في بداية كل رمضان من كل سنة هجرية يختلف المسلمون في بداية صومهم و في يوم عيد الفطر اختلافا ظاهرا يُكرّس الفرقة بينهم ،و يجعل العديد في حيرة من أمرهم، و نجد في البلد الواحد من يصوم مع أول دولة تعلن رؤية الهلال رؤية شرعية ،و من يصوم مع رؤية أهل بلده. هذا الاختلاف صوّره لنا الإعلام أنه ناتج عن الاختلاف الحاصل بين الفقهاء و العلماء الذين يصرّون على الوقوف على حرفية النصوص الشرعية و بالتالي على رؤية العين المجرّدة و عدم الأخذ بالعلم الحديث و بين علماء الفلك الذين يتتبعون حركة القمر و يعتمدون على الحساب في تحديد بداية الشهور القمرية و نهايتها وهذا ما طرحته قناة الجزيرة و قناة العربية الأربعاء 27/8. فأصبح المشاهد و المتابع للإعلام يرى أن هذا هو أصل الخلاف و أنه لا يوجد سبب آخر للخلاف.

قناة الجزيرة:
من خلال برنامج بلا حدود الذي بُث الأربعاء27/8 من لندن ، استضاف البرنامج الدكتور محمد الأوسط العياري أحد أبرز العلماء العاملين في وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا" و الذي اخترع أهم منظار تلسكوبي يمكن أن يرصد ولادة القمر و قد ذكر العياري أن الذي دفعه لهذا الاختراع طلب من طفلة عمرها 12 سنة تسكن في الحي الذي يسكنه في تونس بعد عودته من أمريكا حيث سألته لماذا لا يمكن لكم أن تضعوا حدا للخلافات الحاصلة في رؤية هلال رمضان؟
و قد ذكر أحمد منصور مقدم برنامج بلا حدود في مقدمة البرنامج ما يلي:
"...و يتكرر ما يحدث كل عام من خلافات بين الدول الاسلامية حول بدايات الأشهر الهجرية التي تحدّد بدايات هذه العبادات و نهايتها، فيتفرّق المسلمون في أداء العبادات الربّانية كما هم متفرّقين في أمور دنياهم. و بينما يُصرّ بعضهم على الوقوف على حرفية النصوص و عدم الأخذ بالعلم الحديث أو معطياته في تحديد بدايات الشهور و نهاياتها، فإن آخرين يرون أن العلم الحديث هِبة ربّانية للبشر حتى يختصروا كثيرا من المسافات و يتجاوزوا كثيرا من الخلافات و يقتربوا بالبشرية إلى حيث أراد الله لها أن تكون..."
و لقد وصف هذا المنظار التلسكوبي بأنه يمكن أن يضع حدّا لهذه الخلافات " إذ أنه يرصد ولادة القمر رأي العين في كل دولة إسلامية، فيضع حدا للخلافات إن أراد حكام المسلمين ذلك"

قناة العربية:
في برنامج بانوراما على قناة العربية الأربعاء 27/8 كان الموضوع بعنوان " رصد الهلال: بالعين المجرّدة أم علم الفلك".
و استدعت الدكتور حسن باصُرّة رئيس قسم الفلك بجامعة الملك عبد العزيز و الدكتور محمد النعيمي عضو مجمع الفقهاء الذي ذكر أنه لا بد من الاعتماد على علم الفلك في النفي لا في الاثبات .
وقد ذكرت العربية أن مجلس القضاء الأعلى بالمملكة السعودية يدعو إلى تحري شهر رمضان مساء السبت في حين أن مشروع رصد الأهلة بالامارات يرى أن هناك استحالة رؤية هلال رمضان قبل غروب الشمس يوم السبت، و ذكرت العربية أن علماء الفلك يحذّرون من الخلط بين هلال رمضان و رؤية كواكب الزهرة و عطارد و المريخ.
ــــــــــــــ
إن صعيد البحث خاطىء من أساسه. لأنّ الاختلافات الحاصلة في تحديد بدء صوم رمضان و بدء عيد الفطر هو بسبب اعتماد كل دولة في بلاد الاسلام على رؤيتها الخاصة ، فنحن نرى إذا ما استثنينا ليبيا التي تعتمد على الحساب فإن أي دولة إذا غُمّ عليها هلال رمضان فإنها لا تأخذ برؤية أي دولة أخرى. ثمّ نجدهم في هلال ذي الحجّة يعتمدون على رؤية السعودية في تحديد يوم عرفة و يوم عيد الأضحى.
مما يؤكّد أن مسألة الخلاف بين الفقهاء و علماء الفلك مسألة ثانوية ومصطنعة و إنما هو في الحقيقة خلاف سياسي بين الحكومات القائمة في العالم الإسلامي التي تمعن في التفرقة بين المسلمين و الوقوف ضد أي محاولة للتوحّد. و توحيد الصوم بين المسلمين قد تتبعه مطالبة نحو الوحدة السياسية التي تتجسد في دولة الخلافة التي يقودها إمام واحد يحكم بين الناس بشرع الله و يعمل على نشر الاسلام في العالم بالدعوة و الجهاد.
إن غياب دولة الخلافة التي توحّد بين المسلمين هو السبب الرئيس في كل المصائب التي حلت بالأمة و كثرة الخلافات، و من السهولة بمكان عند وجود الخليفة أن تحل تلك الخلافات بتطبيق قاعدة " أمر الإمام يرفع الخلاف" و قاعدة " أمر الإمام نافذ ظاهرا و باطنا". ناهيك عن توفّر وسائل الاتصال التي حولت العالم إلى قرية صغيرة كما يقولون.فيصل خبر رؤية الهلال إلى جميع المسلمين في كافة أنحاء الارض.
فإذا رأى الإعلام أنه قد ساءته الخلافات بين المسلمين فعليه أن يتبنى مشروع الوحدة بين المسلمين و أن يفتح منابره لمن يدعو إلى وحدة المسلمين في كيان واحد، فيكون بذلك يسير في الاتجاه الصحيح و إلا فهو مشارك في تفريق الأمة و واقف حاجزا ضد وحدتها.

اللهم ارزقنا بامام عادل يكون خليفة للمسلمين يوحد امرهم ويكون امره نافذ ظاهر وباطنا ويوحد رؤية هلال رمضان