بسم الله الرحمن الرحيم
فلسطين اليوم- الحياة اللندنية - تجمع المقدسيون، كما لم يتجمعوا في مناسبة أخرى، وهم يشاهدون الجرافات الاسرائيلية تهدم فندق «شيبرد» التاريخي في المدينة قبل اسبوعين. وبدا انهيار الحجارة والجدران في الفندق الذي بناه مفتي فلسطين الراحل، أحد قادة الحركة الوطنية الحاج أمين الحسيني، كأنه انهيار لما تبقى
من أحلام الفلسطينيين في المدينة المقدسة التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وأعلنتها عاصمة أبدية لها، فالفندق الذي اتخذه الزعيم الحسيني مقراً له في ثلاثينات القرن الماضي في ذروة الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني والاستيطان، كان مقراً لحركة الاستقلال الفلسطيني وحلمه.وظهرت أثناء هدم الفندق صورتان، صورة لتجمع ضم عشرات الفلسطينيين الغاضبين الذين يلعنون القادة والزعماء العرب لإخفاقهم في حماية القدس، وأخرى لمئات اليهود الذين احتفلوا بإزالة هذا المَعْلَم الفلسطيني من المدينة ليحل محله تجمع استيطاني جديد يتألف من 70 وحدة سكنية ستضم 70 عائلة من المستوطنين في قلب القدس.
وأوضح رئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في المدينة خليل التوفكجي: «
الاسرائيليون ابتهجوا لهدم فندق شيبرد لأنه يمثل رمزية عالية في التاريخ الفلسطيني، رمزية النضال من اجل الاستقلال، فهم شعروا أنهم بهدم هذا الفندق يهدمون رمزاً فلسطينياً كبيراً في القدس».
وسعت إسرائيل منذ الايام الاولى لاحتلال المدينة عام 1967 الى إحداث تغييرات جذرية في تركيبتها وتحويلها من مدينة فلسطينية وعربية الى مدينة يهودية اسرائيلية. ولتحقيق هذا الهدف الذي تبنته الحكومات المتعاقبة هدفاً استراتيجياً، اتبعت إسرائيل سلسلة كبيرة متشابكة من السياسات بدأت بالاستيلاء على كل المباني والبيوت الحكومية والخاصة التي تعود لأشخاص يعيشون في الخارج، ومصادرة الأراضي العامة وتحويلها الى اليهود، وبناء مجموعة من المستوطنات في قلب المدينة وحولها فصلت بين الأحياء العربية والحوض المقدس، وبين المدينة وباقي أجزاء الأراضي الفلسطينية.
وقال التوفكجي إن إسرائيل بادرت فور احتلال المدينة الى السيطرة على المباني التابعة للحكومة الاردنية، مثل البريد ومقر المحافظ والمتحف الفلسطيني والمستشفى الحكومي والمدارس كافة. كما حولت مقر المحافظ الواقع في شارع صلاح الدين الى مقر لوزارة العدل الاسرائيلية، وهي الوزارة الاسرائيلية الوحيدة الواقعة في القدس الشرقية.
وتمثلت الخطوة التالية في السيطرة على البيوت التي ادعى يهود ملكيتها قبل إقامة اسرائيل عام 1948، مثل حارة الشرف او حارة اليهود. وتبلغ مساحة هذه الحارة 116 دونماً مربعاً، أفرغت اسرائيل سكانها العرب وحولتها إلى منازل لمستوطنين يبلغ عددهم اليوم 2400 مستوطن. ولم يحظ الفلسطينيون الذين كانوا يمتلكون عقارات وأراضي في القدس الغربية قبل عام 1948 بمعاملة مماثلة. وحسب التوفكجي، سيطرت اسرائيل من خلال هذه السياسة على عشرات البيوت والمباني العربية في القدس، 70 مبنى في البلدة القديمة و20 بيتاً في سلوان وعشرات البيوت الأخرى المتفرقة في باقي الأحياء.
وكانت الخطوة التالية مصادرة 35 في المئة من أراضي القدس وتحويلها الى أراضي دولة تنحصر حق ملكية العقارات التي تقام عليها بمواطني إسرائيل، وهو ما لا ينطبق على أهالي القدس الفلسطينيين الذين اعتُبروا بموجب القانون الاسرائيلي مقيمين وليسوا مواطنين.وبيّنت وثيقة حديثة صدرت عن رؤساء البعثات الديبلوماسية الاوروبية في القدس موجهة الى وزارات الخارجية في بلدانهم، أن إسرائيل سعت عقب احتلال القدس الى تغيير ديموغرافي شامل في المدينة. وأضافت ان اسرائيل استهدفت في المرحلة الاولى الحوض التاريخي للقدس الذي يضم البلدة القديمة والأحياء المحيطة بها، مثل الشيخ جراح وراس العامود والطور وسلوان ووادي الجوز، والتي وصل عدد المستوطنين فيها الى خمسة آلاف مستوطن، أربعة آلاف منهم يعيشون في البلدة القديمة.
وقالت الوثيقة الأوروبية ان جمعيات اسيتطانية تولت زرع المستوطنين في هذا الحوض الذي جمع المواقع الدينية مثل جمعية «عطيرت كوهانيم» و«جمعية العاد». وأضافت ان إسرائيل عمدت الى خلق تواصل استيطاني في الحوض التاريخي تكوّن من مجموعة من المستوطنات الصغيرة والحدائق العامة والمواقع الاثرية والتجمعات السياحية على طول الجدارين الشرقي والجنوبي من القدس. وبيّنت أن هذه الانشطة الاستيطانية عملت على إحاطة الحوض التاريخي واحتوائه وقَطْع التواصل بين الاحياء المقدسية والبلدة القديمة وفصل المواقع الدينية الاسلامية والمسيحية عن باقي القدس.
وكانت الخطوة التالية إقامة طوق داخلي حول القدس من سلسلة من المستوطنات (12 مستوطنة) فصلتها عن باقي أجزاء الضفة الغربية. ويعيش في هذه المستوطنات نحو 190 الف مستوطن. وعززت اسرائيل هذا الطوق في السنوات الأخيرة بإقامة جدار حول المدينة ضم تلك المستوطنات، وأخرج من المدينة احياء عربية عدة يقطنها 120 ألف فلسطيني من مجموع السكان الفلسطينيين في القدس البالغ عددهم 280 الفاً. ثم أقامت الى جانب هذا الطوق طوقاً ثانياً من المستوطنات المتعمقة في قلب الضفة مثل «معالية ادوميم» و«جفعات زئيف» و«غوش عتصيون». وتصل «معالية ادوميم» الى مشارف مدينة أريحا في الأغوار.
وكانت إسرائيل أضافت 70 كيلومتراً مربعاً الى حدود بلدية القدس بعد أن احتلتها وضمتها عام 1967 معلنة عنها، مع الجزء الغربي من القدس، عاصمة موحدة وأبدية لاسرائيل. وحسب إحصاءات إسرائيلية، فإن نحو مليون شخص (924 ألفاً) يعيشون اليوم داخل حدود مدينة القدس الموحدة، منهم 30 في المئة فقط فلسطينيون. وقالت الوثيقة الأوروبية إن خططاً حكومية اسرائيلية أعلنت أنها تعمل على إبقاء نسبة الفلسطينيين في القدس دون الـ 30 في المئة.وشكلت القدس العقبة الكبرى أمام توصل الفلسطينيين والاسرائيليين الى اتفاق سلام في مفاوضات «كمب ديفيد» عام 2000. وكثفت إسرائيل البناء الاستيطاني في القدس بعد انهيار المفاوضات بهدف خلق واقع جديد في المدينة يصعب على أي حكومة قادمة التوصل الى اتفاقات تتعارض معه. وبينت وثيقة رؤساء البعثات الديبلوماسية الاوروبية في القدس، أن 37 في المئة من البيوت الجديدة التي أقيمت في الفترة بين 2001 و 2009 كانت في مدينة القدس، وان من بين نصف مليون مستوطن في الضفة ثمة 190 الف في القدس.
وتتآلف جهات اسرائيلية عديدة في سعيها للسيطرة على العقارات العربية في القدس، مثل الجمعيات الاستيطانية ورجال أعمال إسرائيليون يديرون شركات مسجلة في دول غربية مثل إيرفينغ ميسكوفيتش وغيره. وسيطرت شركة سويسرية يمتلكها موسكوفيتش على فندق شيبرد عبر شراء حق إدارته من عائلة كانت تتولى إدارته. وقال محافظ القدس عدنان الحسيني إن السلطات الاسرائيلية كانت جزءاً من المؤامرة على تحويل الفندق الى مجمع استيطاني، مشيراً الى أن السلطات الرسمية قدمت لشركة موسكوفيتش كل الموافقات اللازمة لإقامة البناء.
ويخلق التجمع الاستيطاني الجاري إقامته في موقع الفندق امتداداً اسرائيلياً يربط بين الجامعة العبرية وهذه الـمنطقة، وصولاً الى مجمع المباني الحكومية. وقال التوفكجي ان المخطط الاسرائيلي يقوم على جعل هذا التجمع الاستيطاني جزءاً من طوق استيطاني حول القدس يمتد من الشيخ جراح وكرم المفتي و «بيت أوروت» على جبل الزيتون، وصولاً إلى رأس العامود حيث المستوطنة التي أقيمت قبل خمسة أعوام وتضم 132 وحدة استيطانية. وأضاف ان المشروع يحول دون حدوث تمدد فلسطيني في هذه الـمنطقة من القدس الشرقية التي غيرت اسرائيل ملامحها العربية الى ملامح اسرائيلية.