بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

وقفات مع لقاء الشيخ ياسر برهامي مع هاني رمزي
بقلم: هاني عتمان

بدايةً ليس مقالي هذا موجهًا ضد حركة أو حزب أو تيار .. ولم أقصد به معاداة أحد .. إنما هو تعليق على ممارسة إعلامية لتيار إسلامي .. يفترض أن يحسب حسابًا لكل خطوة يخطوها .. خاصة وأن الآلة الإعلامية الآن هي الآلة الأخطر على الإطلاق والتي تستخدم لقتل الثورة المصرية وأهدافها.

ثم إن ما تعلمناه من مشايخنا أنه لا عصمة لأحد .. وأن الخطأ مكتوب على جبين كل بني آدم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء))، فمن ظن أن سربال العصمة قد أُسبغ على أحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم فيحتاج إلى مراجعة لعقيدته .. حتى يصحح منها ما فسد.

لذا لم أجد حرجًا ـ على حداثة سني بالنسبة للشيخ ياسر برهامي حفظه الله ـ أن أقوم بالتعليق على تلك الزيارة لذلك "الرويبضة". مع إقراري بأن كلامي أيضًا قابل للنقد والاعتراض.

أقول: علل الشيخ ياسر من خلال زيارته لهاني رمزي في برنامجه بعدة أمور:

الأول: أنه كان لا يعلم من هو هاني رمزي.

الثاني: أنه أراد أن يثبت أنه يمكنه الجلوس مع أي أحد حتى ولو كان نصرانيًّا.

الثالث: أن أحد الإخوة "الأفاضل" ممن يثق بهم الشيخ .. ولا زال يثق به حتى بعد ما حدث ـ على حد قول الشيخ ـ قال له: يوجد مذيع نصراني يريد أن يوجه إليك بعض الأسئلة حول قضايا النصارى. فأبدى الشيخ استعداده بلا حرج.

الرابع: رد الشيخ على المعترضين على تلك الزيارة بالآية التي أمر الله تعالى فيها موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون قائلًا: ((اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولًا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى)). وأن هاني رمزي مهما بلغ من عداوة للإسلام فلن يبلغ ما بلغه فرعون في ذلك.

وصراحة .. أشد ما آذاني من تلك التعليلات استدلاله بتلك الآية الشريفة .. فهو استدلال أقل ما يقال عنه: إنه قياس فاسد .. أو قياس مع الفارق. وسأوضح ذلك في حينه.

فأما التعليل الأول بأنه كان لا يعلم من هو "هاني رمزي"، أو كما قال في موضع آخر أنه كان لا يعلم إلى من سيذهب.

فهذه سقطة ولا شك .. وهل في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة لا يستأهل أمر الظهور في الإعلام أمام ملايين البشر في داخل مصر وخارجها أن يحيط الشيخ علمًا بالشخص الذي سوف يحاوره ... هب أنه كان شخصًا مخنثًا إمعة.. هب أنه كان شخصًا سكِّيرا عربيدًا .. هل لو دعاه "زلطة" (الذي أصبح إعلاميًّا شهيرًا) هل سيلبي دعوته بحجة أنه لا يعرفه؟!! .. هل يصح لقيمة وقامة مثل الشيخ ياسر برهامي أن يذهب ويجلس مع أي شخص .. والحجة أنه: لا يعرفه؟!!

وأين المستشار الإعلامي له أو لحزب النور لكي يجري معه ولو اتصالاً ليستفسر منه عن ذلك الشخص الذي سيجلس معه، ثم يقرر بعد ذلك هل قدره يتناسب مع قدر الشيخ؟!!

لا أريد أن أطيل في الرد في تلك الجزئية فهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

وأما التعليل الثاني: أنه أراد أن يثبت أنه يمكنه الجلوس مع أي أحد.

فهل يوجد شخص على وجه هذه الأرض ادعى أن الإسلاميين يرفضون الجلوس مع أي أحد؟!! وهل هذه شبهة مطروحة في الإعلام مثلًا؟!! هل يوجد من الكُتَّاب والصحافيين والمذيعين أو هل يوجد من النصارى من يدعي أن الإسلاميين يرفضون الجلوس معهم؟!!

نعم قد يضعون ضوابط معينة للجلوس مع الأشخاص .. تكون دوافع تلك الضوابط قواعد شرعية لا يمكن التنازل عنها .. أو قواعد أدبية لضمان الالتزام بآداب الحوار .. لكنه أبدًا لا يكون دافع تلك الضوابط خشية غلبة الخصم .. أو عدم الثقة بالحق الذي بين أيدينا .. أو رفض محاورة أصحاب ملة أخرى أو فكر مخالف.

إننا لو نظرنا في واقعنا المعاصر لوجدنا أن أكثر الفصائل انفتاحًا على العالم .. وطلبًا للمناظرة .. وأكثر الفصائل التي يتهافت عليها الإعلام لاستضافتها ستجد ذلك فقط في الفصائل الإسلامية على اختلاف مشاربها.

فمنذ أن قامت الثورة في مصر ـ بل ومن قبلها بعقود ـ ونحن نتحاور ونناظر ونناقش .. صحافيين ومذيعين وسياسيين .. سواء في لقاءات خاصة أو عامة .. ومن قبل ذلك انظروا كمَّ المناظرات التي سُجلت بين الإسلاميين وخصومهم .. سواء كانوا من الشيعة أو من النصارى أو من أية طائفة على وجه الأرض ..

ولِمَ لا؟!! فالحجة التي بين أيدينا .. والحق الذي بين جوانحنا بما يحمل من قوة حجة .. وفصاحة لسان .. ووضوح وبيان .. يهيئ لنا الجلوس مع أي أحد دون خوف أو خجل .. والعالم كله يعلم ذلك .. فهو أمر لا يحتاج إثباتًا من الشيخ ياسر برهامي. فليطمئن الشيخ من ذلك ..

أما التعليل الثالث: بأن أحد الثقات أخبره بكيت وكيت ..

فمع احترامنا لذلك الثقة لكنه كان ينبغي أن لا يلبِّس على الشيخ بمجرد قوله: يوجد نصراني يريد أن يطرح عليك بعض الأسئلة. فلعل صفة (نصراني) هي آخر صفة من الممكن أن نذكرها للمدعو "هاني رمزي"، وأقرب وصف كان ينبغي ذكره أنه شخص (محارِب) لكل ما هو إسلامي، (مدرَّب) على السخرية والاستهزاء بالشعائر قبل الرموز .. وهو دور يقوم به الآن المسلم (كباسم يوسف)، والكافر (كهاني رمزي).

أما الأشد إيلامًا فيما ذكره الشيخ .. هو الاستدلال بذهاب موسى إلى فرعون ..

وأقول: عذرًا شيخنا .. فلم نعد هؤلاء الصغار الذين يتلقون الاستدلالات من غير البحث والإدراك والدراية .. وقبل أن أرد على تلك الجزئية أقول:

منذ حوالي خمس عشرة سنة أو يزيد، ونحن حدثاء عهد بالالتزام والدعوة، سأل أحد أقراني وأصدقائي الشيخ أحمد فريد عن بداية مشايخ الدعوة السلفية، كيف كانت؟ فرد عليه الشيخ قائلًا: كُنَّا أقرانًا، يعلِّم بعضنا بعضًا.

وأذكر ذلك لأنه كان في ذلك الوقت، وقت أن كان مشايخ الدعوة السلفية في مثل أعمارنا الآن تقريبًا .. كانوا يتلقون العلم عن طريق البحث الفردي .. بجانب الاستفادة من العلماء المعاصرين وعلومهم. وهذا ما نفعله نحن الآن .. لكن لعلنا أوفر حظًّا .. فقد تيسر لنا من التقنية الحديثة التي تسهِّل البحث والاستقصاء والفهم للأدلة ومناقشتها، والاطلاع على آراء العلماء والمفكرين ما لم يتوفر لهم إلا بشق الأنفس .. والأجر ولا شك على قدر المشقة.

لذا سأناقش الدليل الذي ذكره الشيخ ليس تعديًا على علمه .. ولكن لأن فهم الدليل ومناقشته هو ما علمنا إياه مشايخنا الكرام، وأمرونا به.

وهنا نطرح سؤالًا:

هل يصح الاستدلال بذهاب موسى إلى فرعون على قضية محددة وهي: (جواز ذهاب أي داعية إلى أي خصم دون اعتبار للمصالح والمفاسد؟!!).

تحليل حادثة ذهاب نبي الله موسى عليه السلام إلى فرعون:

(1) إن موسى عليه السلام كان في الأصل رافضًا لفكرة الذهاب إلى فرعون .. فقد تبين له عقلًا أن المفاسد المتحققة أكثر من المصالح التي يمكن تحقيقها .. يبين ذلك قول الله تعالى على لسان موسى وهارون: ((قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا)) أي يتعجل العقوبة علينا ويقضي علينا قبل البلاغ فلا نستفيد شيئًا ((أو أن يطغى)) بالاعتداء علينا بأصناف الاعتداء.

(2) وهذا يوضح مدى إدراك موسى لطبيعة الخصم .. وقدرته .. فلم يكن فرعون بالشخص المجهول له .. فهو الذي تربى في بيته .. ويعلم عنه ما يؤهله للحكم عليه بذلك الحكم .. مما يرجح أنه لولا تدخل الله تعالى بالأمر المباشر له بالذهاب إلى فرعون لما أقدم موسى على تلك الخطوة على الأقل في هذه المرحلة. ليس خوفًا ولا خورًا .. فحاشا الأنبياء أن يكونوا جبناء .. خاصة وأنه واحد من أولي العزم من الرسل .. وإنما تقديرًا للمصلحة والمفسدة.

(3) من أين أتى الأمر بالذهاب؟ إنه من الله تبارك وتعالى الذي يعلم الغيب .. ويعلم السر وأخفى .. وهو ما يزيل أي شبهة مفسدة ولو كانت قليلة .. لذا كان الذهاب إلى فرعون مليئًا بالمصالح المتحققة الواقعة حتمًا .. بعلم رب الأرباب.

(4) إلى من سيذهب موسى؟ سيذهب إلى فرعون .. والذي رغم طغيانه وجبروته وأنه أعظم طاغوت عرفته الأرض بإجماع الأمة .. إلا أنه يبقى ملِكًا متوجًا على رأس دولة .. فلم يأمر الله تعالى موسى أن يذهب إلى إعلامي في دولة فرعون، ولا إلى وزير ولا حتى إلى هامان وزير دفاعه ومستشاره المقرب. إنما ذهب إلى رأس الدولة مباشرة، وهو الأمر الذي يستأهل التضحية، خاصة وأن فرعون هو من يجبر رعاياه على عبادته إما إغراء بالمال للملأ من حوله .. أو بالحديد والنار والتخويف والإرعاب لبني إسرائيل والمستضعفين من شعبه. فكانت دعوته المباشرة إن أفلحت سيكون لها مردود قوي جدًّا على الدولة بأسرها. وهذا عين ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يخاطب الخصوم من خارج الدولة الإسلامية، فأرسل سفراءه إلى كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشي .. عظماء الإمبراطوريات الموجودة في حينه صلى الله عليه وسلم.

(5) ورغم ذلك أيضًا فإن موسى لتدعيم موقفه .. ولضمان تحقق المصلحة كاملة .. حتى بعد أمر الله تعالى له بالذهاب إلى فرعون .. طلب من الله تعالى أن يدعمه بأخيه هارون .. حتى يكون أفصح لسانًا وأقوى حجة. فجمع بين معرفة الخصم جيدًا من جانب .. وقوة الحجة والفصاحة من جانب آخر. حتى تتحقق المصلحة المرجوة.

(6) كما إننا لو بحثنا عن بديل عن فرعون يصلح أن يحقق نفس تلك المصالح لم نجد لفرعون نظيرًا ولا شبيهًا .. وربما لو توفرت بدائل أخرى تحقق نفس المصلحة لم يكن وقتها من الحكمة الذهاب إلى فرعون .. وتكون عين الحكمة انتقاء أفضل العناصر من البدائل المتاحة.

ختامًا:

إننا لو استعرضنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن التعامل الدعوي للنبي صلى الله عليه وسلم مع المخالفين لدين الإسلام على صور:

الأولى: استقبال الوفود والأفراد، وهذا كان أكثرها تكرارًا وانفتاحًا .. فهو أكثر من أن يحصى .. فكان صلى الله عليه وسلم لا يرد مقبلًا عليه .. سواء راغبًا .. أو مرغِّبا.

الثانية: إرسال السفراء، وكان يخص به سادة الأقوام وملوك الأمم، كما أرسل إلى قيصر وكسرى والمقوقس.

الثالثة: الذهاب بنفسه في حالات ضيقة جدًّا، وكان يذهب إلى السادة في الأقوام والعشائر، وليس للرويبضات، كذهابه لسادة قريش ودعوتهم، وذهابه لعبد الله بن أبي بن سلول في أول إقامة دولة الإسلام.

ولا أدري على أي واحدة من هذه الصور نستطيع أن نقيس ذهاب الشيخ ياسر للتافه البائس رمزي هذا؟!!!

أخيرًا ..

لم يكن ذلك إقلالًا من شأن الشيخ .. لا في علمه . . ولا تاريخه الدعوي .. وإنما هو من جنس السير في إصلاح الخطاب الإعلامي للإسلاميين.

ومن جهة أخرى دعوة أيضًا للتعايش مع الأدلة الشرعية والنظر فيها بشيء من التأمل، وإعادة النظر عند الاستدلال بها على واقعنا المعاصر.