيا ان سوريا تعتبر الجار الوحيد لها الذى يتمتع ببعض النفوذ فى المنطقه وتربطه كذلك علاقات اقتصاديه مع تركيا والتى يمكن ان تنقطع لتنتعش العلاقات السابقه مع الدول اخرى .

وبالتالى فان دولاّ اخرى سوف تضغط على تركيا لاتخاذ اجراءات حاسمه تجاه سوريا ولكن فى النهايه يظل الخيار العسكرى هو الأبعد فى الوقت الراهن .

المصدر: مفكرة الاسلام