بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وفي نهاية العشر الأواخر؛ كان من هديه صلى الله عليه وسلم إخراجُ زكاةِ الفطر لا من أول الشهر؛ صاعًا من طعام، مما يأكلُه أهل البلد، من أرز أو قمح..، ولا تجزئ النقود والفلوس، كما لا تجزئُ ألوفُ الدنانير والدراهم عن الصلوات المفروضات أو التطوعات،فإنَّ زكاة الفطر ما شُرعت إلا جبرًا لما اقترفه الصائم مما يخدش صومه، وإطعاما للمساكين في يوم العيد، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ:
(فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ) رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والحاكم (1/409).
فهي تطهِّر وتجبر ما حصل للصائم أثناء صيامه من تجاوزات وأخطاء، بمنـزلة سجود السهو في الصلاة، وسجود السهو لا يكون إلا في آخر الصلاة قبل التشهد أو بعده.
وهي فريضة بنصِّ الحديث عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما في حديث ابنِ عباس السابق وابنِ عمر التالي، ففي سلسلة الذهبِ؛ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛
(فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ). رواه مسلم
لذلك تُخرَج صبيحةَ العيد وجوبا، أو ليلتَه استحبابا، أو قبلَه بيومٍ أو يومين ترخُّصاً، (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ). البخاري (1511).
فلا ينبغي إخراجُها من أولِ الشهر أو من وسطه، بل قبل العيد بيوم أو يومين، وتجب على المسلمين لا يستثنى منهم أحد، الصائم والمفطر، والكبير والصغير. وتعطَى لأهل العَوَز والحاجة، والأرحام كالإخوة والأخوات، والعمومة والخئولة أولى من غيرهم، ثم الجيران الأقرب فالأقرب. ولا يجوز شراؤها إذا وجدتَها تباع، ولا استردادُها بمقابل أو بغير مقابل.
****************
* الاستعداد لعيد الفطر: من السنة صلاة العيد في العراء، خارج المساجد، ويحضرُها الأطفالُ والنساءُ بدون استثناء، والاستعدادُ له بالنظافةِ وطيبِ الرائحة، وجديدِ الملابس أو نظيفِها، وإدخالِ السرورِ على الأهل، والأرحام والأقارب والجيران، والفقراء والمساكين، مع خلوِّ القلوب من الحسدِ والأحقادِ والضغائن، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل الهجرة فوق ثلاثة أيام، فإن التقيا فسلم أحدهما فرد الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يرد؛ برىء هذا من الإثم، وباء به الآخر"، وأحسبه قال:
"وإن ماتا وهما متهاجران؛ لا يجتمعان في الجنة". صحيح الترغيب (2760) (صحيح لغيره)
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من هجر أخاه فوق ثلاثٍ فهو في النار؛ إلا أن يتداركه الله برحمته". رواه الطبراني، وحسنه لغيره في صحيح الترغيب ح(2761).
وعن أبي حراش؛ حدردِ بن أبي حدردٍ الأسلميِّ رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"من هجر أخاه سنة؛ فهو كسفك دمه". رواه أبو داود والبيهقي، صحيح الترغيب ح(2762).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
(لا يتهاجرُ الرجلان قد دخلا في الإسلام؛ إلا خرجَ أحدهما منه، حتى يرجع إلى ما خرج منه، ورجوعه أن يأتيه فيسلم عليه) رواه الطبراني موقوفا بإسناد جيد، صحيح الترغيب ح(2764): (صحيح لغيره موقوف)
اللهم تقبل حسناتنا، وتجاوز عن سيئاتنا، واعذرنا بعلاتنا، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا. واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.