بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
سوريا.. استراتيجيَّة القتل البطيء! / ترجمة: حسن شعيب
بينما كان يختبئ من الجنود في حقل قرب حيّه, شاهد الشاب أسفل الشارع شيئًا أشبه بالقطة, والتي أُطلقت عليها النار فجأة فأردتها قتيلة, وقد وقع هذا عندما لاحظ زهير وجود قناص على سطح قريب, وفي الوقت ذاته يقول زهير كان هناك أب وولده يسيران في الشارع ولم يشاهدا الرجل المسلّح.
في البدء أطلق القناص النار على الولد, وعندما حاول الوالد أن يحمل ابنه أُطلق عليه الرصاص هو الآخر, لقد كان الاثنان من بين 700 ضحية للقناصين والقصف والإعدامات الميدانيّة, ومعظمهم من الرجال, منذ اقتحام القوات الموالية للرئيس بشار الأسد ضاحية داريا في دمشق في نهاية شهر أغسطس, وهي إحدى المدن الموجودة على لائحة متصاعدة من المدن والقرى السوريّة التي تدخل سريعًا إلى دائرة الضوء في العالم, لتحلّ مكانها بلدة أو مدينة أخرى عندما يتمّ ارتكاب عمليَّة قتل جماعي أخرى.
على عكس المجزرة التي ارتكبتها القوات الحكوميَّة السوريَّة قبل ثلاثة عقود في مدينة حماة, والتي قُتل فيها ما يزيد على عشرين ألف شخص خلال 3 أسابيع فقط, تشير التقارير إلى أن الفظائع والأعمال الوحشيَّة من إراقة الدماء التي تنتشر منذ شهور في سوريا, وهذا ما حمل البعض أن يصف حملة الحكومة بأنها "حماة بشكل بطيء".
يذكر أنه في العام الماضي, وبينما كانت القوّات تحاصر مدينة حمص, بدأ الناشطون بإرسال تغريدات منها "حمص 2011= حماة 1982, و لكن بشكل بطيء", ومع اتجاه الصراع إلى مزيد من الدمويَّة في كلا الطرفين, فإن الأمر نفسه يمكن أن يقال حول البلاد برمتها, حيث تقول أم حسام, أم سوريَّة لخمسة أطفال تدير متجرًا صغيرًا في مدينة داريا القديمة: "لقد قاموا بقتلهم بضربة واحدة في حماة؛ ولكن الأمر يمرّ معنا في مراحل, لقد كنا نتوقع أنهم سوف يقتلون لإرهاب الناس, ولكن ليس لهذا المستوى من الوحشيَّة".
بعد ظهور مقاطع الفيديو لجثث الأطفال بعد المجزرة التي ذهب ضحيتها 108 أشخاص في الحولة في مايو, فقد حدث هناك احتجاج دولي بسيط وطردت العديد من الدول الأوروبيّة السفراء والدبلوماسيين السوريين, لكن بعد أقل من أسبوعين في مدينة قُبير, قتل 78 شخصا وطُرد مراقبو الأمم المتحدة عندما حاولوا للمرة الأولى زيارة المدينة, وفي الأسبوع الماضي قال الناشطون إن 36 مدنيًا أُعدموا في يلدا في ضواحي دمشق.
وبالمثل, كما لم تكن عمليات القتل الجماعيّة في مجزرة حماة من قبل من أجل سحق المعارضة فقط ولكنها كذلك من أجل التأكد من أن الأجيال القادمة لن تفكر في الثورة كما يقول محمد شحادة, ناشط من مدينة داريا, كما يُرى أن هناك دوافع شريرة خلف الزيادة في عمليات القتل في كل عمليَّة قتل جماعي تقع, مضيفًا: "لقد كان تكتيكا ذكيًا من جانب النظام حيث التأكّد من عدم وجود أي صدمة دوليَّة, ولكننا نرى أن لدى العالم خطًا أحمر فضفاضًا إلى أبعد الحدود, والمعارضة تقدر أعداد القتلى إلى ما لا يقلّ عن 27 ألف شخص, والعدد في تزايد".
من جانبه يقول أبو كنان, ناشط مقيم في داريا: "إن الأمور تزداد سوء, عندما خرجنا في البداية في المظاهرات, قام الجيش بقتل 3 أشخاص, ومن ثمَّ بدأوا بمداهمة البيوت وقتلوا 10 أشخاص, ومن ثم بدؤوا بقتل المزيد, حتى وصلوا إلى داريا وقتلوا 700 شخص, وربما يأتون في المرة القادمة ويقتلون 1000 شخص".
في الأشهر القليلة الماضية, حصلت داريا, التي تبعد خمس دقائق بالسيارة عن العاصمة, على مستوى معين من الاستقلاليَّة ليس من خلال قوة المتمردين ولكن مع قيام الحكومة بسحب قواتها تدريجيًا من أجل القتال في أماكن أخرى, ويزيد أعداد سكان هذه الضاحية عن مائتين ألف نسمة والتي كانت موطنًا لأكثر الأعمال السلميَّة شهرة في بداية الانتفاضة, بما فيها تقديم الورود للقوات التي يتمّ إرسالها لمهاجمة المظاهرات.
علاوة على ذلك, فإن الثوار والناشطين هنا يقولون بأنهم تعلموا من أخطاء المناطق الأخرى التي كانت تعلن مناطق محرّرة حيث أن هذا الأمر يعتبر دعوة لاعتداءات الحكومة والتي لا يملك الثوار العتاد اللازم لمواجهتها, لكن مسلحي الثوار الموجودون في داريا كانوا منخرطين في بعض العمليات التي كانت تستهدف القوات الحكوميّة, بما فيها الهجوم الأخير على مطار المزّة.
في نهاية أغسطس بدأ القصف على داريا في اليوم الثاني من عيد الفطر يوم الاثنين, وقام الجيش السوري الحر في داريا, بمساعدة من مسلحين من ضواح أخرى بعمليات دفاع ضعيفة, حيث هاجموا الدبابات والعربات المدرعة ببنادق الكلاشينكوف والقذائف الصاروخيّة, وفي يوم الجمعة الذي تلا الهجوم, تجاوزت أعداد الإصابات الألف مع تزايد عمليات القصف من القوات الحكوميّة, وانسحب الثوار.
مع حلول الليل, قام جنود الفرقة الرابعة المتمركزون على الجبال المشرفة على المدينة والذين يعرفون بالأوشحة الحمراء على ذراعهم اليسرى بدخول داريا, في اليوم التالي, بدأوا بشنّ مداهمات ممنهجة, وقاموا بإخراج العديد من الرجال من بيوتهم وأخذوهم إلى الطوابق السفليّة الفارغة وأعدموهم بدون إبطاء, حسب روايات الناشطين والمقابلات التي أجرتها هيومان رايتس ووتش, كما قُتل آخرين على يد القناصة من أعلى المباني. المصدر: الاسلام اليوم
|