بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين شرحبيل بن حسنةنسب شرحبيل بن حسنة وقبيلته :شرحبيل بن حسنةشرحبيل بن حسنة وهي أمه وهي عدوية، وهو ابن عبد الله بن المطاع بن عمرو من كندة حليف لبني زهرة، ويكنى أبا عبد الله. أسلم شرحبيل قديمًا بمكة، وهو من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية.
أهم ملامح شخصية شرحبيل بن حسنة :وكان يتميز بالشجاعة والإقدام، يشهد له بذلك جهاده مع رسول الله ومع الخلفاء الراشدين من بعده، ويكفي أن يذكر التاريخ عنه أنه فاتح الأردن، وأنه كان لجهاده في أرض الشام أثر كبير في اندحار الروم ونشر الإسلام في تلك الربوع.
وكان صريحًا لا يخشى في الحق أحدًا، فقد خطب عمرو بن العاص لما انتشر مرض الطاعون بالشام فقال: إن هذا الطاعون رجس فتفرقوا في هذه الشعاب، وفي هذه الأودية. فبلغ ذلك شرحبيل فغضب، وجاء وهو يجر ثوبه معلقًا نعله بيده[1].
وقال شرحبيل بن حسنة لعمرو بن العاص: إن الطاعون وقع. فقال عمرو بن العاص: إنه رجس، فتفرقوا عنه. قال شرحبيل بن حسنة: إني قد صحبت رسول الله وعمرو أضل من جمل أهله -وربما قال شعبة: أضل من بعير أهله- وإنه قال: "إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا ولا تفرقوا عنه". قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص، فقال: صدق[2].
وكان يجيد القراءة والكتابة، فقد كان من كُتَّاب الوحي.
من مواقف شرحبيل بن حسنة مع الرسول :حدث موقف يدل على حبه للنبي، وأنه يفضله على نفسه؛ فعن الشفاء ابنة عبد الله قالت: جئت يومًا حتى دخلت على النبي فسألته وشكوت إليه، فجعل يعتذر إليَّ وجعلت ألومه قالت: ثم حانت الصلاة الأولى، فدخلت بيت ابنتي وهي عند شرحبيل بن حسنة، فوجدت زوجها في البيت فجعلت ألومه وقلت: حضرت الصلاة وأنت هاهنا. فقال: يا عمه، لا تلومني كان لي ثوبان استعار أحدهما النبي. فقلت: بأبي وأمي، أنا ألومه وهذا شأنه. فقال شرحبيل: إنما كان أحدهما درعًا فرقعناه[3].
وكان شرحبيل هو الذي أخذ أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان من الحبشة بعد أن تزوجها رسول الله، وقد زوجها إياه عثمان بن عفان وهي بنت عمته أمها ابنة أبي العاص، زوجها إياه النجاشي وجهزها إليه وأصدقها أربعمائة دينار وأولم عليها عثمان بن عفان لحمًا وثريدًا، وبعث إليها رسول الله شرحبيل بن حسنة، فجاء بها.
من مواقف شرحبيل بن حسنة مع الصحابة والتابعين :إن أبا بكر الصديق لما حدث نفسه أن يغزو الروم لم يطلع عليه أحد، إذ جاءه شرحبيل بن حسنة فجلس إليه فقال: يا خليفة رسول الله، تحدثك نفسك أنك تبعث إلى الشام جندًا؟ فقال: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أطلعت عليه أحدًا، وما سألتني عنه إلا لشيء. قال: أجل يا خليفة رسول الله، إني رأيت فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق حرشفة (الحرشفة: الأرض الغليظة) من الجبل، ثم أقبلت تمشي حتى صعدت قنة (قنة: القن بالضم الجبل الصغير) من القنان العالية، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة (دمثة: دمث المكان وغيره كفرح سَهُل ولان، والدماثة سهولة الخلق) فيها الزرع والقرى والحصون، فقلت للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله، وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة.
فشد المسلمون وأنا فيهم معي راية فتوجهت بها إلى أهل قرية فسألوني الأمان فأمنتهم، ثم جئت فأجدك قد جئت إلى حصن عظيم ففتح الله لك وألقوا إليك السلم، ووضع الله لك مجلسًا فجلست عليه، ثم قيل لك: يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] إلى آخرها، ثم انتبهت فقال له أبو بكر: نامت عيناك، خيرًا رأيت، وخيرًا يكون إن شاء الله.
ثم قال: بشرت بالفتح ونعيت إليَّ نفسي، ثم دمعت عينا أبي بكر، ثم قال: أما الحرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حتى صعدنا إلى القنة العالية فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا، وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون، فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش، وأما قولي للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة، فإن ذلك دنوّ المسلمين إلى بلاد المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم وقبولهم، وأما الراية التي كانت معك فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها واستأمنوا فأمنتهم، فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك، وأما الحصن الذي فتح الله لي فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالسًا فإن الله يرفعني ويضع المشركين، قال الله تعالى ليوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100]، وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ عليَّ السورة فإنه نعى إليَّ نفسي، وذلك أن النبي نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة[4].
ومن مواقفه مع التابعين أن شرحبيل بن حسنة أغار على ساسمة مصبحًا، فقال لمن معه من المسلمين: صلوا على الظهر. فمر بالأشتر يصلي على الأرض. فقال: مخالف خالف الله به. ومضى شرحبيل ومن معه، فاستحوذ على ساسمة فخربها، فهي خراب إلى اليوم[5].
استشهاد شرحبيل بن حسنة :قيل: مات شرحبيل بن حسنة يوم اليرموك[6]. ويقال: إنه طعن هو وأبو عبيدة بن الجراح في يوم واحد، ومات في طاعون عمواس وهو ابن سبع وستين،